Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } يعني البيّن حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وهداه وبركته ، قال معاذ بن جبل : بيّن فيه الحروف التي سقطت من ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف . { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ } يعني الكتاب { قُرْآناً عَرَبِيّاً } بلغتكم يا معشر العرب { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لكي تعلموا معانيه وتقيموا ما فيه { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي نقرأ ، وأصل القصص تتبع الشيء ، ومنه قوله تعالى { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } [ القصص : 11 ] فالقاص يتتبع الآثار ويخبر بها . { أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } يعني قصة يوسف { بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } و { ما } المصدر أي بإيحائنا إليك هذا القرآن { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ } من قبل وحينا { لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } قال سعد بن أبي وقاص : أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زماناً ، وكأنهم ملّوا فقالوا : لو قصصت علينا ، فأنزل الله تعالى { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } الآية ، فقالوا : يا رسول الله لو ذكرتنا وحدثتنا فأنزل الله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الحديد : 16 ] الآية ، فقال الله تعالى على هذه الآية : أحسن القصص . واختلف الحكماء فيها لم سميت أحسن القصص من بين الأقاصيص ؟ فقيل : سماها أحسن القصص لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة ، وقيل : سمّاها أحسن لامتداد الأوقات فيما بين مبتداها إلى منتهاها ، قال ابن عباس : كان بين رؤيا يوسف ومصير أبيه وأخوته إليه أربعون سنة ، وعليه أكثر المفسرين ، وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون سنة . وقيل : سماها أحسن القصص لحسن مجاورة يوسف إخوته ، وصبره على أذاهم ، وإغضائه عند الإلتقاء بهم عن ذكر ما تعاطوه ، وكرمه في العفو عنهم وقيل : لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والأنس والجن والأنعام والطير ، وسير الملوك والمماليك ، والتجار والعلماء والجهال ، والرجال والنساء ، وحيلهن ومكرهن ، وفيها أيضاً ذكر التوحيد والعفة والسير وتعبير الرؤيا السياسة وتدبير المعاش ، وجعلت أحسن القصص لما فيها من المعاني الجزيلة والفوائد الجليلة التي تصلح للدين والدنيا ، وقيل : لأن فيها ذكر الحبيب المحبوب . وقيل : أحسن القصص هاهنا بمعنى أعجب . { إِذْ قَالَ يُوسُفُ } قراءة العامة يوسف بضم السين ، وقرأ طلحة بن مصرف بكسر السين ، واختلفوا فيه فقال أكثرهم : هو اسم عبريّ فلذلك لا يجري ، وقال بعضهم : هو اسم عربي . سمعت أبا القاسم الحبيبي ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا الحسن الأقطع ، وكان حكيماً ، وسئل عن يوسف ، فقال : الأسف : الحزن ، والأسيف : العبد واجتمعا في يوسف فلذلك سمي يوسف . { لأَبِيهِ } يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ( عليهم السلام ) . روى أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ( عليهم السلام ) " . { يٰأَبتِ } قرأ أبو جعفر وابن عامر بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير يا أبتاه ، وقرأ الباقون بالكسر ، لأنه أصله يا أبه على هاء الوقف والجر . { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } نصب الكوكب على التمييز ، { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } ولم يقل : رأيتها لي ساجدة ، والهاء والميم والياء والنون من كنايات ما يعقل ؛ لأن السجود فعل ما يعقل فعبّر عنها بكنايتها كقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } [ النمل : 18 ] الآية . روى السدّي عن عبد الرحمن بن [ ساريا ] ، عن جابر ، قال : " سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود يقال له بستان ، فقال : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها ، فسكت ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هل أنت مؤمن إن أخبرتُ بأسمائها ؟ " قال : نعم ، فقال : " حرثان والطارق والذيال وذو النقاب وقابس ووثاب وعمودان والمصبح والفليق والضروح وذو الفرغ ، رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء فسجدن له فقال اليهودي : إي والله إنها لأسماؤها " . قال ابن عباس : الشمس والقمر أبواه والكواكب إخوته الأحد عشر . وقال قتادة : الشمس أبوه والقمر خالته ، وذلك أن أمه راحيل كانت قد ماتت ، قال وهب : وكان يوسف رأى وهوابن سبع سنين ، أن احدى عشرة عصاً طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة ثبتت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه ، فقال له : إياك أن تذكر هذا لإخوتك ، ثم رأى وهو ابن اثني عشرة سنة أنّ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر سجدن له فقصّها على أبيه فقال له : { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } فيبغوا لك الغوايل ويحتالوا في إهلاكك ، لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } . واختلف النحاة في وجه دخول اللام في قوله لك ، فقال بعضهم : معناه فيكيدوك واللام صلة ، كقوله { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] وقال آخرون : هو مثل قولهم : نصحتك ونصحت لك ، وشكرتك وشكرت لك ، وحمدتك وحمدت لك ، وقصدتك وقصدت لك . { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } كقوله : [ يصطفيك ويختارك ] ليوسف { وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } تعبير الرؤيا وسمي تأويلا لأنه يؤوّل أمره إلى ما رأى في منامه { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ } بالخلة وإنجائه من النار قال عكرمة : بأن نجّاه من الذبح وفداه بذبح عظيم . وقال الباقون : بإخراج يعقوب ، والأسباط من صلبه . { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ولهذا قيل : العرق نزّاع والأصل لا يخطئ ، فلمّا بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه ، قال ابن زيد : كانوا أنبياء ، وقالوا : ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه ، فبغوه بالعداوة .