Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 28-50)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ } سأخلق { بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } عدلت صورته وأتممت خلقه { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } فصار بشراً حياً { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } سجود تحية وتكرمة لا سجود صلاة وعبادة { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } المأمورون بالسجود { كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } على التأكيد { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } . روى عكرمة عن ابن عبّاس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له ، قالوا : لانفعل . فأرسل عليهم ناراً فأحرقهم . ثمّ خلق ملائكة فقال : إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له ، فأبوا ، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقهم . ثمّ خلق ملائكة فقال : إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له ، قالوا : سمعنا وأطعنا إلاّ إبليس كان من الكافرين . { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } محل ( أن ) النصب بفقد الخافض . { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا } أي من الجنة ومن السماوات { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } ملعون طويلاً { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } أي بأغوائك أياي وهو الإضلال والإبعاد { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } معاصيك ولأُحببنَّها اليهم { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ } لأضلنهم { أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } . قرأ أهل الكوفة والمدينة والشام : بفتح اللام . وإختاره أبو عبيد ، يعني إلاّ من أخلصته بتوفيقك فهديته واصطفيته . وقرأ أهل مكة والبصرة : بكسر اللام ، وإختاره أبو حاتم ، يعني من أخلص لك بالتوحيد والطاعة . وأراد بالمخلصين في القرائتين جميعاً : المؤمنين . { قَالَ } الله لإبليس { هَذَا صِرَاطٌ } طريق { عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } . قال الحسن : هذا صراط إليَّ مستقيم . وقال مجاهد : الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لايعرج على شيء . وقال الأخفش : يعني على الدلالة صراط مستقيم . وقال الكسائي : هذا على الوعيد فإنه تهديد كقولك للرجل خاصمتهُ وتهدده : طريقك عليَّ ، كما قال الله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] فكان معنى الكلام : هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلاًّ بأعمالهم . وقال ابن سيرين وقتادة وقيس بن عبادة وحميد ويعقوب : هذا صراط عليٌّ برفع الياء على نعت الصراط أي رفيع ، كقوله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [ مريم : 57 ] . { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } قوة . قال أهل المعاني : يعني على قلوبهم . وسُئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية ، فقال : معناه ليس لك عليهم سلطان أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عبدي ، وهؤلاء يثبت الله الذين رأى فيهم إحسانهم . { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } أطباق { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ } يعني من أتباع إبليس { جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } حظ معلوم . وقال عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : تدرون كيف أبواب النار ؟ قلنا : نعم كنحو هذه الباب . فقال : لا ولكنها هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى وإن الله تعالى وضع الجنان على الأرض ، ووضع النيران بعضها فوق بعض ، فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقهما الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية . وأبو سنان عن الضحاك في قول الله : { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } قال : للنار سبعة أبواب هي سبعة أدراك بعضها على بعض . فأولها : أهل التوحيد يعذّبون على قدر أعمالهم وأعمارهم في الدنيا ثمّ يخرجون . والثاني : فيه اليهود . والثالثة : فيه النصارى . والرابع : فيه الصابئون . والخامسة : فيه المجوس . والسادس : فيه مشركوا العرب . والسابع : فيه المنافقون . فذلك قوله : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [ النساء : 145 ] الآية . أبو رياح عن أنس بن مالك عن بلال قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد المدينة وحده ، فمرّت به أعرابية فاشتهت أن تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، فدخلت وصلت ولم يعلم بها رسول الله ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بلغ هذه الآية : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } فخرّت الأعرابية مغشية عليها فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبتها فانصرف وقال : " يا بلال عليَّ بماء " فجاء فصب على وجهها حتّى أفاقت وجلست ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا هذه ما حالك ؟ » فقالت : رأيتك تصلي وحدك فاشتهيت أن أُصلي خلفك ركعتين ، فهذا شيء من كتاب الله أو تقول من تلقاء نفسك ؟ قال بلال : فما أحسبه إلاّ قال : " يا أعرابية بل هو في كتاب الله المنزل " . فقالت : كل عضو من أعضائي يعذب على باب منها . فقال : " يا أعرابية لكل باب منهم جزء مقسوم يعذب على كل باب على قدر أعمالهم " . فقالت : والله إني لامرأة مسكينة مالي مالٌ ومالي إلاّ سبعة أعبد أشهدك يارسول الله أن كل عبد منهم على كل باب من أبواب جهنم حرُّ لوجه الله . فأتاه جبرئيل فقال : يارسول الله بشّر الأعرابية أن الله قد حرم عليها أبواب جهنم كلها ، وفتح لها أبواب الجنة كلها " . { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ٱدْخُلُوهَا } قرأه العامة بوصل الألف وضم الخاء على الأمر ، مجازه : يقال لهم ادخوها . وقرأ الحسن : أدخلوها بضم الهمزة وكسر الخاء على الفعل المجهول ، وحينئذ لا يحتاج إلى الضمير . { بِسَلامٍ } بسلامة { آمِنِينَ } من الموت والعذاب والآفات { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً } نصب على الحال ، وإن شئت قلت : جعلناهم إخوانا { عَلَىٰ سُرُرٍ } جمع سرير مثل جديد جدد { مُّتَقَابِلِينَ } يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه { لاَ يَمَسُّهُمْ } لا يصيبهم { فِيهَا نَصَبٌ } تعب { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّىءْ } أخبر { عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } . قال ابن عبّاس : يعني لمن تاب منهم . { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } لمن لم يتب منهم . روى ابن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عاصم بن عبيد الله عن ابن أبي رباح " عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك ، فقال : " لا أراكم تضحكون " ، ثمّ أدبر حتّى إذا كان عند الحجر رجع ألينا القهقرى فقال : " إني لمّا خرجت جاء جبرئيل فقال : يا محمّد لِمَ تقنّط عبادي { نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } " " . وقال قتادة : بلغنا أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورّع عن محارم الله ، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه " .