Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 7-18)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ } أي في خبره وخبر إخوته { وَإِخْوَتِهِ } وأسماؤهم روبيل وهو أكبرهم ، وشمعون ، ولاوي ، ويهودا ، وزيالون ، وأمنجر ، وأُمهم ليا بنت ايان وهي ابنة خال يعقوب ، وولد له من سريّتين له اسم احداهما زاد الأُخرى ملده ، أربعة نفر ، دان ونفتالي وجاد وآشر ، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل ، فولدت له يوسف وبنيامين ، وكان بنو يعقوب اثني عشر رجلا . { آيَاتٌ } قرأ أهل مكة آية على الواحد ، أي عظة وعبرة ، وقيل : عجب ، يقال : فلان آية في الحسن والعلم أي عجب ، وقرأ الباقون : آيات على الجمع { لِّلسَّائِلِينَ } وذلك أن اليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فأخبرهم بها كما في التوراة فعجبوا منه وقالوا : من أين لك هذا يا محمد ؟ قال : « علّمنيه ربي » وقيل : معناه للسائلين ولمن لم يسأل ، كقوله : { سَوَآءً لِّلسَّآلِينَ } . { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ } اللام فيه جواب القسم تقديره : تالله ليوسف وأخوه بنيامين { أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } أي جماعة والعصبة ما بين الواحد إلى العشرة ، وقيل : إلى الخمسة عشر ، وقيل : ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } خطأ بيّن في إيثاره يوسف وأخاه علينا . { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ } اختلفوا في تأويل هذا القول ، فقال وهب : قاله شمعون ، كعب : دان ، مقاتل : روبيل { أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً } أي في أرض { يَخْلُ لَكُمْ } يخلص ويصفو لكم . { وَجْهُ أَبِيكُمْ } عن شغله بيوسف فإنه قد شغله عنّا وصرف وجهه إليه عنّا { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ } من بعد قتل يوسف { قَوْماً صَالِحِينَ } تائبين ، وقال مقاتل : يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم . { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } وهو روبيل ، وقال السدي : هو يهودا ، وهو أعظمهم وكان ابن خالة يوسف ، وكان أحسنهم فيدايا نهاهم عن قتله وقال لهم : { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } فإن قتله عظيم . { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } أي في قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره ، قتادة : في أسفله ، والغيابة : كل شيء غَيَّبَ شيئاً ، وأصلها من الغيبوبة ، وقرأ أهل المدينة : غيابات الجب ، على الجمع ، والباقون : غيابة ، على الواحد ، والجبّ : البئر غير المطويّة ، قتادة : هو بئر بيت المقدس ، وقال وهب : هو بأرض الأردن ، كعب : بين مدين ومصر ، مقاتل : على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب . { يَلْتَقِطْهُ } بعض السيارة يأخذه ، قراءة العامة بالياء لأنه البعض وقرأ الحسن : تلتقطه بالتاء لأجل السيارة ، والعرب تفعل ذلك في كل خبر كان عن مضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبراً عن جميعه ، كقول الشاعر : @ أرى مرّ السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال @@ ولم يقل أخذت وقال الآخر : @ إذا مات منهم سيد قام سيد فدانت له أهل القرى والكنائس @@ { بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } بعض مارّي الطريق من المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى فينستر خبره { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } ما أقول لكم . قيل للحسن : أيحسد المؤمن ؟ قال : ما أنساك بني يعقوب ؟ لهذا قيل : الأب جلاب ، والأخ سلاب ، فعند ذلك أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الاحتيال ، فقالوا ليعقوب { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا } قرأ أبو جعفر بالنون ، وقرأ الباقون بإشمام النون للضمّة ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، لأن أصله تأمننا بنونين فأُدغمت أحدهما في الأخرى . { لَهُ لَنَاصِحُونَ } نحوطه ونحفظه حتى نردّه إليك ، مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير وذلك أن أخوة يوسف قالوا لأبيهم { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } قال أبوهم : { إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } فحينئذ قالوا { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً } إلى الصحراء { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } . وقرأ أبو عمرو بالنون فيهما وكذلك ابن عامر قال ، هارون : فقلت لأبي عمرو : كيف تقرأ نرتع ونلعب وهم أنبياء ؟ قال : لم يكونوا يومئذ أنبياء ، وقرأ أهل الكوفة كلاهما بالياء أي ننعم ونأكل وننشط ونلهو ، يقال : رتع فلان في ماله إذا أنعم وأنفقه في شهواته . قال القطامي : @ أكفراً بعد ردّ الموت عنّي وبعد عطائك المائة الرتاعا @@ وقال ابن زيد : معناه يرعى غنمه ، وينظر ويعقل فيعرف ما يعرف الرجل . وقرأ يعقوب ( نرتع ) بالنون { وَيَلْعَبْ } بالياء ردّاً للعب إلى يوسف والرتوع إلى إخوته ، وقرأ أهل الحجاز نرتع بكسر العين من الارتعاء ، أي نتحارس ويحفظ بعضنا بعضاً { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . { قَالَ } لهم يعقوب { إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } أي ذهابكم { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } لا تشعرون ، وذلك أن يعقوب رأى في منامه أن الذئب قد شدّ على يوسف وكان يحذره ، ومن ثم قال هذا فلقّنهم العلة وكانوا لا يدرون فقالوا : { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } عشرة رجال { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } ضعفة عجزة مغبونون . { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } في الكلام إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلمّا ذهبوا به { وَأَجْمَعُوۤاْ } وعزموا على { أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْه } هذه الواو مقحمة زائدة تقديره أوحينا ، كقوله تعالى { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103ـ104 ] أي ناديناه وقال امرؤ القيس : @ فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل @@ أراد انتحى . { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يعني أوحينا إلى يوسف ، [ سوف تتحقق ] رؤياك ، ولتخبرنّ إخوتك بصنيعهم هذا وما فعلوه بك ، وهم لا يشعرون بوحي الله إليه وإعلامه إياه ذلك ، وهذا معنى قول مجاهد ، وقيل : معناه وهم لا يشعرون أنك يوسف . قال ابن عباس : لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطنَّ وقال : أنه ليخبرني هذا الجام إنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، يدنيه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب ثم جئتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله وبعتموه بثمن خس ، فذلك قوله { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . قال السدّي : أرسل يعقوب يوسف معهم فأخرجوه وبه عليهم من الكرامة ، فلمّا برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يجد منهم رحمة ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما يصنع بابنك هؤلاء الأبناء . فلمّا كادوا ليقتلوه قال يهودا : أليس سألنا أبانا موثقاً ألاّ تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فجعلوا يدلونه في البئر ، فتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ، ردّوا عليّ القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً تؤنسك ، قال : إنّي لم أرَ شيئاً . فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فيه فقام عليها ، فلمّا ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنّها رحمة أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه فقام يهودا فمنعهم وقال : قد أعطيتموني موثقاً ألاّ تقتلوه ، وكان يهودا يأتيه بالطعام . ويقال : إن الله تعالى أمر صخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها وهو عريان ، وكان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين أُلقي في النار جرّد من ثيابه وقذف في النار عرياناً فأتاه جبريل ( عليه السلام ) بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه وكان ذلك [ القميص ] عند إبراهيم ، فلمّا مات ورثه إسحاق ، فلمّا مات إسحاق ورثه يعقوب ، فلمّا شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلّقه في عنقه ، فكان لا يفارقه ، فلمّا أُلقي في البئر عرياناً جاء جبرئيل وكان عليه ذلك التعويذ أخرج القميص منه وألبسه إياه ، قال ابن عباس : ثم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف . { وَجَآءُوۤ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار وترويج ما مكروا ، وقد قيل : لا تطلب الحاجة بالليل وإن الحياء في العينين ، ولا يعتذر من ذنب في النهار فيتلجلج في الاعتذار فلا يقدر على إتمامه ، وقيل : أخّروا المجيء إلى وقت العشاء الآخرة ليدلّسوا على أبيهم قال السدّي : فلمّا سمع أصواتهم فزع وقال : ما لكم يا بنىّ ؟ وهل أصابكم في غنمكم شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فما أصابكم ؟ وأين يوسف ؟ { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } أي نترامى ، دليله قول عبد الله : ننتضل ، السدّي وابن حيان : نشتد { وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ } مصدّق { لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } لسوء ظنّك بنا وتهمتك لنا ، وهذا قميصه ملطخ بالدم فذلك قوله { وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي بدم كذب ، وقيل : بدم ذي كذب لأنه لم يكن دم يوسف وإنما كان دم شاة ، وهذا كما يقال : الليلة الهلال ، وقيل : معناه بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم ، كما يقال : ماله عقل ولا معقول . وقرأت عائشة : بدم كدب بالدال غير المعجمة ، أي طري ، فبكى يعقوب عند ذلك ، وقال لبنيه : أروني قميصه فأروه ، فقال : يالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا ، أكل ابني ولم يخرق عليه قميصه ، فحينئذ { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ } رتبت { أَمْراً فَصَبْرٌ } أي فمنّي أو فعليَّ صبر ، وقيل : فصبري صبرٌ { جَمِيلٌ } وقرأ الأشهب والعقيلي : فصبراً على المصدر أي فلأصبرنّ صبراً جميلا ، وهو الصبر الذي لا جزع ولا شكوى فيه . وقيل : معناه لا أعاشركم على كآبة الوجه وحبوس الحنين ، بل أكون في المعاشرة معكم جميلا كما كنت . وروى عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن ثابت أن يعقوب النبي ( عليه السلام ) كان قد سقط حاجباه على عينيه وكان يرفعهما بخرقة فقيل له : ما هذا ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله إليه : يا يعقوب أتشكوني ؟ قال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي . { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } من الكذب ، قالوا : وكان يوسف حين أُلقي في الجب ابن ثماني عشرة سنة ، وقيل : سبع عشرة سنة ، وقيل : كان ابن عشر ، ومكث فيه ثلاثة أيام .