Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 22-27)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } قرأ العامّة بالجمع لأنها موصوفة وهو قوله : { لَوَاقِحَ } ، وقرأ بعض أهل الكوفة : الريح على الواحد وهو في معنى الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد ، لأنه يقال : جاءت الريح من كل جانب ، وهو مثل قوله : أرض سباسب وثوب أخلاق ، وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتّسع ، وقول العلماء في وجه وصف الرياح : باللقح ، وإنما هي ملقّحة لانها تلقح السحاب والشجر . فقال قوم : معناها حوامل ؛ لأنها تحمل الماء والخير والنفع لاقحة كما يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد ، ويشهد على هذا قوله : { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [ الذاريات : 41 ] فجعلها عقيماً إذا لم تلقح ولم يكن فيها ماء ولا خير ، فمن هذا التأويل قول ابن مسعود في هذه الآية قال : يرسل الله الريح فتحمل الماء فيمري السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثمّ يمطر . قال الطرماح : @ لأفنان الرياح للاقح قال منها وحائل @@ وقال الفراء : أراد ذات لقح . كقول العرب : رجل نابل ورامح وتامر . قال أبو عبيدة : أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث « أعوذ بالله من كل لامّة » أي ملمّة . قال النابغة : @ كليني لهمَ يا أميمة ناصب وليل أُقاسيه بطيء الكواكب @@ أي منصب . قال زيد بن عمر : يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قمّا ، ثمّ يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثمّ يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب ، ثمّ يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ، ثمّ تلا : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } . وقال أبو بكر بن عياش : لا يقطر قطرة من السحاب إلاّ بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه : فالصبا تهيّجه ، والدبور تلقحه ، والجنوب تدرّه ، والشمال تفرقه . ويروي أبو المهزم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الريح الجنوب من الجنة وهي الرياح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس " . { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلنا المطر لكم سقياً ، ولو أراد أنزلناه ليشربه لقال : فسقيناكموه ، وذلك أن العرب تقول : سقيت الرجل ماءً ولبناً وغيرهما ليشربه ، إذا كان لسقيه ، فإذا جعلوا له ماءً لشرب أرضه أو ماشيته قالوا : أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته ، وكذلك إذا استسقت له ، قالوا : أسقيته واستسقيته ، كما قال ذو الرمة : @ وقفت على رسم لميّة ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه تكلمني أحجاره وملاعبه @@ قال المؤرخ : ما تنال الأيدي والدلاء فهو السقي ومالا تنال الأيدي والدلاء فهو الإسقاء . { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } يعني المطر . قال سفيان : بما نعين . { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } بأن نميت جميع الخلق فلا يبقى من سوانا ، نظيره قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ مريم : 40 ] . { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } . ابن عبّاس : أراد بالمستقدمين : الأموات ، والمستأخرين : الأحياء . عكرمة : المستقدمين : من خلق ، والمستأخرين : من لم يخلق ، قد علم من خلق إلى اليوم وقد علم من هو خالقه بعد اليوم . قتادة : المستقدمون : من مضى ، والمستأخرون : من بقي في أصلاب الرجال . الشعبي : من إستقدم في أول الخلق ، ومن إستأخر في آخر الخلق . مجاهد : المستقدمون : القرون الأُولى ، والمستأخرون : أُمة محمّد ( صلى الله عليه وسلم ) . الحسن : المستقدمون بالطاعة والخير ، والمستأخرون المبطئون عن الطاعة والخير . وقيل : ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة ، والمستأخرين فيها بسبب النساء . وروى أبو الجوزاء وابن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال : كانت النساء يخرجن إلى الجماعات فيقوم الرجال صفوفاً [ خلف ] النبي صلى الله عليه وسلم والنساء صفوفاً خلف صفوف الرجال ، وربما كان في الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى الصف الأخير من صفوف الرجال ، وربما كان في النساء من في قلبها ريبة فتتقدّم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال ، وكانت إمرأة من أحسن الناس لا والله ما رأيت مثلها قط ، تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض الناس ويتقدّم في الصف الأوّل لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتّى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع وسجد نظر إليها من تحت يديه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها " . وقال الربيع بن أنس : حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأوّل في الصلاة فأزدحم الناس عليه ، وكانت بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد . فقالوا : نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وفيهم نزلت : { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ } [ يس : 12 ] . الأوزاعي : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } يعني المصلين في أوّل الأوقات ، { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } يعني المؤخرين صلاتهم إلى آخر الأوقات . مقاتل بن حيان : يعني المستقدمين والمستأخرين في صف القتال . ابن عيينة : يعني من يسلم ومن لا يسلم . { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } . قال ابن عبّاس : وكلهم ميت ثمّ يحشرهم ربهم جميعاً الأوّل والآخر { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } يعني آدم ( عليه السلام ) ، قال إنساناً لانه عهد إليه فنسي . وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة وقالوا : وزنه انسيان على وزن إفعلان فأسقط الياء منه لكثرة جريانه على الألسن ، فإذا صُغّر ردت الياء إليه فيقول أنيسان على الأصل لأنه لايكثر صغراً كما لا يكبر مكبراً . وقال آخرون : إنما سمّي إنساناً لظهوره وإدراك البصر إياه وإليه ذهب نحاة البصرة وقالوا : هو على وزن فعلان فزيدت الياء في التصغير كما زيدت في تصغير رجل فقالوا : رويجل وليلة فقالوا : لويلة . { مِن صَلْصَالٍ } وهو الطين اليابس إذا نقرته سمعت له صلصلة أي صوتاً من يبسه ، قيل : أن تمسه النار فإذا أصابته النار فهو فخار ، هذا قول أكثر المفسرين . وروى أبو صالح عن ابن عبّاس : هو الطين الحرّ الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق وإذا حرّك تقعقع . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : هو الطين المنتن ، واختاره الكسائي وقال هو من قول العرب : صل اللحم وأصلّ إذا أنتن . { مِّنْ حَمَإٍ } جمع حمأة { مَّسْنُونٍ } . قال ابن عبّاس : هو التراب المبتل المنتن ، يجعل صلصالاً كالفخار ومثله ، قال مجاهد وقتادة : المنتن المتغير . قال الفرّاء : هو المتغير وأصله من قول العرب : سننت الحجر على الحجر أي أحككته وما يخرج من بين الحجرين يقال له السنن السنانة ومنه المسن . أبو عبيدة : هو المصبوب ، وهو من قول العرب : سننت الماء على الوجه وغيره إذا صببته . [ سيبويه ] : المسنون : المصور ، مأخوذ من سنة الوجه وهي صورته . قال ذو الرمة : @ [ تريك ] سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب . @@ { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْل } . قال ابن عبّاس : هو أب الجن . قتادة ومقاتل : هو أبليس ، خُلق قبل آدم . { مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } . قال ابن عبّاس : السموم : الحارة التي تقتل . الكلبي عن أبي صالح عنه : هي نار لادخان لها والصواعق تكون منها ، وهي نار بين السماء وبين الحجاب ، فإذا أحدث الله له أمراً خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت ، فالهدّة التي تسمعون خرق ذلك الحجاب . أبو روق عن الضحاك عن إبن عبّاس قال : كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار . روى سعيد عن أبي إسحاق قال : دخلت على عمرو بن الأصم أعوده فقال : ألا أحدثك حديثاً سمعته من عبد الله [ قال : بلى ، قال : ] سمعت عبد الله يقول : هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خلق منها الجان وتلا : { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } .