Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الۤمۤر } قال ابن عباس : معناه : أنا الله أعلم وأرى { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } يعني تلك الأخبار التي قصصناها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ } يعني وهذا القرآن الذي أُنزل { إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } هو { ٱلْحَقُّ } فاعتصم به واعمل بما فيه ، فيكون محلّ الذي رفعاً على الابتداء و ( الحقّ ) خبره ، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة ، ويجوز أن يكون محلّ ( الذي ) خفضاً يعني تلك آيات الكتاب وآياتُ الذي أنزل إليك ثم ابتداء الحقّ يعني ذلك الحقّ كقوله : ( وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ الْحَقّ ) يعني ذلك الحقّ . وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن فيكون معنى الآية على هذا القول : هذه آيات الكتاب يعني القرآن ، ثمّ قال : وهذا القرآن الذي أُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ، قال الفرّاء : وإنْ شئت جعلت ( الذي ) خفضاً على أنّه نعت الكتاب وإن كانت فيه الواو كما تقول في الكلام : أتانا هذا الحديث عن أبي حفص والفاروق وأنت تريد ابن الخطّاب ، قال الشاعر : @ أنا الملك القرم وابن الهُمام وليث الكتيبة في المزدحم @@ { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال مقاتل : نزلت هذه الآية في مشركي مكّة حين قالوا : إنّ محمّداً يقول القرآن من تلقاء نفسه ، ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه ؟ وقوله : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء ، يقال : عمود وعمد مثل أديم وأدم ، وعمدان ، وكذا مثل رسول ورسل ، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد ، ومثل إهاب وأُهب ، قال النابغة : @ وخيس الجنّ إنّي قد أذنتُ لهم يبنُون تدمُر بالصّفاحِ والعَمَد @@ واختلفوا في معنى الآية فنفى قومٌ العمد أصلا ، وقال : رفع السماوات بغير عمد وهو الأقرب الأصوب ، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة تدعهما ، ولا فوقها علاقة تمسكها ، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال : السماء مُقبّبة على الأرض مثل القبر ، وقال آخرون : معناه : الله الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها ، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية ، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر : @ إذا أُعجبتك الدهر حال من أمرىً فدعه وأوكل حاله واللياليا تُهين على ما كان عن صالح به فان كان فيما لا يرى الناس آليا @@ معناه : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو . وقال الآخر : @ ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي نكبة وتنكرها @@ معناه : آراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد . { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } علا عليه وقد مضى تفسيره ، { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذلّلها لمنافع خلقه ومصالح عباده { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قُدِّرَ له ، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويُخسف القمر وتنكدر النجوم ، وقال ابن عباس : أراد بالأجل المُسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها . { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } قال مجاهد : يقضيه وحده { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } ينتهيان ، { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } بسطها ، { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } جبالا ، واحدتها راسية وهي الثابتة ، يقال : إنّما رسيت السفينة ، وأرسيت الوتد في الأرض إذا أثبتّها ، قال الشاعر : @ حبّذا ألقاه سائرين وهامد وأشعث أرست الوليدة بالفهر @@ قال ابن عباس : كان أبو قبيس أوّل جبل وضع على الأرض ، { وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ } صنفين وضربين { ٱثْنَيْنِ } : قال أبو عُبيدة يكون الزوج واحداً واثنين ، وهو هاهُنا واحد ، قال القتيبي : أراد من كلّ الثمرات لونين حلواً وحامضاً { يُغْشِي ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يستدلّون ويعتبرون { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أبعاض متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار ويختلف بالتفاضل ، ومنها عذبة ومنها طيبة ومنها طيبة منبت ؛ لأنها بجنته ومنها سبخة لا تنبت . { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } رفعها ابن كثير وأبو عمرو عطفاً على الجنات ، وكسرها الآخرون عطفاً على الأعناب . والصنوان جمع صنو ، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد فيكون الأصل واحد ، ويتشعب به الرؤس فيصير نخلا ، كذا قال المفسرون ، قالوا : صنوان مجتمع وغير صنوان متفرق . قال أهل اللغة : نظيرها في كلام العرب ، صنوان واحد ، واحدها صنو والصنو المثل وفيه قيل : شمَّ الرجل صنوانه ولا فرق فيهما بين التثنية والجمع إلاّ بالإعراب ؛ وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة تجري جريان الإعراب . خالفوا كلهم على خفض الصاد من صنوان إلاّ أبا عبد الرحمن السلمي فإنه ضم صاده . { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } . قرأ عاصم وحميد وابن الحسن وابن عامر : بالياء على معنى يسقى ذلك كله بماء واحد . وقرأ الباقون : بالتاء لقوله جنات . واختاره أبو عبيد قال : وقال أبو عمرو : مما يصدق التأنيث قوله بعضه على بعض ولم يقل بعضه . { وَنُفَضِّلُ } . قرأ الأعمش وحمزة والكسائي : بالياء رداً على قوله يدبّر ويفضّل ويغني . وقرأها الباقون : بالنون بمعنى ونحن نفضل بعضها على بعض في الأُكل . قال الفارسي : والدفل والحلو والحامض . قال مجاهد : كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد . عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : سمعت " النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي كرم الله وجهه : الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدةثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } حتى بلغ { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } " قال الحسن : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم ، كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فبسطها وبطحها فصارت الأرض قطعاً متجاورة ، فينزل عليها الماء من السماء فيخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها ويخرج قاتها ويحيي موتاها ويخرج هذه سبخها وملحها وخبثها وكلتاهما تسقى بماء واحد . فلو كان الماء مجاً قيل : إنما هذه من قبل الماء ، كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترقّ قلوب فتخنع وتخشع ، وتقسوا قلوب فتلهو وتقسو وتجفو . وقال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلاّ قام من عنده إلاّ في زيادة ونقصان . قال الله عزّ وجلّ { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [ الإسراء : 82 ] { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الذي ذكرت { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .