Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 45-50)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱضْرِبْ } يا محمد { لَهُم } : لهؤلاء المتكبرين المترفين الذين سألوا طرد الفقراء المؤمنين { مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ } ، يعني : المطر . قالت الحكماء : شبّه الله تعالى الدنيا بالماء ؛ لأن الماء لا يستقر في موضع وحال ، كذلك الدنيا لا تبقى لأحد ، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة وكذلك الدنيا ، ولأن الماء يفنى كذلك الدنيا تفنى ، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتلّ ، فكذلك الدنيا لا يسلم من آفاتها وفتنتها أحد ، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعاً مبقياً وإذا جاوز الحد المُقدّر كان ضارّاً مهلكاً ، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع ، وفضولها يضرّ . { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } : بالماء { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ } عن قريب { هَشِيماً } ، قال ابن عباس : يابساً . قال الضحّاك : كسيراً . قال الأخفش : متفتّتاً ، وأصله الكسر . { تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } ، قال ابن عباس : تديره . قال ابن كيسان : تجيء به وتذهب . قال الأخفش : ترفعه . وقال أبو عبيدة : تُفرّقه . القتيبي : تنسفه . وقرأ طلحة بن مصرف : الآية فقال : ذرته الريح تذروه ذرواً ، وتذريه ذرياً وأذرته إذراءً إذا أطارت به ، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } ، قادراً . { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ } التي يفخر بها عيينة وأصحابه من الأشراف والأغنياء { زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، وليست من زاد القبر ولا من عُدد الآخرة ، { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ } التي يعملها سلمان وأصحابه من الموالي والفقراء { خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي خير ما يأمله الإنسان . واختلفوا في { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ } ما هي ؛ قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحّاك : هي قول العبد : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ) . يدل عليه ما روى مسلم بن إبراهيم عن أبي هلال عن قتادة أن النبّي صلى الله عليه وسلم أخذ غصناً فحركه حتى سقط ورقه ، وقال : " إن المسلم إذا قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، تحاتّت عنه الذنوب . خذهن إليك أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن ؛ فهنّ من كنوز الجنّة وصفايا الكلام ، وهنّ الباقيات الصالحات " . وقال عثمان ( رضي الله عنه ) وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح : هي ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ولا حول ، ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم ) . يدل عليه ( ما ) روى القاسم بن عبد الله العمري ، ومحمد بن عجلان عن عبد الجليل بن حميد عن خالد ابن عمران " أن النبّي صلى الله عليه وسلم خرح على قومه ، فقال : « خذوا جُنّتكم » . قالوا : يا رسول الله ، من عدوّ حضر ؟ قال : « بل من النار » . قالوا : وما جنتنا من النار ؟ قال : " الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدّمات مجنِّبات ومعقِّبات ، وهنّ الباقيات الصالحات " " . وعن أبي سعيد الخدري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " استكثروا من الباقيات الصالحات " . فقيل : وما هنّ يا رسول الله ؟ قال : « الملّة » . قال : وما هي ؟ قال : " التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله " " . وقال عبد الله بن عبد الرحمن مولى سالم بن عبد الله : أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي فقال : قل له : القني عند زاوية القبر ؛ فإن لي إليك حاجة . قال : فالتقيا ، فسلّم أحدهما على الآخر ، ثمّ قال سالم : ما تعدّ الباقيات ؟ فقال : لا إله إلاّ الله ، والحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . فقال له سالم : متى جعلت : ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ؟ قال : ما زلت أجعله فيها . قال فراجعه مرتين وثلاثاً فلم ينزع ، فقال سالم : أجّل . فأتيت أبا أيّوب الأنصاري فحدّث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عُرج بي إلى السماء فأُريت إبراهيم ( عليه السلام ) فقال : يا جبرئيل ، من هذا معك ؟ فقال : محمد . فرحّب بي وسهّل ، ثمّ قال : مر أُمّتك فليكثروا من غراس الجنّة ، فإن تربتها طيبة ، وإن أرضها واسعة . فقلت وما غراس الجنّة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلاّ بالله " . وقال سعيد بن جبير وعمرو بن شرحبيل ومسروق وإبراهيم : هي الصلوات الخمسة ، وهي { ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هي الأعمال الصالحة : لا إله إلاّ الله ، وأستغفر الله وصلى الله على محمد ، والصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق والجهاد والصّلة وجميع الحسنات التي تبقى لأهلها في الجنّة ما دامت السماوات والأرض . وروى عطية عن ابن عباس قال : هي الكلام الطيب . وقال عوف : سألت الحسن عن الباقيات الصالحات ، قال : النيّات والهمّات ؛ لأن بها تُقبل الأعمال وترفع . قال قتادة : هي كل ما أُريد به وجه الله . والله أعلم . { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ } : نزيلها عن أماكنها . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( تُسيَّر ) بالتاء وفتح الياء ( الجبال ) رفعاً على المجهول ، { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } ظاهرة كرأي العين ليس عليها شجر ولا جبل ولا ثمر ولا شيء يسترها . وقال عطاء : ترى باطن الأرض ظاهراً قد برز الذين كانوا في بطنها فصاروا على ظهرها ، { وَحَشَرْنَاهُمْ } : جمعناهم إلى الموقف للحساب ، { فَلَمْ نُغَادِرْ } : نترك ونخلف { مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً } يعني : صفًّا صفًّا ؛ لأنهم صفٌّ واحد . وقيل قياماً ، يقال لهم يعني للكفار ، لفظه عام ومعناه خاص : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني : أحياء . وقيل : عراة . وقيل : عُزّلاً . وقيل : فرادى . { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } يعني : القيامة . قوله تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } يعني كتب أعمال الخلق ، { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ } : خائفين { مِمَّا فِيهِ } من الأعمال السيئة ، { وَيَقُولُونَ } إذا رأوها : { يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } من ذنوبنا ؟ قال ابن عباس : الصغيرة : التبسّم ، والكبيرة : القهقهة . وقال سعيد بن جبير : الصغيرة اللمم والتخميش والقبل والمسيس ، والكبيرة : الزنا ، والمواقعة ، { إِلاَّ أَحْصَاهَا } ، قال ابن عباس : عملها . وقال السّدي : كتبها وأثبتها . وقال مقاتل بن حيان : حفظها . وقيل : عدّها . وقال إبراهيم ابن الأشعث : كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية قال : ضجّوا والله من الصغار قبل الكبار . وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغائر الذنوب مثلاً فقال : " كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نزلوا بفلاة من الأرض فانطلق كل رجل منهم يحتطب ، فجعل الرجل منهم يأتي بالعود ويجيء الآخر بعودين حتى جمعوا سواداً وأجّجوا . وإن الذنب الصغير يجتمع على صاحبه حتى يهلكه " . { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } مكتوباً مثبتاً في كتابهم { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } يعني : لا ينقص ثواب أحد عمل خيراً . قال الضحّاك : لا يأخذ أحداً بجرم لم يعمله ولا يورّث ذنب أحد على غيره . { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ } يقول جلّ ذكره مذكّراً لهؤلاء المتكبرين ما أورث الكبر إبليس ، ويعلّمهم أنه من العداوة والحسد لهم على مثل الذي كان لأبيهم : واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } ؛ اختلفوا فيه فقال ابن عباس : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خُلقوا من نار السّموم ، وخلق الملائكة من نور غير هذا الحي . وكان اسمه بالسريانية عزازيل وبالعربية الحرث ، وكان من خزان الجنّة ، وكان رئيس ملائكة الدنيا ، وكان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض ، وكان من أشد الملائكة حلماً وأكثرهم علماً ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض فرأى بذلك لنفسه شرفاً وعظمة فذلك الذي دعاه إلى الكبر ، فعصى فمسخه الله شيطاناً رجيماً ملعوناً . فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجُه ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجُه ، وكانت خطيئة آدم معصية ، وخطيئة إبليس كبراً . وقال ابن عباس في رواية أُخرى : كان من الجن [ و ] إنما سُمي بالجنان ، لأنه كان خازناً عليها فنُسب إليها ، كما يقال للرجل : مكي وكوفي ومدني وبصري . [ أخبرنا عبد الله بن حامد : أخبرنا محمد ابن يعقوب السّري عن يحيى بن عثمان بن زفر قال ] : روى يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله عزّ وجلّ : { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } قال : كان من الجنانيين الذين يعملون في الجنّة . وقال الحسن : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين ، وإنه لأصل الجنّ كما أن آدم أصل الأنس . وقال شهر ابن حوشب : كان إبليس من الجنّ الذين ظفر بهم الملائكة فأسره بعض الملائكة ، فذهب به إلى السماء . وقال قتادة : جنّ عن طاعة الله تعالى ، { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } يعني : خرج عن طاعة ربه . تقول العرب : فسقت الرطبّة إذا خرجت من قشرها ، وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها ، ولذلك قيل لها : الفويسقة . وقيل : هي من الفُسوق ، وهي الاتّساع ، تقول العرب : فسق فلان في النفقة إذا اتسع فيها ، وما أصاب مالاً إلاّ فسقه ، أي أهلكه وبذّره . والفاسق سمّي فاسقاً ؛ لأنه اتّسع في محارم الله عزّ وجلّ ، وهوّنها على نفسه . { أَفَتَتَّخِذُونَهُ } ، يعني يا بني آدم { وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } : أعداء . وقال الحسن : الإنس من آخرهم من ذريّة آدم ، والجن من آخرهم من ذريّة إبليس . قال مجاهد : فمن ذريّة إبليس لافيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة ، والهفّان ومرّة وبه يُكنّى إبليس وزيلنون وهو صاحب الأسواق يضع رايته بكل سوق من السّماء والأرض ، والدثر وهو صاحب المصائب يأمر بضرب الوجه وشقّ الجيوب والدعاء بالويل والحرب ، والأعور وهو صاحب أبواب الزّنا ، ومبسوط وهو صاحب الأخبار يأتي بها فيلقيها في أفواه النّاس فلا يجدون [ لها ] أصلاً ، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله عزّ وجلّ ، بصّره من المقابح ما لم يرفع أو لم يحسن موضعه ، فإذا أكل ولم يذكر اسم الله عليه أكل معه . وقال الأعمش : ربما دخلت البيت ، ولم أذكر اسم الله ولم أُسلّم فرأيت مطهره فقلت : ارفعوا ، وخاصمتهم ، ثمّ أذكر فأقول : داسم ، داسم . وروى مخلد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوماً إذ أقبل حمال ومعه دن حتى وضعه ، ثمّ جاءني فقال : أنت الشعبي ؟ قلت : نعم . فقال : أخبرني هل لإبليس زوجة ؟ قلت : إن ذلك لعرس ما شهدته . قال : ثمّ ذكرت قول الله تعالى : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي } ، فعلمت أنه لا يكون ذرية إلاّ من زوجة ، قلت : نعم . فأخذ دنّه وانطلق ، قال : فرأيت أنه مختاري . قال ابن زيد : إبليس أبو الجن كما إنّ آدم ( عليه السلام ) أبو الإنس . قال الله تعالى لإبليس : إني لا أخلق لآدم ذرية إلاّ ذرأت لك مثلها ، [ كلما ] ولد لآدم . قال قتادة : إنهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم ، وما ولد لآدم ذريّة إلاّ ولد له مثله ، فليس من ولد آدم أحد إلاّ له شيطان قد قرن به . { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } ، أي بئس البدل لإبليس وذريّته من الله . قال قتادة : بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم : طاعةَ إبليس وذريّته .