Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 23-29)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا } يعني امرأة العزيز ، وطلبت منه أن يواقعها { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } وكانت سبعة . { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، اختلف القراء فيه ، فقرأ ابن عباس والسلمي وأبو وائل وقتادة : هِئتُ لك بكسر الهاء وضم التاء مهموزاً ، بمعنى تهيأتُ لك ، وأنكرها أبو عمرو ، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : سمعت أبا عمرو وسئل عن قراءة من قرأ : هِئتُ لك بكسر الهاء وهمز الياء فقال أبو عمرو : باطل ، جعلها من تهيأت ، اذهب واستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن ، هل تعرف أحداً يقول هذا ؟ وقال الكسائي أيضاً : لم يُحكَ هئت عن العرب ، وقال عكرمة : هِئتُ لك : أي زيّنت لك وحسنت وهي قراءة غير مرضية ، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وعبدالله بن أبي إسحاق : هيت لك بفتح الهاء وكسر التاء ، وقرأ يحيى بن وثاب : هِيتُ بكسر الهاء وضم التاء ، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء ، وأنشد طرفة : @ ليس قومي بالأبعدين إذا ما قال داع من العشيرة هَيتَ هم يجيبون إذا هم سراعا كالأبابيل لا يغادر بيت @@ وقرأ أهل المدينة والشام بكسر الهاء وفتح التاء ، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء ، وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم واللغة المعروفة عند العرب ، الشعبي عن عبد الله بن مسعود : أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم هَيتَ لك . وروى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قرأ هيت لك ، فقيل له : هيت لك ، فقال ابن مسعود : إنما نقرأها كما تعلّمناها وسمعناها جميعاً هلُمَّ وأقبل وادنُ ، قال الشاعر [ يخاطب ] أمير المؤمنين علي ( رضي الله عنه ) : @ أَبلغْ أمير المؤمنين اهل العراق إذا أتيتا أن العراق وأهله سلم [ إليك ] فهيت هيتا @@ قال السّدّي : هي بالقبطيّة هلمّ لك ، وقال الحسين : هيت لك كلمة بالسريانية أي عليك ، قال أبو عُبيد : كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها تعالَ ، قال أبو عبيد : سألتُ شيخاً عالماً من حوران فذكرَ أنها لغُتهم ، وكذا قال عكرمة ، وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها وهي كلمة حَثّ وإقبال على الشيء ، وأصلهما من [ الدعوة ] والصياح تقول العرب : هيّتَ فُلان بفلان إذا دعاهُ وصاحَ به ، قال الشاعر : @ قَدْ رابني أنّ الكريّ أسكتا لو كان مَعْنيّاً بها لهَيَّتا @@ أي صاح به ، والكريّ المكاريّ . وقال أُستاذنا أبو االقاسم بن حبيب : رأيتُ في بعض التفاسير هيتَ لك يقول : هل لك رغبة في حُسني وجمالي ، وذكر أبو عبيدة أن العرب لاتُثنّي هَيتَ ولا تجمع ولا تؤنّث ، وإنّها بصورة واحدة في كلّ حال وإنّما تتميّز بما بَعدها وبما قبلها . قال يوسف ( عليه السلام ) عندَ ذلك : { مَعَاذَ ٱللَّهِ } أعتصمُ وأستجيرُ بالله ممّا دعوتِني إليه وهو مصدر تقديره : عياذاً بالله . { إِنَّهُ رَبِّيۤ } يعني إنّ زَوجكِ قطفير سيديّ ، { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي منزلتي ، وعلى هذا أكثر المفسّرين ، قال بعضهم : إنّها مردودة الى الله { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي آواني ومن بلاء الحب عافاني . { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } يعني إن فعلتُ ، وأْتَمنني هذا فخنتُه في أهلهِ بعدما أكرمني وأْتمَنني وأحسنَ مثواي فأنا ظالم ولا يُفلح الظالمون ، وقيل الزناة . { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } يعني الهَمُّ بالشيء : حَديث المرء نفسَهُ به ، ولمّا يفعل ذلك . يقول الشاعر : @ هممتُ وَلمْ أفعلْ وكِدتُ وليتني تركتُ على عثمان تبكي حَلائلهُ @@ فأما ما كان من همّ يوسف ( عليه السلام ) بالمرأة وهمتها بهِ ، فإنّ أهل العلم ( اختلفوا ) في ذلك ، فروى سفيان بن عُيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال : سَمِعتُ ابن عباس سُئِلَ : ما بلغَ من همّ يوسف قال : حَلَّ الهميان وجلس منها مجلس المُجامع . وروى ابن جريح عن ابن أبي عطية ، قال : سألتُ ابن عباس ( رضي الله عنه ) : ما بلغَ من همّ يوسف ، قال : استلقتْ له على قفاها وقعد بين رجليها لينزع ثيابَهُ . سعيد بن جُبير : أطلق تكة سراويله ، مُجاهد : حَلَ السراويل حَتّى بلغَ الثفن ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته . الضحاك : جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بيده إلى جيد يوسف ، وباليد الأخرى إلى جيد المرأة حتّى جمع بينهما . قال السَديّ وابن اسحاق : لمّا أرادت امرأة العزيز مُراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر لهُ محاسن نفسه وتُشوّقه إلى نفسها فقالت له : يا يوسف ما أحسن شعرك قال : هو أوّل ما ينتثر من جسدي ، قالت : يا يوسف ما أحسنَ عينك قال : هي أوّل ما تسيلُ إلى الأرض من جسدي ، قالت : ما أحسن وجهك قال : هو للتُراب يأكله ، فلم تزل تُطيعه مرّة وتخيفه أُخرى وتدعوه إلى اللذّة ، وهو شاب مستقبل بجد من شبق الشباب ما يجد الرجل ، وهي حسناء جميلة حتى لانَ لها ممّا يرى من كلفها به ولما يتخوف منها حتى خليا في بعض البيوت وهمَّ بها ، فهذه أقاويل المفسّرين من السلف الصالحين . وقالت جماعة من المتأخرين : لا يليق هذا بالأنبياء [ : ] فأوّلوا الآية بضروب من التأويل ، وقال بعضهم : وهمَّ بالفرار منها ، وهذا لا يصحّ لأنّ الفرار مذكور وليس له في الآية ذكر ، وقيل : هَمَّ بضربها ودفعها ، وقيل : هَمَّ بمخاصمتها ومرافعتها إلى زوجها ، وقيل : وهَمَّ بها هو كناية عن غير مذكور ، وقيل : تَمَّ الكلام عند قوله : ولقد همّت به ثمّ ابتدأ الخبر عن يوسف وقال : وهمَّ بها . { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } : على التقديم والتأخير تقديرها : لولا أن رأى برهان ربّه لهمَّ بها ولكنّه رأى البرهان فلم يهمّ كقوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ } [ النساء : 83 ] وهذا فاسدٌ عند أهلِ اللغة لأنّ العرب لا تُقدّم جواب ( لولا ) قبلها ، لا يقول : لقد قمت لولا زيد ، وهو يُريد ، لولا زيد لقمتُ ، جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال : همّت بيوسف أن يفترشها وهمّ بها يوسف يعني تمنّاها أن تكون له زوجة . وهذه التأويلات التي حكيناها كلها غير قوّية ولا مُرضية لمخالفتها أقوال القُدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم التأويل ، وهم قد أخذوا عن الذين شهدوا التنزيل . وكما روي في الخبر الصحيح أنّ يوسف لما دخل على الملك وأقرّت المرأة ، وقال يوسف : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } قال له جبرئيل عليه السلام : ولا حين هَمَمت بها يا يوسف ؟ فقال يوسف عند ذلك { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } . وأما أهل الحقائق فإنّهم قالوا في وجه هذه الآية : إنّ الهمّ همّان : همٌّ مُقيمٌ ( ثابت ) وهو إذا كان مع عزيمة وعقد ونيّة ورضى مثل همّ امرأة العزيز فالعهد مأخوذ . وهمٌّ عارض وارد وهو الخطرة والفكرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزيمة مثل همّ يوسف ( عليه السلام ) ، والعهد غير مأخوذ ما لم يتكلّم به أو يفعله ، يدلّ عليه ما روي عن ابن ( المبارك ) قال : قلتُ لسفيان : أيؤخذ العهد بالهمّة ؟ قال : إذا كان عزماً أُخذ بها . وروي عن أبي هُريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عزّ وجل : " إذا همّ عبدي بالحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة ، وإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإذا هَمَّ عبدي بالسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه ، فإنْ عملها كتبتها عليه سيّئة واحدة ، فإنْ تركها من أجلي كتبتها له حسنة " " . والقول بإثبات مثل هذه : الزلاّت والصغائر على الأنبياء ( عليهم السلام ) غير محظور لضرب من الحكمة : أحدها : ليكونوا من الله تعالى على وجل إذا ذكروها فيجدّون في طاعته