Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-35)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } يقول : شاع أمر يوسف والمرأة في مدينة مصر وتحدّثت النساء بذلك ، وقلن يعني امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب ، قاله مقاتل { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ } وهو في كلام العرب الملك ، قال أبو داود : @ درّةٌ غاصَ عليها تاجِرٌ جُليت عند عزيز يومَ طلّ @@ أيّ ملك . { تُرَاوِدُ فَتَاهَا } عدّها الكنعاني عن نفسه . { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } أي أحبّها حتى دخل حبّه شغاف قلبها ، وهو حجابه وغلافه . قال السدّي : الشغاف جلدة رقيقة على القلب يُقال لها : لسان القلب ، تقول : دخل الحُبّ الجلد حتى أصاب القلب ، قال النابغة الذبياني : @ وقَدْ حال هَمّ دون ذلك داخلٌ دخولَ الشِّغافِ تبتغيه الأصابعُ @@ وقال ابن عباس : علقها حُبّاً ، الحسن : بطنها حُباً ، قتادة : استبطنها حبّها إيّاه ، أبو رجاء : صدقها حُبّاً ، الكلبي : حجب حبّه قلبها حتى لا يعقل سواه . وقرأ أبو رجاء العطاردي والشعبي والأعرج ، شعفها بالعين غير معجمة واختلفوا في معناها فقال الفرّاء : ذهب بها كلّ مذهب ، وأصله من شعف الجبال وهي رؤوسها ، والنخعي والضحّاك : فتنها ، وذهب بها ، وأصله من شعف الدابة حين تتمرّغ بذُعر ، قال امرؤ القيس : @ أتقتلني وقد شعفتُ فؤادها كما شعف المهنوءة الرجل الطالي @@ ومراده : ذهب قلب امرأته كما ذهب الطالي بالإبل بالقطران يتلو بها ، والإبل تخاف من ذلك ثمّ تستروح إليه ، وقال الأخفش : من حبُّها ، وقال محمد بن جرير : عمّها الحُب . { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } : خطاً بيّن ، { فَلَمَّا سَمِعَتْ } راحيل ، { بِمَكْرِهِنَّ } بقولهنّ وحديثهنّ ، قال قتادة والسدّي وقال ابن إسحاق : وإنّما قلنّ ذلك مكراً بها ليَرينَ يهمّن يوسف وكان قد وصِف لهُنّ حُسنه وجماله { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } قال وهب : اتخذّت مأدبة ودعت أربعين امرأة فيهنّ هؤلاء اللائي عيّرنها ، { وَأَعْتَدَتْ } وأعدّت وهو أفعلت العَتاد وهو العِدَّة ، قال الله تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } [ الكهف : 29 ] . { لَهُنَّ مُتَّكَئاً } مجلساً للطعام وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد ، يُقال : ألقى له مُتّكأً أيّ ما يُتّكأ عليه ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة . وقال سعيد بن جُبير والحسن وقتادة وأبي إسحاق وابن زيد : طعاماً ، قال القتبيّ : والأصل فيه أنّ من دعوته إلى مطعم عندك أعددت له وسادة أو متّكأ ، فسُمّي الطعام مُتّكأ على الاستعارة ، يُقال : اتّكأنا عند فلان أي أكلنا ، قال عدي بن زيد : @ فظللنا بنعمة واتّكأنا وشَربنا الحلال من قُلَلِهِ @@ وروي عن الحسن أنّه قال : متّكاء بالتشديد والمدّ وهي غير فصيحة ، وعن الحسن : فما أظنّ بصحيحة ، وقرأ مجاهد مُتّكأ خفيفة غير مهموزة ، وروي ذلك عن ابن عباس . واختلفوا في معناه ، فقال ابن عباس : هو الأترج ، عكرمة : هو الطعام ، وأبو روق عن الضحّاك : الزماوَرد ، علي بن الحكم وعبيد بن حكيم ، عنه : كلّ شيء يُحزّ بالسكّين فهو عند العرب المتّكأ ، والمتك والبتك : القطع والعرب تُعاقب بين الباء والميم تقول سمد رأسه وسبده ، وأغبطت عليه وأغمطته [ لازب ] ولازم قال الله تعالى : { فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَامِ } [ النساء : 119 ] . { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَت } ليوسف { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنّها قد كانت أجلسته في مجلس غير المجلس الذي هُنّ فيه جلوس ، فخرج عليهنّ يوسف ( عليه السلام ) ، قال عِكْرمة : وكان فضل يوسف على الناس في الحسن والجمال كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء . وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " مررتُ ليلة أُسري بي إلى السماء فرأيتُ يوسف ، فقلت : يا جبرئيل من هذا ؟ قال : هذا يوسف " قالوا : وكيف رأيته يا رسول الله ، قال : " كالقمر ليلة البدر " . وعن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هبط جبرئيل فقال : يا محمد إنّ الله تعالى يقول : كسوتُ حُسنَ يوسف من نور الكُرسي ، وكسوتُ نورُ حُسن وجهك من نور عرشي " . وروى الوليد بن مسلم عن إسحاق عن عبدالله بن أبي فروة قال : كان يوسف إذا سارَ في أزقّة مصر يُرى تلألؤ وجهه على الجُدران كما يُرى نور الشمس والماء على الجدران . { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي أعظمنه وأجللنه ، قال أبو العالية : هالَهنّ أمره وبُهتن ، وروى عبدالصمد بن علي عن عبدالله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس في قوله تعالى : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } قال حضن من الفرح ، ثم قال : @ نأتي النساء على أطهارهنّ ولا نأتي النساء إذا أكبرنَ إكباراً @@ وعلى هذا التأويل يكون أكبرنه بمعنى أكبرن له أي حِضن لأجله من جماله ، ووجدن ما تجد النساء في مثل تلك الحال وهذا كقول عنترة : @ ولقد أبيتُ على الطوى وأظلّه حتى أنال به كريم المطعم @@ أي وأظلّ عليه . قال الأصمعي : أُنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البيت ، فقال : @ ما من شاعر جاهلي أحببت أن أراه دون ( … ) البيت @@ { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، يعني وحَزَزْنَ أيديهنّ بالسكاكين التي معهنّ وكُنّ يحسبن أنّهنّ يقطّعن الأترج ، عن قتادة : قطّعن أيديهنّ حتى ألقينها ، وقال مجاهد : فما أَحسسنَ إلاّ بالدم ومنهنّ لم يجدن من ألم إلاّ يُرى الدم لشغل قلوبهنّ بيوسف ، قال وهب : وبلغني أنّ تسعاً من الأربعين مِتنَ في ذلك المجلس وُجْداً بيوسف . { وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ } أي معاذ الله ، قال أبو عبيدة : لهذه الكلمة معنيان : التنزيه الاستثناء ، واختلف القُرّاء فيها فقرأت العامّة : حاشَ لله ، [ … ] حذفوا الألف لكثرة دورها على الألسن كما حذفت العرب الألف من قولهم : لأب لغيرك ولأب لشانئِكَ ، وهم يعنون لا أبَ ، واختار أبو عُبيدة هذه القراءة وقال : اتّباعاً للكتاب وهو الذي عليه الجمهور الأعظم ، مع إنّي قرأتها في الإمام مصحف عثمان ( عليه السلام ) : حاشَ لله والأخرى مثلها . وقرأ أبو عمرو : حاشي لله بإثبات الياء على الأصل ، وقرأ ابن مسعود حاشى الله ، كقول الشاعر : @ حاشا أبي ثوبان إن به ضَنّا عن الملحاة والشتم @@ { مَا هَـٰذَا بَشَراً } نصب بنزع حرف الصفة وعلى خبر ما الجحد كما تقول : ما زيدٌ قائماً ، وقرأ الأعمش : ما هذا بشرٌ بالرفع وهي لغة أهل نجد ، وأنشد الفرّاء : @ ويزعم حسل أنه فرعُ قومه وما أنتَ فرعٌ يا حُسيل ولا أصلُ @@ وأنشد آخر : @ لشتّان ما أنوي وينوي بنو أبي جميعاً فما هذان مستويان تمنّوا ليَّ الموت الذي يشعب الفتى وكلُّ فتىً والموت يلتقيانِ @@ وروى الفرّاء عن دعامة بن رجاء التيمي عن أبي الحويرث الحنفي أنّه قرأ : ما هذا بِشَريّ ، قال الفرّاء : يعني بمُشتري ، { إِنْ هَـٰذَآ } ما هذا { إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } من الملائكة . قال الثعلبي : سمعت ابن فورك يقول : إنمّا قلن له مَلكٌ كريم لأنّه خالف ميوله وأعرض عن الدنيا وزينتها وشهوتها حين عُرِضْنَ عليه ، وذلك خلاف طبائع البشر . قالت : راحيل للنسوة : { فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } أي في حُبّه وشغفي فيه ، ثمّ أقرّت لهنّ فقالت : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } أي امتنع واستعصى ، فقلن له أطع مولاتك ، فقالت رحيل : { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ } ولئن لم يُطاوعني فيما دعوته إليه ، { لَيُسْجَنَنَّ } أحبسنّه ، { وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } أي الأذلاّء ونون التوكيد تثّقل وتخفّف والوقف على قوله : { لَيُسْجَنَنَّ } بالنون لكنّها مُشدّدة . وعلى قوله : وليكوناً بالألف لأنّها مخفّفة وهي تشبه نون الإعراب في الأسماء كقولك : رأيتُ رجلا ، فإذا وقفت قلت : رجلا ومثله قوله تعالى : { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } [ العلق : 15 ] ، ونحوه الوقف عليها بالألف كقول الأعشى : @ وصلّ على حين العشيّات والضُحى ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا @@ أي أراد فاعبدنْ ، فلمّا وقف عليه كان الوقف بالألف . واختار يوسف حين عاودته المرأة في المراودة وتوعّدته ، السجن على المعصية ، { قَالَ رَبِّ } : يا ربّ ، منادى مضاف ، { ٱلسِّجْنُ } المحبس ، قراءة العامّة بكسر السين على الاسم وقرأ يعقوب برفع السين على المصدرية يعني الحبس ، { أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } ، ثمّ علم أنّه لا يستعصم إلاّ بعصمة الله فقال : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ } أمِلْ { إِلَيْهِنَّ } وأُبايعهن ، فقال صبا فلان إلى كذا ، وصبا يصبو ، صبواً وصبوة ، إذا مال واشتاق إليه ، قال يزيد بن ضُبّة : @ إلى هند صبا قلبي وهندٌ مثلها يُصبي @@ { وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ * فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لدعائه وشكايته ، { ٱلْعَلِيمُ } بمكرهنّ . { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ } أي العزيز وأصحابه ، في الرأي { مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ } الدّالة على براءة يوسف ، وهي قدّ القميص من دُبر وخمش في الوجه وتقطيع النسوة أيديهنّ { لَيَسْجُنُنَّهُ } قال الفرّاء : هذه اللام في اليمين وفي كلّ مضارع القول كقوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } [ البقرة : 102 ] { وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [ فصلت : 48 ] دخلتهما ( اللام وما ) لأنّهما في معنى القول واليمين . { حَتَّىٰ حِينٍ } يعني إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم . قال عِكْرمة : تسع سنين ، الكلبي : خمس سنين ، و ( حتى ) بمعنى ( إلى ) كقوله تعالى : { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } [ القدر : 5 ] ، وقال السدّي : وذلك أنّ المرأة قالت لزوجها : إنّ هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس ، يعتذر إليهم ويخبرهم أنّي راودته عن نفسه ، ولستُ أُطيق أن أعتذر بعُذري ، فإمّا أن تأذن لي فأخرج فأعتذر ، وأمّا أن تحبسوه كما حبستني ، فحبسه بعد علمه ببراءته ، وذكر أنّ الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيراً ليوسف من همّته بالمرأة وتكفيراً لزلّته . قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين همّ بها فسجن ، وحين قال : { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ، وحين قال لهم : { إنّكُمْ لَسارِقُوْنَ } فَقَالوا { إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْل } .