Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-225)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } الآية عطاء بن السائب عن سعد بشير عن ابن عباس ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما سألوا النبي عن ثلاث عشرة مسألة حتى [ نزل ذكرهنّ ] في القرآن : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ } { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } [ الأعراف : 187 ] { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } [ الأنفال : 1 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [ الإسراء : 85 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } [ الكهف : 83 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [ طه : 105 ] . قال المفسرون : كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت ولم يجالسوها على فراش كفعل المجوس واليهود . فسأل أبو الدحداح ثابت بن الدحداح رسول الله عن ذلك وقال : يا رسول الله كيف نصنع بالنساء إذا حضن ؟ فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } أي الحيض ، وهو مصدر قولك حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً ، مثل السير والمسير ، والعيش والمعيش ، والكيل والمكيل . وأصل الحيض الانفجار يقال : حاضت الثمرة إذا سال منها شيء كالدم . { قُلْ هُوَ أَذًى } أي قذر ، قاله قتادة والسّدّي ، وقال مجاهد والكلبي : دم ، والأذى ما يعمّ ويكره من شيء { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } اعلم إنّ الحيض يمنع من تسعة أشياء : من الصلاة جوازاً ووجوباً ومن الصوم جوازاً ثم يلزمها قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلاة . عاصم الأحول عن معادة العدوية أن إمرأة سألت عائشة فقالت : الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت لها : أحروريّة أنت ؟ فقالت : ليست بحروريّة ولكني أسأل ، فقالت : كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة . عياض عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداهنّ ، فقلن له : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة على مثل نصف شهادة الرجل فذاك من نقصان عقلها ؟ أوليس إذا حاضت المرأة لم تصلِّ ولم تصمْ ؟ فقلن بلى قال : فذلك من نقصان دينها " . وتمنع أيضاً من قراءة القرآن وقد رخص فيها مالك بعض الرخصة إذا طالت المدّة احترازاً من نسيان القرآن ، والفقهاء على خلافه ، وتمنع من مسّ المصحف ، ودخول المسجد والاعتكاف فيه ، ومن الطواف بالبيت ومن الاحتساب بالعدة ومن الوطء قال الله تعالى : { فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ } فلمّا نزلت هذه الآية عمد المسلمون الى النساء الحيّض فأخرجوهنّ من البيوت واعتزلوهنّ فاذا اغتسلنّ ردّوهن الى البيت ، فقدم بعض من أعراب المدينة فشكوا عزل الحيض معهم وقالوا : يا رسول الله إنّ البرد شديد والثياب قليلة فإنْ آثرناهنّ بالثياب حال بنا وأهل البيت برد ، وإن آثرتا بالثياب هلكت الحيض ، وليس كلنا يجد سعة لذلك فيوسع عليهم جميعاً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّما أُمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم ، وقرأ عليهم هذه الآية . الناصري عن سعيد بن المسّيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وطئ امرأته وهي حائض فقضى منهما ولد فأصابه جذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه ، ومَنِ احتجم يوم السبت والأربعاء فأصابه ضرر واضح فلا يلومنّ إلاّ نفسه " . وإنْ جامعها أثِمَ ولزمته الكفارة ، وهي ما روى ابن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنّ رجلا جامع امرأته وهي حائض قال : إن كان دماً عبيطاً فليتصدّق بدينار ، وإن كان صفرة فنصف دينار " . ولا بأس باستخدام الحائض ومباشرة بدنها إذا كانت مؤتزرة وبالاستمتاع بها فوق الإزار . قيل لمسروق : ما يحلّ للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قال : كل شيء إلاّ الجماع . وعن ربيعة بن عبد الرحمن " أنّ عائشة كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعة في ثوب واحد وأنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما لكِ لعلّك نفستِ يعني الحيضة قالت : نعم ، قال : شدّي عليك إزارك ثم عودي لمضجعك " . معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى عن أبي سلمة أنّ زينب بنت أبي سلمة حدّثت أن أم سلمة حدّثتها قالت : " بينا أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفست ؟ قلت : نعم ، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة " . عن يزيدة مولاة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن ميمونة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين " . إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : " كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، ونحن جنبان وكنت أُفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد وأنا حائض ، وكان يأمرني إذا كنت حائضاً أن أتّزر ثم يباشرني " . ثابت بن عبيدة عن القاسم عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ناوليني الخمرة فقالت : إني حائض فقال : إنّ حيضتك ليست في يدك " . وعن شريح قال : قيل لعائشة : " هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث ؟ قالت : نعم ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا حائض ، وكان يأخذ العرق فيقسم عليّ فيه فأعُرّق منه ، ثم أضعه فيأخذ فيعرّق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق ويدعو بالشراب فيقسم عليّ قبله أن أشرب منه فآخذه وأشرب منه ، ثم أضعه فيأخذه ويشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح " . فدلّت هذه الأخبار على أنّ المراد بالاعتزال عن الحيض جماعهنّ ، وذلك أن المجوس واليهود كانوا يجتنبون الحيّض في كل شيء ، وكان النصارى يجامعوهن ولا يبالون بالحيض ، فأنزل الله تعالى بالاقتصاد بين هذين الأمرين ، وخير الأمور أوسطها . ثابت عن أنس قال : " أنزل الله عزّ وجلّ : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افعلوا كل شيء إلاّ الجماع ، فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل ، لم يدعْ من أمرنا شيئاً إلاّ خالفنا فيه ، فجاء أسد بن حصين وعباد بن شبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله إنّ اليهود قالت كذا وكذا ، أفلا نجامعهنّ ؟ فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظنّا أن قد وجد عليهما ، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما " . { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } يعني لا تجامعوهنّ ، { حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } قرأ ابن محيص والأعمش وعاصم وخمرويه والكسائي يطّهّرن بتشديد الطاء والهاء ومعناه يغتسلن ، دلّ عليه قراءة عبد الله حتى يتطهرنّ بالتاء على الأصل ، وقرأ الباقون { يَطْهُرْنَ } مخففاً ومعناه { حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } من حيضهنّ وينقطع الدم . واختلف الفقهاء في الحائض متى يحلّ وطؤها ، فقال أبو حنيفة وصاحباه : إذا حاضت المرأة بعشرة أيام حلّ وطؤها دون أن تغتسل ، فإن طهرت لما دون العشرة لم يحلّ وطؤها إلاّ بإحدى ثلاث : قلت أن تغتسل أو يمضي بها أقرب وقت الصلاة ، فيحكم لها بذلك حكم الطاهرات في وجوب الصلاة في زمنها أو تيمماً عند عدم الماء . مجاهد وطاوس وعطاء : إذا طهرت الحائض من الدم وأخذ زوجها شبق ، فإن غسلت فرجها وتوضأت ثم أتاها جاز . وقال الشافعي : لا يحلّ وطء الحائض إلاّ يحين انقطاع الدم والاغتسال ، وهو قول سالم ابن عبد الله وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وابن شهاب والليث بن سعد وزفر وقال الحسن البصري : إذا وطئ الرجل امرأته بعد إنقطاع الدم قبل أن تغتسل فعليه من الكفارة مثل ما على من يطأ الحائض ، فمن قرأ { حَتَّىٰ يَطّهُرْنَ } بالتشديد فهو حجّة للمبيحين ، والدليل على أنّ وطأها لا يجوز ما لم تغتسل أن الله عزّوجل علّق جواز وطئها بشرطين فلا تحل قبل حصولهما ، وهما : قوله عزّوجل { حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } وقوله { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي اغتسلن دليله قوله { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } ولا يجهد الانسان على ما لا صنع له فيه ، والاغتسال فعلها وانقطاع الدم ليس من فعلها ، ويدلّ عليه أيضاً قوله في النساء والمائدة { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } [ المائدة : 6 ] وأطّهر وتطّهر واحد وهو الاغتسال { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } أي من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه وهو الفرج ، قاله مجاهد وإبراهيم وقتادة وعكرمة . الوالبي عن ابن عباس يقول : وطأهنّ في الفرج ، ولا تعدوه إلى غيره فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى . الربيع بن عبيد : نهيتم عنه واتقوا الأدبار ، وإنما قال : { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } لأنّ النهي أيضاً أمر بترك المنهي عنه . وقال قوم : قوله : { فَأْتُوهُنَّ } من الوجه الذي أمركم الله أن تأتوهنّ وهو الطهر ، فكأنه قال : فأتوهنّ من قبل طهرهنّ لا من قبل حيضهنّ ، وهو قول ابن رزين والضحّاك ورواية عطية عن ابن عباس . ابن الحنفية : فأتوهنّ من قبل الحلال دون الفجور . ابن كيسان : لا تأتوهنّ صائمات ولا معتكفات ولا محرمات ، وأتوهنّ ، وأقربوهنّ وغشيانهنّ لكم حلال . الفرّاء : مثل قولك : أتيت الارض من مأتاه أي من الوجه الذي يؤتى منه . الواقدي معناه { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ } وهو الفرج ، نظيره في سورة الملائكة والأحقاف { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [ الأحقاف : 4 ] أي في الأرض ، وقوله { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } [ الجمعة : 9 ] أي في يوم الجمعة . { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } قال مجاهد عن ابن رزين والكلبي { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } من الذنوب { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من أدبار النساء أن لا يأتوها . وقال : من أتى المرأة في دبرها فليس من المتطّهرين ، فإن دبر المرأة مثله من الرجل . مقاتل بن حيّان { ٱلتَّوَّابِينَ } من الذنوب { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الشرك والجهل . كنت عند أبي العالية يوماً فتوضأ وضوءاً حسناً فقلت { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } فقال : الطهور من الماء حسن ولكنهم المتطهرون من الذنوب . سعيد بن جبير { ٱلتَّوَّابِينَ } من الشرك { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الذنوب . وعن أبي العالية أيضاً { ٱلتَّوَّابِينَ } من الكفر { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } بالايمان . ابن جريج عن مجاهد { ٱلتَّوَّابِينَ } من الذنوب لا يعودون لها { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } هنا لم يصبوها . قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم بن محمد بن حبيب يقول : سألت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القنّاد عن هذه الآية قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } من الكبائر { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الصغائر . { ٱلتَّوَّابِينَ } من الأفعال { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الأقوال . التوابين من الأقوال والأفعال والمتطهرين من العقود والإضمار . التوابين من الآثام والمتطهرين من الاجرام . التوابين من الجرائر ، والمتطهرين من خبث السرائر . التوابين من الذنوب والمتطهرين من العيوب . والتواب الذي كلما أذنب تاب ، نظيره قوله { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } [ الإسراء : 25 ] . محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مرّ رجل ممن كان قبلكم في بني إسرائيل بجمجمة فنظر اليها فقال : أي ربّ أنت أنت ، وأنا أنا ، أنت العوّاد بالمغفرة ، وأنا العوّاد بالذنوب ، ثم خرّ ساجداً فقيل له : ارفع رأسك فأنا العوّاد بالمغفرة ، وأنت العوّاد بالذنوب فرفع رأسه فغفر له " . { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } الآية ، جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله هلكت ، قال : ما الذي أهلكك ؟ قال : حوّلت رحلي البارحة فلم يردّ عليّ شيئاً فأوحى الله تعالى { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } يقول أقبل وأدبر واتق الدّبر والحيضة " . محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : " كان اليهود يقولون : من جامع امرأته وهي مجبيّة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كذبت اليهود " فأنزل الله تعالى { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . مجاهد عن ابن عباس قال : كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود ، وهم أهل كتاب ، وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلاّ على حرف ، وذلك أيسر ما يكون للمرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار يأخذون بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرح عن النساء شرحاً منكراً ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع وإلاّ فاجتنبني ، حتى انتشر أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزّ وجلّ { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } يعني موضع الولد قالوا : { حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } مدبرات ومقبلات ومستلقيات . قال الحسن وقتادة والمقاتلان والكلبي تذاكر المهاجرون والأنصار واليهود إتيان النساء في مجلس لهم فقال المهاجرون : إنّا نأتيهن باركات وقايمات ومستلقيات ومن بين أيديهن ومن خلفهن ، بعد أن يكون المأتي واحداً في الفرج ، فعابت اليهود وقالت : ما أنتم إلاّ أمثال البهائم لكنّا نأتيها على هيئة واحدة ، فإنا لنجد في التوراة أن كل إتيان يؤتى للنساء غير الاستلقاء دنس عند الله ، ومنه يكون الحَوَل والخَبل ، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله إنّا كنا في جاهليتنا وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا ، فإنّ اليهود عابت ذلك علينا وزعمت أنّا كذا وكذا ، فكذّب الله عزّوجل اليهود ، وأنزل رخصة لهم { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أي كيف شئتم وحيث شئتم ومتى شئتم بعد أن يكون في [ فرج ] واحد . ( أنّى ) حرف استفهام ويكون سؤالاً عن الحال والمحلّ . وقال سعيد بن المسيب : هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا . يحيى بن أبي كثير عن رجل قال : قال عبد الله تستأمر الحرّة في العزل ولا تستأمر الأمة ، وفي هذه الآية دليل على تحريم أدبار النساء لأنها موضع الفرث لا موضع الحرث ، وإنما قال الله تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } وهذا من لطف كنايات القرآن حيث عبّر بالحرث عن الفرج فقال : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } أي مزرع ومنبت الولد ، وأراد به المحرث المزدرع ، ولكنّهن لما كنّ من أسباب الحرث جُعلن حرثاً . وقال أهل المعاني : تقدير الآية : نساؤكم كحرث لكم ، كقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } [ الكهف : 96 ] أي كنار ، قال الشاعر : @ النشر مسك والوجوه دنانير وأطراف الأكف عنم @@ والعرب تسمي النساء حرثاً ، قال المفضل بن سلمة : أنشدني أبي : @ إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همّه أكل الجراد @@ وقال الثعلبي : وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السدوسي ، قال : أنشدني أبو منصور مهلهل بن علي العزّي ، قال : أنشدني أبي قال : أنشدنا أحمد بن يحيى : @ حبّذا من حبّة الله النبات الصالحات هن النسل والمزروع بهنّ الشجرات يجعل الله لنا فيما يشاء البركات إنما الأرضون لنا محرثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات @@ وقد وهم بعض الفقهاء في تأويل هذه الآية وتعلق بظاهر خبر رواه وهو ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين من رواة الدينوري ، حدّثنا محمد بن عيسى الهيّاني أبو بكر الطرسوسي وإسحاق الغروي عن مالك بن أنس عن نافع قال : كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } قال : أتدري فيما نزلت هذه الآية ؟ قلت : لا ، قال : نزلت في رجل أتى امرأة في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقّ ذلك عليه فنزلت { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } الآية ، وأما تأويل حديث ابن عمر فهو ما روى عطاء عن موسى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنّه لقي سالم بن عبد الله ، فقال : يا أبا عمر ما حدّث محدّث نافع عن عبد الله ؟ قال : وما هو ؟ قال : زعم أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النساء من أدبارهنّ ، قال : كذب العبد وأخطأ ، إنّما قال عبد الله : تؤتى في فروجهنّ من أدبارهنّ ، الدليل على تحريم الأدبار ما روى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } قال : لا يكون الحرث إلاّ حيث يكون النبات ، وعن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهنّ " . مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأته في دبرها " . { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } يعني طلب الولد ، وقيل : التزوّج بالعفائف ليكون الولد صالحاً طاهراً ، وقيل : هو لذم الإفراط ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسّه النار إلاّ تحلّة القسم ، فقيل : يا رسول الله اثنان ، قال : واثنان ، فقال : فظننا أن لو قيل واحد لقال واحد " . شهر بن عطية عن عطاء { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } قال : التسمية عند الجماع ، وقال مجاهد { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } يعني : إذا أتى أهله فليدعُ . سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليقل : بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنْ قدر بينهما منهما ولد لم يضرّه شيطان " . السدّي والكلبي يعني الخير والعمل الصالح دليله سياق الآية { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } ابن كيسان قدِّموا لأنفسكم في كل ما أحلّ الله لكم ، وما تعبّدكم به ، فإن تصديقكم الله ورسوله بكل ما أحلّه لكم وحرّم عليكم وما تعبّدتم به قدم صدق لكم عند ربّكم ، واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، واعلموا أنّكم ملاقوه فيجزيكم بأعمالكم . { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } الآية ، قال الكلبي : نزلت في عبد الله ابن رواحة ينهاه عن قطيعة ختنه على أخته بشير بن النعمان الأنصاري ، وذلك أنه كان بينهما شيء فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلّمه ولا يصلح عنه وعن خصم له ، وجعل يقول : قد حلفت بالله ألاّ أفعل ، فلا تحلّ لي الاّ أن يبرّ يميني ، فأنزل الله هذه الآية . قال مقاتل بن حيان : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) حين حلف ألاّ يصل ابنه عبد الرحمن حتى يسلم . ابن جريج : حُدِّثت أنها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مُسيطح حين خاض في حديث الإفك . والعرضة أصلها الشدّة والقوة ، ومنه قيل للدابة التي تتخذ للسفر وتُعد له : عرضة ، لقوتها عليه ، يقال : عرضت ناقتي لذلك أي اتخذتها له ، قال أوس بن حجر : @ وأدماء مثل الفحل يوماً عرضتها لرحلي وفيها هزّة وتقاذف @@ ثم قيل لكل ما يصلح لشيء هو عرضة له ، حتى قالوا للمرأة : هي عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه ، ويقال فلان عرضة للسهر والحرب ، قال حسّان : @ وقال الله قد يسّرتُ جنداً همُ الأنصار عرضتها اللقاء @@ قال المفسرون : هذا في الرجل يحلف بالله تعالى لا يصل رحماً ولا يكلّم قرابته أولا يتصدق له بالصنع خيراً ، أو يصلح بين اثنين فيعصيانه أو يتهمانه أو أحدهما فيحلف بالله لا يصلح بينهما ، فأمره الله أن يحنث في يمينه ويفعل ذلك سرّاً ويكفّر عن يمينه ، فمعنى الآية ولا تجعلوا الله علّة ومانعاً لكم من البرّ والتقوى ، يقول أحدكم : حلفت بالله فيغلّ يمينه في ترك البرّ والصلاح وهو قوله { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } معناه أن لا تبرّوا كقوله { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] أي لئلاّ تضلّوا ، وقال امرؤ القيس : @ فقلت يمين الله أبرح قاعداً ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي @@ ويبيّن هذه الآية ما روى سماك عن الحسين عن عبد الرحمن بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها ، فأت الذي هو خير ، وكفّر عن يمينك " . وقال سنان بن حبيب : قلت لسعد بن حمير : إنّي عصت عليّ مولاة لي كان مسكنها معي فحلفتُ أن لا تساكنني ، فقال : هذا من عمل الشيطان كفّر عن يمينك وأسكنها ثم قرأ { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } . { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } أصل اللغو في كلام العرب ما أسقط فلم يعتد به ، قال ذو الرمّة : @ وتطرح بينها المرّي لغواً ما ألغيت في الماية الحوارا @@ يريد بالماية التي تُساق في الدية إذا وضعت ناقة منها حواراً لا يقدّمه ، والمرّي منسوب إلى امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم ، قال المثقب العبدي : @ أومائة تجعل أولادها لغواً وعرض المائة الجلمد @@ واللغو واللغاء في الكلام ما لا خير فيه ولا معنى له ، ونظيره في اللغة صفو فلان معك وصفاه ، قال الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } [ المؤمنون : 3 ] وقال تعالى : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } [ النبأ : 35 ] قال أُمية : @ فلا لغوٌ ولا تأثيم فيها وما فاهوا به لهمُ مقيم @@ وقال العجّاج : @ وربّ أسراب الحجيج الكظّم عن اللغا ورَفَث التكلّم @@ واختلف العلماء في لغو اليمين المذكور في هذه الآية ، فقال قوم هو ما يسبق به لسان الإنسان من الايمان على سرعة وعجلة ليصل به كلامه من غير عقد ولا قصد ، مثل قول القائل : لا والله وبلى والله وكلاّ والله ونحوها ، فهذا لا كفارة فيه ولا إثم . هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } قالت : قول الإنسان لا والله وبلى والله ، وعلى هذا القول الشعبي وعكرمة ومجاهد في رواية الحكم ، وقال الفرزدق : @ ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد صاغرات العزايم @@ وقال آخرون : لغو اليمين هو أن يحلف الإنسان على الشيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبيّن أنه خلاف ذلك ، فهو خطأ منه من غير عمد ، ولا كفارة عليه ولا إثم ، وهو قول الزهري والحسن وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي وأبي مالك وقتادة والربيع وزرارة بن أوفى ومكحول والسدي وابن عباس في رواية الوالبي ، وعن أحمد برواية ابن أبي نجيح . وقال علي وطاووس : اللغو اليمين في حال الغضب والضجر من غير عزم ولا عقد ، ومثله روى عطاء عن وسيم عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يمين في غضب " وقال بعضهم : هو اليمين في المعصية لا يؤاخذ به الله عزّ وجلّ في الحنث فيها ، بل يحنث في يمينه ويكفّر ، قاله سعيد بن جبير ، وقال غيره : ليس فيه كفارة . وقال مسروق : في الرجل الذي يحلف على المعصية ليس عليه كفّارة . الكفر عن خطوات الشيطان ، ومثله روى عكرمة عن ابن عباس ، وقال الشعبي : في الرجل الذي يحلف على المعصية كفارته أن يتوب منها ، فكل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة ، فلو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتم على قوله ، يدلّ عليه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر فيما لا يملك فلا نذر له ، ومن حلف على معصية الله فلا يمين له " . وروت عمرة عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على قطيعة رحم أو معصية فبرّه أن يحنث منها ويرجع عن يمينه " . وروى حماد عن إبراهيم قال : لغو اليمين أن يصل الرجل كلامه بأن يحلف : والله لا آكلنّ أو لا أشربنّ ، ونحو هذا لا يتعمد به اليمين ولا يريد حلفاً فليس عليه كفارة يدل عليه ما روى عوف الأعرابي عن الحسين بن أبي الحسن ، قال : " مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون ومعه رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم فقال : أصبت والله وأخطأت ، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم حنث الرجل ، قال والله ، فقال : كلا ، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة " . وقالت عائشة : أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة ، والحديث الذي لا يعقد القلب عليه . وقال زيد بن أسلم : هو دعاء الحالف على نفسه كقوله : أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا ، أخرجني من مالي إن لم أرك غداً ، أو تقول : هو كافر إنْ فعل كذا ، فهذا كلّه لغو إذا كان باللسان دون القلب لا يؤاخذه الله بها حتى يكون ذلك من قلبه ولو واحدة بها لهلك ، يدلّ عليه قوله { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [ يونس : 11 ] . الضحاك : هو اليمين المكفّر وسمي لغواً لأن الكفارة تُسقط منه الإثم ، تقديره : لا يؤاخذكم الله بالاثم في اليمين إذا كفّرتم . المغيرة عن إبراهيم : هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى فيحنث ( بالله ) فلا يؤاخذه الله عزّ وجلّ به ، دليله قوله صلى الله عليه وسلم : " رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " . { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } أي عزمتم وقصدتم وتعمّدتم لأن كسب القلب العقد على الشيء والنيّة . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } الآية . اعلم أنّ الأيمان على وجوه : منها أن يحلف على طاعة كقوله : والله لأصلينّ أو لأصومنّ أو لأحجّنّ أو لأتصدقنّ ونحوها ، فإنْ كان فرضاً عليه فالواجب عليه أن لا يحنث ، فإنْ حنث فعليه الكفارة ، لأنه كان فرضاً عليه فزاده تأييداً باليمين ، وإنْ كان ذلك تطوعاً ففيه قولان : أحدهما أنّ عليه الكفارة بالحنث فيه ، والقول الثاني : عليه بالوفاء بما قال ولا يجزيه غيره ، ومنها أن يحلف على معصية وقد ذكرنا حكمه والاختلاف فيه ، ومنها أن يحلف على مباح ، وهو على ضربين : من ماض ومستقبل ، فاليمين على المستقبل مثل أن يقول : والله لأفعلنّ كذا ، والله لا أفعل كذا ، فإنّ هذا إذا حنث فيه لزمته الكفارة بلا خلاف ، واليمين على الماضي مثل أن يقول : والله لقد كان كذا ولم يكن ، أو لم يكن كذا وقد كان ، وهو عالم به فهو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في الإثم لأنّه تعمد الذنوب ، ويلزمه الكفارة عندنا ، وقال أبو حنيفة : لا يلزمه الكفارة وتحصيله كاللغو . ثم اعلم أن المحلوف به على ضروب : ضرب منها يكون يميناً ظاهراً وباطناً ، ويلزم المرء الكفارة بالحنث فيها ، وهو قول الرجل : والله وبالله وتالله ، فهذه أيمان صريحة ولا يعتبر فيها النية ، والضرب الثاني أن يحلف بصفة من صفات الله عزّ وجلّ كقوله : وقدرة الله وعظمة الله وكلام الله وعلم الله ونحوها ، فإنّ حكم هذا كحكم الضرب الأول سواء ، والضرب الثالث أن يحلف بكنايات اليمين كقوله : أيم الله وحق الله وقسم الله ولعمرو الله ونحوها ، فهذا يعتبر فيها النية ، فإن نوى اليمين كان يميناً ، وإنْ قال : لم أرد به اليمين قبلنا قوله فيه ، والضرب الرابع : أن يحلف بغير الله مثل أن يقول : والكعبة والصلاة واللوح والقلم وحق محمد وأبي وحياتي ورأس فلان ونحوها ، فهذا ليس بيمين ، ولا يلزم الكفارة بالحنث فيه ، وهو يمين مكروه فيه ، قال الشافعي : والمعنى أن يكون ( … ) . عبد الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول : كانت قريش تحلف بآبائها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفاً فليحلف بالله ، لا تحلفوا بآبائكم " . وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عمر ) يقول : وأبي فنهاه عن ذلك ، قال عمر : فما حلفت بهذا بعد ذاكراً ولا آثراً .