إشفاقاً منها ولا يتّكلون على سعة رحمة الله . والثاني : ليُعرّفهم موقع نعمته وامتنانه عليهم بصرفه عنهم . والثالث : ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك اليأس من عفوه وفضله . وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد إلاّ يلقى الله عزّ وجل قد هَمّ بخطيئة أو عملها إلاّ يحيى بن زكريا فإنّه لم يهم ولم يعملها " . وعن مصعب بن عبدالله قال : حدّثني مصعب بن عثمان قال : كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهاً ، فدخلت عليه امرأة تستفتيه : ( فتأمنته ) بنفسه فامتنع عليها وذكّرها ، فقالت له : إن لم تفعل لأشهّرنَّ بك ولأصيحنَّ بك ، قال : فخرج وتركها ، فرأى في منامه يوسف النبي ( عليه السلام ) ، فقال له : أنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف النبي هممتُ وأنت سُليمان الذي لم تَهمّ . وأمّا البرهان الذي رآه يوسف ( عليه السلام ) فإنّ العلماء اختلفوا فيه ، فأخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن أبي العباس الأصمّ عن الحسن بن علي ، عن الحسين بن عطية عن إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد عن ابن عباس { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال : مثل له يعقوب فضرب يده في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله . وقال الحسن وسعيد بن جُبير وحميد بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن سيرين وأبو صالح وشمر بن عطية والضحّاك : انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على إصبعه . وقال ابن جبير : فكل ولد يعقوب ولِدَ له اثنا عشر ولداً إلاّ يوسف فإنه ولد له أحد عشر ولداً من أجل نقص من شهوته حين رأى صورة أبيه فاستحياهُ . قُتادة : رأى صورة يعقوب فقال : يا يوسف تعمل عمل السُّفهاء وأنت مكتوبٌ من الأنبياء ؟ ابن أبي مليكه : عن ابن عباس قال : نودي : يا يوسف أتزني فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له ؟ السدّي : نودي يا يوسف تواقعها ؟ إنّما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يُطلق ، ومثلُكَ إنْ واقعتها مثل [ الطير ] إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه ، ومثلك إنْ واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه ، فلا يستطع أن يدفع عنه نفسه . أبو مردود عن محمّد بن كعب القرضي : قال : رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ فرأى كتاباً في حائط البيت { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] . أبو معشر عنه : لولا ما رأى بالقرآن من تعظيم الزنا وتحريمه ، وزاد القرضي : بالقرآن وصحف إبراهيم ( عليه السلام ) . ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } قال : حَلّ سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته وإذا بكفّ قد مُدّت فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الإنفطار : 10 - 12 ] . قال : فقام هارباً وقامت ، فلمّا ذهب عنهما الرُعب عادت وعاد ، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته فإذا بكف قد مدّتْ فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ البقرة : 281 ] ، فقام هارباً وقامت فلمّا ذهب عنهما الرُعب عادت وعاد ، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته ، قال الله تعالى لجبريل ( عليه السلام ) : يا جبرئيل أدرك عبدي قبل أن يُصيب الخطيئة ، فرأى جبريل عاضّاً على أصبعه أو كفّه وهو يقول : يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء ؟ فذلك قوله تعالى : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } . قتادة عن عطية عن وهب بن مُنبه ، إنّه قال : لمّا همّ يوسف وامرأة العزيز بما همّا خرجت كفّ بلا جسد بينهما مكتوبٌ عليها بالعبرانية { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] ثُمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما ، ثُمّ رجعت الكفّ بينهما مكتوبٌ عليها بالعبرانية { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الإنفطار : 10 - 12 ] ، ثمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما ، فعادت الكفّ بالعبرانية مكتوب عليها : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] فانصرفت الكفّ وقاما مقامهما ، فعادت الكفّ رابعة مكتوبٌ عليها بالعبرانية : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] فولّى يوسف هارباً . وروى عطية عن ابن عباس ، أنّ البرهان الذي رآه يوسف أنّه أُرِيَ تمثال الملك ، وروى عمر بن اسحاق عن بعض أهل العلم أنّه قطفير سيّده حين دنا من الباب في ذلك الحين ، إنّه لما هرب منها واتّبعته ألفاه لدى الباب . روى علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر الصادق ج قال : حدّثني أبي عن أبيه علي ابن الحسين ، في قوله تعالى : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال : قامت امرأة العزيز إلى الصنم فاظلت دونه بثوب فقال لها يوسف : ما هذا ؟ فقالت : أستحيي من الصنم أن يرانا ، فقال يوسف : أتستحيين ممَّن لا يسمع ولا يُبصر ولا يفقه ولا يشهد ولا أستحيي ممّن خلق الأشياء وعلّمها ؟ وقال جعفر بن محمد : البرهان النبوّة التي : أودع الله صدره هي التي حالت بينه وبين ما يسخط الله . وقيل : هو ما آتاه الله من العلم والحكمة ، وقال أهل الإشارة : إنّ المؤمن له بُرهان من ربّه في سرّه من معرفته فرأى ذلك البُرهان وهو زاجره . فالبرهان الآية والحجّة ، وجواب ( لولا ) محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربّه لزنا ، وحقّق الهمّة الغريزية بهمّة الكسب ، لقوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [ النور : 10 ] [ النور : 20 ] { وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [ النور : 10 ] { وأَنّ اللهَ رَؤُوفٌ رَحِيْم } [ النور : 20 ] مجازه لهلكتم ، وقال امرؤ القيس : @ فلو أنّها نفس تموت سوية ولكنّها نفسٌ تساقط أنفسنا @@ أراد [ بسقطت ] فنيت ولهان عليَّ ، ونحوها . قال الله تعالى : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ } الإثم { وَٱلْفَحْشَآءَ } الزنا . { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } قرأ أهل مكّة والبصرة بكسر اللام أي المُخلِصين التوحيد والعبادة لله ، وقرأ الآخرون بفتح اللام أي المختارين للنبوّة ، دليلها قوله { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ } [ ص : 46 ] . وروى الزهري عن حمزة بن عبيدالله بن عمران بن عمر قال : قال : " لمّا اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم الألم الذي توفّي فيه ، قال صلى الله عليه وسلم : يصلّي بالناس أبو بكر " ، قالت عائشة : يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق ، وإنّه لا يملك نفسه حين يقرأ القُرآن ، فَمُره عمر يصلّي بالناس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يصلّي بالناس أبو بكر " فراجعته ، فقال " ليصلِّ بالناس أبو بكر فإنّكن صويحبات يوسف " ، قالت عائشة : والله ما حملني في ذلك الأمر عليهم أن يكون أوّل رجل قام مقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . " وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبدالله بن محمد بن شيبة قال : حدّثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي قال : حدّثنا بعض أصحابنا قال : قال جعفر بن سليمان : سمعتُ امرأة في بعض الطرق وهي تتكلّم ببعض الرفث فقلت لها [ … ] إنّكن صويحبات يوسف ، فقالت له المرأة : واعجباً نحنُ دعوناه إلى اللذّة ، وأنتم أردتم قتله ، فمن أصحابه نحن أو أنتم ، وقتل النفس أعظم ممّا أردناه ؟ { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ } وذلك أنّ يوسف لمّا رأى البُرهان قامَ مُبادراً إلى باب البيت ، هارباً ممّا أرادته منه ، واتبعته المرأة فذلك قوله تعالى . { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ } : يعني بادر يوسف وراحيل إلى الباب ، أمّا يوسف ففراراً من ركوب الفاحشة ، وأمّا المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها أيّ راودته عليها ، فأدركته فتعلّقت بقميصه من خلفه فجذبته إليها مانعة له من الخروج . { وَقَدَّتْ } أي خرّقتْ وشقّت { قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } : من خلف لا من قُدّام ، لأنّ يوسف كان الهارب والمرأة الطالبة ، فلمّا خرجا { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلْبَابِ } ، أي وجدا زوجها قطفير عند الباب جالساً مع ابن عمّ لراحيل ، فلمّا رأته هابته فقالت : سابقة بالقول لزوجها : { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } يعني الزنا ، { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } يُحبس ، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني الضرب بالسياط ، قاله ابن عباس : { قَالَ } يُوْسِف : بل { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ } ، اختلفوا في هذا الشاهد ، قال سعيد بن جُبير وهلال بن يسار والضحّاك : كان صبيّاً في المهد أنطقه الله بقدرته . وحدّثنا العوفي عن ابن عباس وشهر بن حوشب عن أبي هريرة ، ويدلّ عليه ما روى عطاء ابن السائب عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تكلّم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب بن جُريج ، وعيسى ابن مريم ( عليه السلام ) . " وقيل : كان ذلك الصبيّ ابن خال المرأة ، وقال الحسن : غلامه ، قتادة والضحّاك ومجاهد برواية [ … ] : ما كان بصبي ولكنه كان رجلا حكيماً ذا لحية ، له رأي ومقال وآية ، وهو رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس ، قال : وكان من خاصّة الملك . وقال السدي : هو ابن عمّ راحيل ، وكان جالساً مع زوجها على الباب فحُكِّم وأخبر الله تعالى عنه : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ } الآية . قال عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إنّ الشاهد قميصه المقدود من دُبر ، ومعنى شَهِد شاهد حَكم حاكم من أهلها ، قال مجاهد : قال الشاهد : تبيان هذا الأمر في القميص . { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } أي قدام { فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } وخفّف ابن أبي إسحاق القُبل والدُبر وثقّلهما الآخرون وهما لغتان . فجيء بالقميص فإذا هو قُدّ من دُبر ، فلمّا رأى قطفير قميصه قُدّ من دُبر عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف فَ { قَالَ } لها { إِنَّهُ } أي إنّ هذا الصنيع { مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } ، وقيل : إنّ هذا من قول الشاهد . ثمّ أقبل قطفير على يوسف فقال : { يُوسُفُ } يعني يا يوسف ، لفظ مفرد { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } الحديث فلا تذكره لأحد ، وقيل : معناه لا تكترث له فقد كان عفوك لبراءتك ، ثمّ قال لامرأته : { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } وقيل : هو من الشاهد ليوسف والراحيل ، وأراد بقوله : استغفري لذنبك ، يقول : سلي زوجك ألاّ يعاقبكَ على ذنبك ويصفح عنك ، وهذا معنى قول ابن عباس . { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } من المذنبين حين راودت شابّاً عن نفسه وخُنتِ زوجك ، فلمّا استعصم كذبت عليه ، يقال خطأ يخطأ خطأً ، وخِطأً ، وخطاً وخِطاءً ، إذا أذنب والاسم منه الخطيئة ، قال الله تعالى : { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } [ الإسراء : 31 ] وقال أُميّة : @ عبادك يخطأون وأنتَ ربٌّ بكفّيك المنايا والحتومُ @@ أيّ يُذنبون ؛ فإذا أرادوا التعمّد قيل : خَطأ خطأْ هنا لأنّ الفعل بالألف قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء : 92 ] ، وإنّما قال { مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } ولم يقل : الخاطئات لأنّه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء ، وإنّما قصد به الخبر عمّن يفعل ذلك ، وتقديره : من القوم الخاطئين . ومثله قوله : { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } [ التحريم : 12 ] ، بيانه قوله : إنّها كانت من قوم كافرين .