Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 51-86)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } يعني الملائكة الذين أرسلهم الله ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ } جمع الخبر لأن الضيف اسم يصلح للواحد والإثنين والجمع والمؤنث والمذكر { فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ } إبراهيم { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [ خائفون ] { قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ } لا تخف { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } يعني إسحاق ، فعجب إبراهيم من كبره وكبر إمراته { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ } أي على الكبر { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } فأي شيء تبشرون . واختلف القراء في هذا القول ، فقرأ أهل المدينة والشام بكسر النون والتشديد على معنى تبشرونني ، فأدغمت نون الجمع في نون الإضافة . وقرأ بعضهم : بالتخفيف على الخفض . وقرأ الباقون : في النون من غير إضافة . { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } . قرأه العامّة : بالألف . وقرأ يحيى بن وثاب : القانطين . { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ } . قرأ الأعمش وأبو عمرو والكسائي بكسر النون ، وقرأ الباقون : بفتحه [ وقال الزجاج ] : قنط يقنط ، وقنط يقنط إذا يئس من رحمة الله . { مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ * قَالَ } لهم إبراهيم { فَمَا خَطْبُكُمْ } شأنكم وأمركم { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } مشركين { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } أتباعه وأهل دينه { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } . قرأ أهل الحجاز وعاصم وأبو عمرو : [ لمنجّوهم ] بالتشديد ، وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، وخففه الآخرون . { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } سوى إمرأة لوط { قَدَّرْنَآ } قضينا { إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ } الباقين في العذاب ، وخفف إبن كثير قدرنا . قال أبو عبيد : استثنى آل لوط من القوم المجرمين ، ثمّ إستثنى إمراته من آل لوط فرجعت إمرأته في التأويل إلى القوم المجرمين ، لأنه استثناء مردود على استثناء ، وهذا كما تقول في الكلام : لي عليك عشرة دراهم إلاّ أربعة إلاّ درهماً ، فلك عليه سبعة دراهم ؛ لأنك لما قلّت : إلاّ أربعة ، كان لك عليه ستة ، فلما قلت : إلاّ درهماً كان هذا استثناء من الأربعة فعاد إلى الستة فصار سابعاً . { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } لوط لهم { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } يعني لا أعرفكم { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } يعني يشكّون إنه ينزل بهم وهو العذاب { وَأَتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } وجئناك باليقين ، وقيل : بالعذاب { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } في قولنا { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُم } أي كن ورائهم وسر خلفهم { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } . قال ابن عبّاس : يعني الشام . وقال خليل : يعني مصدر . { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } يعني وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر ، وأخبرناه { أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ } . يدل عليه قراءة عبد الله : وقلنا له إن دابر هؤلاء ، يعني أصلهم ، { مَقْطُوعٌ } مستأصل { مُّصْبِحِينَ } في وقت الصبح إذ دخلوا فيه { وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ } يعني سدوم { يَسْتَبْشِرُونَ } بأضياف لوط طمعاً منهم في ركوب الفاحشة { قَالَ } لوط لقومه { إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي } وحق على الرجل بإكرام ضيفه { فَلاَ تَفْضَحُونِ } فيهم { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } فلا تهينون ولا تخجلون ، يجوز أن يكون من الخزي ، ويحتمل أن يكون الخزاية { قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أولم ننهك أن تضيّف أحداً من العالمين . { قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي } أزوجهّن إياكم إن أسلمتم فأتوا النساء الحلال ودعوا ماحرم الله عليكم من إتيان الرجال { إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ما أمركم به . قال قتادة : أراد أن يقي أضيافه ببناته ، وقيل : رأى أنهم سادة إليهم يؤول أمرهم فأراد أن يزوجهم بناته ليمنعوا قومهم من التعرّض لأضيافه ، وقيل : أراد بنات أمته لأن النبي [ أب ] لامته ، قال الله { لَعَمْرُكَ } يا محمّد يعني وحياتك . وفيه لغتان : وعمرُ وعمرَ . يقول العرب : عَمرك وعمرك . { إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ } ضلالتهم وحيرتهم { يَعْمَهُونَ } يترددون . قاله مجاهد ، وقال قتادة : يلعبون . ابن عبّاس : يتمادون . أبو الجوزاء عن ابن عبّاس قال : فالخلق لله عزّ وجلّ ولا برأ ولا ذرأ نفساً أكرم عليه من محمّد ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد إلاّ حياته قال : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } حيت أشرقت الشمس ، أي أضاءت ، وهو نصب على الحال { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قال ابن عبّاس والضحاك : للناظرين . مجاهد : للمتفرسين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثمّ قرأ هذه الآية . وقال الشاعر : @ توسمته لما رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم @@ وقال آخر : @ أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم @@ وقال قتادة : للمعتبرين . { وَإِنَّهَا } يعني قرى قوم لوط { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } بطريق واضح . قاله قتادة ، ومجاهد ، والفراء ، والضحاك : بطريق معلّم ليس بخفي ولا زائغ . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } وقد كان أصحاب الغيضة لكافرين ، وهم قوم شعيب كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر متناوش متكاوش ملتف وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة وفي الشتاء اليابسة وكان عامة شجرهم الدوم وهو المُقل { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بالعذاب ، وذلك أن الله سلّط عليهم الحرّ سبعة أيام لايمنعهم منه شيء ، فبعث الله عليهم سحابة فالتجأوا إلى ظلّها يلتمسون روحها فبعث الله عليهم منها ناراً فأحرقتهم فذلك قوله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } [ الشعراء : 189 ] { وَإِنَّهُمَا } يعني مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } طريق مستبين ، وسمّي الطريق إماماً لأنه يؤتم به . { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ } أي الوادي ، وهو مدينة ثمود وقوم صالح وهي فيما بين المدينة والشام { ٱلْمُرْسَلِينَ } أراد صالحاً وحده . " عبدالله بن عمر وجابر بن عبد الله قالا : مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلاّ أن تكونوا باكين حذراً بأن يصيبكم مثل ما أصابهم " ثمّ قال : " هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلاً في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله " قيل : من هو يارسول الله ؟ قال : " أبو رغال " ثمّ زجر صلى الله عليه وسلم فأسرع حتّى خلفها " . { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا } يعني الناقة وولدها و [ السير ] { فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } من الخراب ووقوع الجبل عليهم { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } يعني صيحة العذاب والهلاك { مُصْبِحِينَ } في وقت الصبح وهو نصب على الحال { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الشرك والأعمال الخبيثة . { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } وإن القيامة لجائية { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } فأعرض عنهم واعف عفواً حسناً ، نسختها آية القتال . { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } .