Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-25)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } : قال ابن عباس : { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب أهل مكة ، و { يا أيها الذين آمنوا } خطاب أهل المدينة ، وهو هاهنا عام . { ٱعْبُدُواْ } وحّدوا وأطيعوا . { رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } أوجدكم وأنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً . { وَٱلَّذِينَ } أي وخلق الذين { مِن قَبْلِكُمْ } { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } : لكي تنجوا من السُحت والعذاب . قال سيبويه : لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله [ … ] . { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً } بساطاً ومقاماً ومناماً . { وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } سقفاً مرفوعاً محفوظاً . { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } : من السحاب . { مَآءً } وهو المطر { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } من الوان الثمرات وأنواع النبات . { رِزْقاً } طعاماً . { لَّكُمْ } وعلفاً لدوابكم . { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } أي أمثالا [ وأعدالاً ] وقرأ ابن السميقع : ندّاً على الواحد ، كقول جرير : @ أتيما تجعلون إليّ ندّاً وما تيم لذي حسب نديد @@ { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } إنّه واحد وأنّه خالق هذه الأشياء . قال ابن مسعود في قوله : { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } قال : أكفّاء من الرجال تطيعوهم في معصية الله . وقال عكرمة : هو قول الرجل : لولا كلبنا لدخل اللص دارنا . { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } الآية نزلت في الكفّار ، وذلك أنهم قالوا لما سمعوا القرآن : ما يشبه هذا كلام الله وإنّا لفي شكَ منه ، فأنزل الله تعالى { وَإِن كُنْتُمْ } يا معشر الكفّار ، [ وإن ] لفظة جزاء وشرط ، ومعناه : إذ ؛ لأنّ الله تعالى علم إنهم شاكّون كقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 278 ] . قال الأعشى : @ بانت وقد أسفرت في النفس حاجتها بعد ائتلاف وخير الودّ ما نفعا @@ قال المؤرّخ : أصلها من السّورة وهي الوثبة : تقول العرب سرت إليه وثبت إليه . قال العجاج : @ وربّ ذي سرادق محجورٌ سرت إليه في أعالي السّور @@ قال الأعشى : @ وسمعت حلفتها التي حلفت إن كان سمعك غير ذي وقر @@ { فِي رَيْبٍ } أي في شك وتهمة . { مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } محمد يعني القرآن . { فَأْتُواْ } لم يأتوا بمثله ، لأنّ الله علم عجزهم عنه . { بِسُورَةٍ } أصلها في قول بعضهم : من أسارت ، أي أفضلت فحذفت الهمزة كأنّها قطعة من القرآن ، وقيل : هي الدرجة الرفيعة ، وأصلها من سور البناء ، أي منزلة بعد منزلة . قال النابغة : @ ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ترى كل مُلْك دونها يتذبذب @@ { مِّن مِّثْلِهِ } يعني مثل القرآن ، و ( من ) صلة كقوله تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [ النور : 30 - 31 ] . كقول النابغة : @ ولا أرى ملكاً في الناس يشبهه ولا أخا ( لي ) من الأقوام من أحد @@ أي أحداً . وقيل في قوله : ( مثله ) : راجعة الى محمد صلى الله عليه وسلم ومعناه : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } أي من رجل أُمّي لا يُحسن الخط والكتابة . { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم } يعني استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله . وقال مجاهد والقرظي : ناساً يشهدون لكم . وإنما ذكر الاستعانة بلفظ الدعاء على عادة العرب في دعائهم القائل في الحروب والشدائد : [ يال … ] . قال الشاعر : @ فلمّا التقت فرساننا ورجالهم دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر @@ { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنّ محمداً أسرّ قوله من تلقاء نفسه ، فلما تحدّاهم وعجزوا [ قال الله تعالى ] : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } أي فإن لم تجيئوا بمثل القرآن . { وَلَن تَفْعَلُواْ } : ولن تقدروا على ذلك . وقيل { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } فيما مضى { وَلَن تَفْعَلُواْ } فيما بقي . { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا } حطبها وعلفها { ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } قال الحسن ومجاهد : ( وقودها ) بضم الواو حيث كان وهو رديء ، لأن الوقود بضم الراء المصدر وهو الالتهاب ، والوقود بالفتح وهو ما يوقد به النار كالظهور والبرود ، ومثليهما ومثل الوَضوء والوُضوء . وقرأ عبيد بن عمير : وقيدها الناس والحجارة . قيل : تلك الحجارة [ كجت الأرض النائية ] مثل الكبريت يجعل في أعناقهم إذا إشتعلت فيها النار أحرق توهجها وجوههم ، فذلك قوله تعالى : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } [ الزمر : 24 ] . اختلفوا في الحجارة ، فقال ابن عباس وأكثر المفسّرين : إنها حجارة الكبريت [ الأسود وهي أشد الأشياء حراً ] ، وقال حفص ابن المعلى : أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت معمولة من الحجر ، دليله قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] . وقيل : هي أن أهل النار إذا عيل صبرهم بكوا وشكوا فتنشأ سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج ويرفعون رؤوسهم إليها فتمطرهم حجارة عظاماً كحجارة الرّحا ، فتزداد النار اتّقاداً والتهاباً كنار الدنيا إذا زيد حطبها زاد لهيبها . وقيل : ذكر الحجارة ها هنا تعظيماً لأمر النار لأنها لا تأكل الحجارة إلاّ إذا كانت فظيعة وهائلة . { أُعِدَّتْ } : خلقت وهُيئت للكافرين ، وفي هذه الآية دليل على أنّ النار مخلوقة ؛ لأنّ المعدَّ لا يكون إلاّ موجوداً . { وَبَشِّرِ } أي وأخبر . { ٱلَّذِين آمَنُواْ } وأصل التبشير : إيصال الخبر السار على [ مسامع الناس ] ويستبشر به ، وأصله من البشرة ؛ لأنّ الإنسان إذا فرح بان ذلك في وجهه وبشرته ، ثمّ كثر حتى وضع موضع الخبر فيما [ ساء وسرّ ] قال الله تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] . { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي الخصال والفعلات { ٱلصَّالِحَاتِ } نعت لأسم مؤنث محذوف . وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه في { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } : معناه أخلصوا الأعمال ، يدلّ عليه قوله : { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } [ الكهف : 110 ] أي خالصاً لأن المنافق والمرائي لا يكون عمله خالصاً ، وقال : أقاموا الصلوات المفروضات ، دليله قوله تعالى : { وأقاموا الصلاة } . { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } [ الأعراف : 170 ] من المسلمين . وقال ابن عباس : عملوا الصالحات فيما بينهم وبين ربّهم ، وقال : العمل الصالح يكون فيه أربعة أشياء : العلم ، والنية ، والصبر ، والاخلاص . وقال سهل بن عبدالله : لزموا السنّة ؛ لأنّ عمل المبتدع لا يكون صالحاً . وقيل : أدّوا الأمانة ، يدل عليه قوله : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } [ الكهف : 82 ] أي أميناً . وقيل : تابوا ، ودليله قوله تعالى : { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [ يوسف : 9 ] أي التائبين . { أَنَّ لَهُمْ } : محل ( أن ) نصب بنزع حرف الصّفة ، أي بأنّ لهم . { جَنَّاتٍ } : في محل النصب فخفض لأنها جمع التأنيث ، وهي جمع الجنّة وهي البستان ، سمّيت جنّة لاجتنانها بالأشجار . { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } : أي من تحت شجرها ومساكنها . وقيل : بأمرهم ، كقوله : { وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } [ الزخرف : 51 ] أي بأمري . والأنهار : جمع نهر ، سمّي نهراً لسعته وضيائه ومنه النهار . وأنشد أبو عبيدة : @ ملكتُ بها كفّي فأنهرتُ فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها @@ أي وسعتها ، يصف طعنة . وأراد بالأنهار المياه على قرب الجوار لأن النهر لا يجري . وقد جاء في الحديث : " أنهار الجنّة تجري في غير إخدود " . { كُلَّمَا } متى ما { رُزِقُواْ } أطعموا { مِنْهَا } من الجنّة { مِن ثَمَرَةٍ } : أي ثمره ، و ( من ) صلة . { رِّزْقاً } طعاماً . { قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا } أُطعمنا { مِن قَبْلُ } : طعامهما ، وقيل معناه : هذا الذي رزقنا من قبل ، أي وعدنا الله في الدنيا وهو قول عطاء ، و ( قبل ) رفع على الغاية ، قال الله تعالى : { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [ الروم : 4 ] . { وَأُتُواْ } وجيئوا { بِهِ } بالرزق . قرأ هارون بن موسى : ( وأتوا ) بفتح الألف ، أراد أتاهم الخدم به . { مُتَشَابِهاً } اختلفوا في معناه ، فقال ابن عباس ومجاهد والربيع والسّدي : متشابهاً في الألوان ، مختلفاً في الطعوم . الحسن وقتادة : متشابهاً في الفضل ، خياراً كلّه ؛ لأنّ ثمار الدنيا [ تبقى ] ويرذل منها ، وإن ثمار الجنة لا يرذل منها شيء . محمد بن كعب وعلي بن زيد : بمعنى يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب . وقال بعضهم : متشابهاً في الإسم مختلفاً في الطعم . قال ابن عباس : ليس في الجنة شيء ممّا في الدنيا غير الأسماء . { وَلَهُمْ فِيهَآ } في الجنّات . { أَزْوَاجٌ } نساء وجوار ، يعني الحور العين . قال ثعلب : الزوج في اللغة : المرأة والرجل ، والجمع والفرد ، والنوع واللون ، وجميعها أزواج . { مُّطَهَّرَةٌ } من الغائط والبول والحيض والنفاس والمخاط والبصاق والقيء والمني والولد وكل قذر ودنس . وقال إبراهيم النخعي : في الجنة جماع ما شئت ولا ولد . وقيل : مطهّرة عن مساويء الأخلاق . وقال يمان : مطهّرة من الأثم والأذى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّ أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتفلون ولا يتغوّطون ولا يبولون ولا يتمخطون " . قيل : فما بال الطعام ؟ قال : " جشأ ورشح تجري من أعرافهم كريح المسك يلهمون التسبيح والتهليل كما يلهمون النفس " . { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } دائمون مقيمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها . الحسن عن ابن عمر قال : " سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة : كيف هي ؟ قال : " من يدخل الجنة يحيى ولا يموت وينعم ولا يبؤس ولا تبلى ثيابه ولا شبابه " . قيل : يا رسول الله كيف بناؤها ؟ قال : " لبنة من فضّة ولبنةٌ من ذهب ، بلاطها مسك أذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران " . وقال يحيى بن أبي كثير : إنّ الحور العين لتُنادينّ أزواجهنّ بأصوات حسان ، فيقلن : طالما انتظرناكم ، نحن الراضيات الناعمات الخالدات ، أنتم حبّنا ونحن حبّكم ليس دونكم مقصد ولا وراءكم معذر . وقال الحسن في هذه الآية : هنّ عجائزكم الغمض الرّمض العمش طُهّرن من قذرات الدنيا .