Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 17-25)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } تخوف كفار مكة { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } وقد اختلفوا في مبلغ مدة القرن : قال عبد الله بن أُبي : وفي القرن عشرون ومائة سنة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن كان وآخرهم يزيد بن معاوية . وروى محمّد بن القاسم " عن عبد الله بن بشير المازني أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال : سيعيش هذا الغلام قرناً » فقلت : كم القرن ؟ قال : « مائة سنة " . قال محمّد بن القاسم : مازلنا نعدّ له حتّى ( تمت ) مائة سنة ثمّ مات . وقال الكلبي : القرن ثمانون سنة . وروى عمر بن شاكر عن ابن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القرن أربعون سنة " . { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ } يعني الدنيا فعبرنا بحرف عن الاسم ، أراد بالدار العاجلة { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } من البسط والتقدير { لِمَن نُّرِيدُ } أن يفعل به ذلك [ أوّل ] إهلاكه ، { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ } في الآخرة { يَصْلاهَا } يدخلها { مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } مطروداً مبعداً { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } وعمل لها عملها { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } مقبولاً غير مكفور { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ } أيّ نمد كل الفريقين ، من يريد العاجلة ومن يريد الآخرة فيرزقهما جميعاً { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } ثمّ يختلف بهما الحال في المال { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } ممنوعاً [ محبوساً ] عن عباده { ٱنظُرْ } يا محمّد { كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في الرزق والعمل ، يعني طالب العاجلة وطالب الآخرة { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره { فَتَقْعُدَ } فتبقى { مَذْمُوماً مَّخْذُولاً * وَقَضَىٰ } أمر { رَبُّكَ } . قال ابن عبّاس وقتادة والحسن قال زكريا بن سلام : جاء رجل إلى الحسن وقال إنه طلق امرأته ثلاثاً ، فقال : إنك عصيت ربك وبانت منك امرأتك . فقال الرجل : قضى الله ذلك عليَّ . قال الحسن وكان فصيحاً : ما قضى الله ، أي ما أمر الله وقرأ هذه الآية { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } فقال الناس : تكلم الحسن في [ القدر ] . وقال مجاهد وابن زيد : وأوصى ربك ، ودليل هذا التأويل قراءة علي وعبد الله وأُبيّ : ووصى ربك . وروى أبو إسحاق [ الكوفي ] عن شريك بن مزاحم أنه قرأ : ووصى ربك وقال : إنهم [ أدغوا ] الواو بالصاد فصارت قافاً . وقال الربيع بن أنس : [ وأوجب ] ربك إلاّ تعبدو إلاّ إياه . { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وأمر بالأبوين إحساناً بّراً بهما وعطفاً عليهما { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ } الكسائي بالالف ، وقرأ الباقون : يبلغن بغير الألف على الواحدة وعلى هذه القراءة قوله { أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } كلام [ مستأنف ] كقوله ف { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] وقوله { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } [ طه : 62 ] ثمّ ابتدأ فقال : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } فيه ثلاث لغات بفتح الفاء [ حيث قد رفع ] وهي قراءة أهل مكة والشام واختيار يعقوب وسهيل . و ( أُفّ ) بالكسر والتنوين وهي قراءة أهل المدينة وأيوب وحفص . و ( أُفّ ) مكسور غير منون وهي قراءة الباقين من القراء ، وكلها لغات معروفة معناها واحد . قال ابن عبّاس : هي كلمة كراهة . مقاتل : الكلام الرديء الغليظ . أبو عبيد : أصل الأف والتف الوسخ على الأصابع إذا فتلته وفرق الآخرون بينهما فقيل الأف ما يكون في المغابن من العرق والوسخ ، والتف ما يكون في الأصابع ، وقيل : الأف وسخ الأذن والتف وسخ [ الأظفار ] وقيل : الأف وسخ الظفر والتف ما رفعت يدك من الأرض من شيء حقير . { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } لاتزجرهما { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } حسناً جميلاً . وقال ابن المسيب : كقول العبد المذنب للسيد الفظ . وقال عطاء : لا تسمهما ولا تكنّهما وقل لهما : يا أبتاه ويا أماه . مجاهد في هذه الآية : إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويُحدثان فلا تتعذرهما . ولا تقل لهما أف حين ترى الأذى وتميط عنهما الخراء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيراً [ ولا توذهما ] [ وروى سعيد بن المسيب : أن [ العاق ] يموت ميتة سوء ، و " قال رجل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أبوي بلغا من الكبر أني أُوليهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : " لا فإنهما كانا يفعلان لك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل وأنت تريد موتهما " ] " . { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } . قال عروة بن الزبير : إن لهما حتّى لا يمتنع من شيء أحياه . مقاتل : أَلِنْ لهما جانبك فاخضع لهما . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير وعاصم الحجدي : جناح الذل بكسر الذال أي [ لا تستصعب معهما ] . { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } . قال ابن عبّاس : هو منسوخ بقوله { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ } [ التوبة : 113 ] الآية . روى شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رضى الله تعالى مع رضا الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين " . عطاء عن عائشة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال للعاق إعمل ماشئت إني لا أغفر لك ويقال للبار إعمل ماشئت وإني أغفر لك " . روى عطاء عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمس وأصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ، وإن أمسى وأصبح مسخطاً لوالديه أصبح وله بابان إلى النار وان واحداً فواحد " . فقال رجل : يارسول الله وإن ظلماه ؟ قال : " وإن ظلماه " ، ثلاث مرات " . وروى رشيد بن سعد عن أبي هاني الخولاني عن أبي عمر ( القصبي ) قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله دلني على عمل أعمله يقربني إلى الله ؟ قال : " هل لك والدة ووالد ؟ " قال : نعم . قال : " فإنما يكفي مع البر بالوالدين العمل [ اليسير ] " " . { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ } من بر الوالدين وعقوقهما { إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ } أبراراً مطيعين فيما أمركم الله به بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين ، وغير ذلك من فرائض الله { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ } بعد المعصية والهفوة { غَفُوراً } . وقال سعيد بن جبير في هذه الآية : هو الرجل يكون منه المبادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلاّ الخير ، فإنه لا يؤخذ به . وإختلف المفسرون في معنى الأوابين : فقال سعيد بن جبير : الراجعين إلى الخير ، سعيد بن المسيب : الذي يذنب ثمّ يتوب ثمّ يذنب ثمّ يتوب . مجاهد عن عبيد بن عمر : هو الذي يذكر ذنوبه في الخلا فيستغفر الله تعالى عنها . عمرو بن دينار : هو الذي يقول : اللهم اغفر لي ما أصبت في [ مجلسي ] هذا . ابن عبّاس : الراجع إلى الله فيما [ لحق به وينويه ] والأواب فعال من أوب إذا رجع . قال عبيد بن الأبرص : وكل ذي غيبة يؤوب وغايب الموت لا يؤوب . وقال عمرو بن شرحبيل : وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عبّاس دليله قوله و { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } [ سبأ : 10 ] . الوالبي : عنه المطيعين المخبتين . قتادة : المصلين . عون العقيلي : هم الذين يصلون صلاة الضحى . ابن المنكدر : بين المغرب والعشاء . روى ابن إدريس عن أبيه عن سعيد بن جبير قال : الأوابين الرغابين .