Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-44)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } الآية { رَّجُلَيْنِ } منصوب مفعول ، على معنى : { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً } كمثل رجلين . نزلت في أخوين من أهل مكّة من بني مخزوم ، أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل كان زوج أمّ سلمة قبل النبّي صلى الله عليه وسلم والآخر كافر ، وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل . وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وفي مشركي مكّة . وهذا مثل لعيينة ابن حصين وأصحابه ، وفي سلمان وأصحابه شبّههما برجلين من بني إسرائيل أخوين : أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس ، وقال مقاتل : تمليخا ، والآخر كافر ، واسمه فطروس ، قال وهب قطفر . وهما اللّذان وصفهما الله في سورة ( الصافات ) ، وكانت قصتهما [ ما أخبرنا أبو عمرو الفراتي : حدثنا محمد بن عمران : حدثنا الحسن بن سفيان : حدثنا حيّان بن موسى : حدثنا عبد الله بن البارك عن ] . معمر عن عطاء الخراساني قال : كان رجلان شريكين ، وكان لهما ثمانية آلاف دينار ، وقيل : إنهما ورثاه عن أبيهما ، وكانا أخوين فاقتسماها ، فعمد أحدهما فاشترى أرضاً بألف دينار ، فقال صاحبه : اللهم إن كان فلان قد اشترى أرضاً بألف دينار ، فإني أشتري منك أرضاً في الجنة بألف دينار ، فتصدّق بألف دينار . ثمّ إن صاحبه بنى داراً بألف دينار ، فقال هذا : إن فلانَ بنى داراً بألف دينار ، وإني اشتريت منك داراً في الجنة بألف دينار ، فتصدّق بألف دينار . ثمّ تزوج بامرأة وأنفق عليها ألف دينار فقال : إنّ فلانَ تزوّج امرأة بألف دينار ، وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدّق بألف دينار . ثمّ اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار ، فقال : إن فلانَ اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار ، وإني اشتري منك خدماً ومتاعاً في الجنة بألف دينار فتصدّق بألف دينار . ثمّ أصابته حاجة شديدة فقال : لو أتيت صاحبي هذا لعلّه ينالني منه معروف . فجلس له على طريقه حتى مرّ به في حشمه ، فقام إليه ، فنظر إليه الآخر فعرفه فقال : فلان ؟ قال : نعم . قال ما شأنك ؟ قال : أصابتني حاجة بعدك ، فأتيتك لتصيبني بخير . فقال : فما فعل مالك فقد اقتسمنا مالاً واحداً فأخذت شطره وأنا شطره ؟ فقصَّ عليه قصته ، فقال : وإنك لمن المصدّقين بهذا ، أي بأنك تبعث وتجازى ؟ اذهب فوالله لا أُعطيك شيئاً . فطرده ، فقضي لهما أن توفيا ، فنزل فيهما : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } إلى قوله : { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 50ـ55 ] ، ونزلت { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } : بستانين { مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا } : أحطناهما { بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } ، يعني : جعلنا حول الأعنابِ النخلَ ووسط الأعنابِ الزرعَ . { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ } : أعطت ، يعني : آتت كل واحدة من الجنتين ، فلذلك لم يقل : آتتا { أُكُلَهَا } : ثمرها تامّاً { وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } ، أي لم ينقص ، { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } ، يعني : شققنا وأخرجنا وسطهما نهراً . { وَكَانَ لَهُ } ، يعني : لفطروس { ثَمَرٌ } ، يعني : المال الكثير المثمر من كل صنف ، جمع ثمار . ومن قرأ : ( ثُمْر ) فهو جمع ثمرة . مجاهد : ذهب وفضة . ابن عباس : أنواع المال . قتادة : من كلّ المال . وقال ابن زيد : الثمر الأصل . { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ } المؤمن { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } : يجاوبه { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } ، يعني عشيرة ورهطاً . قال قتادة : خدماً وحشماً . وقال مقاتل : ولداً ، تصديقه قوله تعالى { إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } . { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } ، يعني : فطروس ، أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به ويريه إيّاها ويعجبه منها ، { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } بكفره ، فلّما رأى ما فيها من الأنهار والأشجار والأزهار والثمار قال : { مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ } : القيامة { قَائِمَةً } : آتية كائنة . ثمّ تمّنى على الله أُمنية أُخرى مع شكّه وشركه فقال : { وَلَئِن رُّدِدتُّ } : صرفت { إِلَىٰ رَبِّي } ، فرجعت إليه في المعاد { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } ، أي من الجنة التي دخلها . وقرأ أهل الحجاز والشام ( منهما ) على لفظ التثنية ، يعني الجنتين ، وكذلك هو في مصاحفهم . { مُنْقَلَباً } ، أي منزلاً ومرجعاً . يقول : لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلاّ ولي عنده أفضل في الآخرة . { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ } المسلم { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ } يعني خلق أباك وأصلك { مِن تُرَابٍ ثُمَّ } خلقك { مِن نُّطْفَةٍ } يعني ماء الرجل والمرأة { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } ، أي عدلك بشراً سويّاً ذكراً . { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } ، يقول : أما أنا فلا أكفر بربي ، ولكنا هو الله ربي . قال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه : لكن الله هو ربّي . وقال الآخرون : أصله ( لكن أنا ) فحذفت الهمزة طلباً للخفة ؛ لكثرة استعماله ، وأُدغمت إحدى النونين في الآخرى ، وحذفت ألف ( أنا ) في الوصل . وقرأ ابن عامر ويعقوب : ( لكنا ) ، بإتيان الألف بالوصل ، كقول الشاعر : @ أنا سيف العشيرة فاعرفوني حميداً قد تذريت السناما @@ ولا خلاف في إثباتها في الوقف . { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } ، { مَا } في موضع رفع ، يعني : هي ما شاء الله ، ويجوز أن تكون في موضع النصب بوقوع { شَآءَ } عليه . وقيل : جوابه مضمر مجازه : ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون . [ أخبرنا أبو عمرو الفراتي : القاسم بن كليب : العباس بن محمد الدوزي : حجاج : أبو بكر الهذلي عن يمامة بن عبد الله بن أنس ] عن أنس بن مالك أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : " من رأى شيئاً فأعجبه فقال : { مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } لم يضرّه " . ثمّ قال : { إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } ، { أَنَاْ } عماد ولذلك نصب . { فعسَىٰ } : فلَعّلَ { رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ } في الآخرة { خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا } : يبعث على جنتك { حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، قال قتادة والضّحاك : عذاباً . وقال ابن عباس : ناراً . وقال ابن زيد : قضاء من الله عزّ وجلّ يقضيه . قال الأخفش والقتيبي : مرام من السماء واحدتها حسبانة ، { فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } ، قال قتادة : يعني صعيداً أملس لا نبات عليه . وقال مجاهد : رملاً هايلاً وتراباً . قال ابن عباس : هو مثل الحَزَن . { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً } أي غائراً منقطعاً ذاهباً في الأرض لا تناله الأيدي ولا الرشا والدلاء . والغور مصدرٌ وُضع موضع الاسم ، كما يقال : صوم وزور وعدل ، ونساء نوح يستوي فيه الواحد والاثنان والمذكر والمؤنث . قال عمرو بن كلثوم : @ تظل جياده نوحاً عليه مقلّدة أعنتها صفونا @@ وقال آخر : @ هريقي من دموعهما سجاما ضباع وجاوبي نوحاً قياما @@ { فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } بعد ما ذهب ونصب . { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أي أحاط الهلاك بثمر جنّتيه ، وهي جميع صنوف الثمار . وقال مجاهد : هي ذهب وفضة ؛ وذلك أن الله أرسل عليها ناراً فأهلكها وغار ماؤها ، { فَأَصْبَحَ } صاحبها الكافر { يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } : يصفق يده على الأُخرى ، وتقليب كفيه ظهراً لبطن ؛ تأسفاً وتلهّفاً { عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا } يعني : عليها كقوله : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] أي عليها { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } ساقطة على سقوفها ، خالية من غرسها وبنائها { وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } . قال الله عزّ وجلّ : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ } أي جماعة { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } : يمنعونه من عذاب الله ، { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } : ممتنعاً منتقماً . { هُنَالِكَ } يعني : في القيامة { ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } ، قرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( الولاية ) بكسر الواو يعني : السلطان والأمر . وقرأ الباقون بفتح الواو ، من الموالاة كقوله : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البقرة : 257 ] ، وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ محمد : 11 ] . قال القتيبي : يريد : يتولون الله يومئذ ، ويؤمنون به ويتبرّؤون مما كانوا يعبدون . وقوله : { ٱلْحَقِّ } رفعه أبو عمرو والكسائي على نعت الولاية ، وتصديقه قراءة أُبيّ : ( هنالك الولاية الحق لله ) . وقرأ الآخرون بالكسر على صفة الله كقوله : { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } [ الأنعام : 62 ] ، وتصديقه قراءة عبد الله : ( هنالك الولاية لله وهو الحق ) فجعله من نعت الله . { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً } لأوليائه وأهل طاعته { وَخَيْرٌ عُقْباً } لهم في الآخرة إذا صاروا إليه . والعُقب : العاقبة ، يقال : هذا عاقبة أمره كذا ، وعقباه وعقبه أي آخرة قوله .