Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 226-229)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } قتادة : كان الإيلاء طلاق أهل الجاهلية . سعيد بن المسيّب : كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية ، كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحبّ أن يتزوجها غيره يحلف ألاّ يقربها أبداً ، وكان يتركها كذلك لا أيّماً ولا ذات بعل ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية وفي الإسلام ، فجعل الله الأجل الذي يعلم به عند الرجل في المرأة وهي أربعة أشهر ، فأنزل الله تعالى { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } وفي حرف عبد الله للذين آلوا من نسائهم على أنها الماضي ، وقرأ ابن عباس : للذين يقسمون من نسائهم . الإيلاء : الحلف ، يقال : آلى يولي ، إيلاء ، قالت الخنساء : @ فآليت آسى على هالك أو أسأل نائحة مالها @@ والاسم منه الألية ، قال الشاعر : @ عليّ ألية وصيام أمسك طارها ألاّ يكفّ @@ وفيه أربع لغات ، أليّة وألوة وللوة وآلوة ومعنى الآية { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } أن يعتزلوا من نسائهم ، فترك ذكره اكتفى بدلالة الكلام عليه ، والتربّص : التريث والتوقف ، وزعم بعضهم أنّه من المقلوب ، قالوا : التربّص : التصبّر ، فمثلا أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته فيقول لها : والله لا أجامعك أو لا يجتمع فراشي بفراشك ، ونحو ذلك من ألفاظ الجماع ، وكل حين يحلفها الرجل على امرأته فيصير ممتنعاً من جماعها أكثر من أربعة أشهر إلاّ بشيء ( يكون ) في بدنه وماله فهو إيلاء ، وما كان دون أربعة أشهر فليس بإيلاء . وكان علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) يقول : الإيلاء يمين في الغضب فإذا حلف في حال الرضا فليس بإيلاء ، وعامة الفقهاء يجرونه على العمد ، ويلزمون الإيلاء في كل يمين منع من جماعها في حال الرضا والغضب ، فإذا آلى تُبان فإنْ هو جامع قبل مضي أربعة أشهر كفّر عن يمينه ولا شيء عليه ، والنكل ثابت هو إنْ هو لم يجامع حتى تنقضي أربعة أشهر ، فاختلف الفقهاء فيه ، فقال بعضهم : إذا مضت أربعة أشهر ولم يفِ بانت منه بتطليقة وهي أملك بنفسها ، وهذا قول عبد الله بن مسعود ومحمد بن ثابت وقتادة ومقاتل بن حبّان والكلبي وأبي حنيفة ، يدلّ عليه قول ابن عباس : عزيمة الطلاق إمضاء أربعة أشهر . وقال بعضهم : إذا مضت أربعة أشهر والرجل ممتنع فإن عفّت المرأة ولم تطلب حقّها من الجماع فلا شيء على الرجل ولا يقع به طلاق وهما على نكاح ما لو قامت على ذلك ، وإن طلبت حقها وقف الحاكم زوجها ، فإما أن يفي وإما أن يطلّق ، فإنْ أبى [ الفيئة ] والطلاق جميعاً طلق عليه الحاكم ، وقيل : يحبسه أبداً حتى يطلّق ، وجملة هذا القول الذي ذكروا من الوقف قول عمر وعثمان وعليّ وأبي الدرداء وابن عمر وعائشة وسعيد بن جبير وسليمان بن يسار ومجاهد ، ومذهب مالك والشافعي وأبي ثور وأبي عبيدة وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث . وقال يونس الصواف : أتيت سعيد بن المسيّب فقال : من أين ؟ قلت : من الكوفة ، قال : وإنّهم يقولون في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر [ فلا شيء عليه ] ولا أربع سنين حتى لو [ يفىء أن يطلّق ] وألغى الجماع فإن كان عاجزاً عن الجماع بمرض أو عنّة أو نحوها فاء بلسانه وأُشهد . وقال : كان إبراهيم النخعي يقول : ألغي باللسان على كل حال ، فإذا فاء فعليه الكفارة ليمينه في قول الفقهاء ، إلاّ الحسن وإبراهيم وقتادة فإنهم أسقطوا الكفارة عن المولى إذا فاء لقوله { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقال إبراهيم : هذا في إسقاط الحق به لا في الكفارة . { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ } أي حققوا وصدّقوا ونووا ، وقرأ ابن عباس : وإن عزموا السراح ، وهو الطلاق أيضاً . { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لقولهم { عَلِيمٌ } بنيّاتهم ، وفيه دليل على أنّها لا تطلّق بعد مضي الأربعة الأشهر ما لم يطلقها زوجها أو السلطان لأنه شرط فيه العزم ، ولأن السماع يقتضي ( … ) والقول هو الذي يسمع ، والسماع راجع إلى الطلاق والله أعلم . { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } الآية ، قال مقاتل بن حيان والكلبي : كان الرجل أول الإسلام إذا طلّق امرأته ثلاثاً وهي حبلى فهو أحق برجعتها ما لم تضع ولدها إلى أن نسخ الله ذلك بقوله { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } وقوله { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ } الآية ، وطلّق إسماعيل بن عبد الله الغفاري امرأته قتيلة وهي حبلى . وقال مقاتل : هو مالك بن الأشدق رجل من أهل الطائف ، قالوا جميعاً : ولم يشعر الرجل بذلك ولم تخبره بذلك ، فلمّا علم بحبلها راجعها وردّها إلى بيته ، فولدت وماتت ومات ولدها ، وفيها أنزل الله تعالى هذه الآية { وَالْمُطَلَّقَاتُ } أي المخلّيات من حبال أزواجهن وهو من قولهم : أطلقت الشيء من يدي وطلقته إذا خلّيته ، إلاّ أنهم لكثرة استعمالهم اللفظين فرّقوا بينهما ليكون التطليق مقصوراً في الزوجات وبذلك أنزل القرآن { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [ الطلاق : 1 ] والاسم منه الطلاق ، ويقال : طلق الرجل المرأة وطلّقت وطلقت معاً ، وأصله من قولهم : انطلق الرجل إذا مضى غير ممنوع ، ويقال للشوط الذي يجريه الفرس وغيره من غير أن يمنع طلق . { يَتَرَبَّصْنَ } ينتظرن بأنفسهن ولا يتزوجن ثلاثة قروء ، جمع قُرء ، مثل قرع وجمعه القليل قروء والجمع الكثير أقرُاء وقرؤ ، واختلف الفقهاء في القروء ، فقال قوم : هي الحيض ، وهو قول علي وعمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري ومجاهد ومقاتل بن حيّان ، ومذهب سفيان وأبي حنيفة وأهل الكوفة ، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " والصلاة إنما تترك في حال الحيض ، يقول الراجز أنشده تغلب عن ابن الأعرابي : @ له قروء كقروء الحائض @@ يعني أنّ عداوته تهيج في أوقات معلومة كما أن المرأة تحيض بأوقات معلومة ، فمَنْ قال بهذا القول قال : لا تحلّ المرأة للأزواج ولا تخرج من عدّتها ما لم تنقضِ الحيضة الثالثة ، يدل عليه ما روى الزهري عن ابن المسيّب أن علياً قال في الرجل يطلق امرأته واحدة أو ثنتين : ( لا ) يحل لزوجها الرجعة إليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحلّ لها الصلاة . وقال آخرون : هي الأطهار وهو قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة ومذهب مالك والشافعي وأهل المدينة ، واحتجوا بقوله { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] " وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمّا طلّق ابن عمر امرأة وهي حائض لعمر : مُرْه فلْيراجعها ، فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك " ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله عزّ وجلّ { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ } [ الطلاق : 1 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أنّ العدّة الأطهار من الحيض وقرأ { فَطَلِّقُوهُنَّ } لتتم عدتهنّ ، وهو أن يطلقها طاهراً لأنها حينئذ تستقبل عدّتها ، ولو طلقت أيضاً لم تكن مستقبلة عدّتها إلاّ بعد الحيض ، ويدلّ على تلك القروء والأطهار قول الشاعر وهو الأعشى : @ وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم غزائكا مورثة مالاً وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا @@ والقُرء في هذا البيت الطهر ، لأنّه خرج إلى الغزو ولم يغش نساءه فأضاع اقراءهنّ أي أطهارهن ، ومن قال بهذا القول قال : إذا حاضت المرأة الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلّت للزواج ، يدلّ عليه ما روى الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة ، قالت : " إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلّت للأزواج ، قالت عمرة : وكانت عائشة تقول : القرء : الطهر ليس الحيض " . ابن شهاب قال : سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : ما أدركت أحداً من فقهائنا إلاّ وهو يقول هذا ، يريد قول عائشة الأقراء الأطهار ، وإنما وقع هذا الاختلاف لأن القُرء في اللغة من الأضداد يصلح للمعنيين جميعاً ، يقول أقرأت المرأة إذا حاضت وأقرأت إذا طهرت ، فهي تقرى ، واختلفوا في أصلها ، فقال أبو عمر وأبو عبيدة هو وقت مجيء الشيء وذهابه ، يقال : رجع فلان لقُرئه وقاريه أي لوقته الذي يرجع فيه ، وهذا قاري الرياح أي وقت هبوبها . قال مالك بن الحرث الهذلي : @ كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبّت لقارئها الرياح @@ أي لوقتها ، ويقال : أقرأت النجوم إذا طلعت ، وأقرأت إذا أفلت . قال كثير : @ إذا ما الثريا وقد أقرأت أحسُّ السما كان منها أُفولا @@ فالقرء للوجهين ، لأن الحيض يأتي لوقت والطهر يأتي لوقت ، وقيل : هو من ( قرء الماء في الحوض ، وهو جمعه ) ، قال عمرو بن كلثوم : @ ذراعي عيطل إذماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا @@ أي لم تحمل ، ولم تضم في رحمها ، وإنما تقول العرب : ما قرأت الناقة بلا قرط أي لا تضمّ رحمها على ولد ، ومنه قولهم : قرأت القرآن أي نطقت به مجموعاً ، هذا اختيار الزجّاج . قال : ومنه قريت الماء في المقراة ، ترك همزها والأصل فيه الهمز ، فالقرء احتباس الدم واجتماعه وهو يكون في حال الطهر والحيض جميعاً ، إلاّ أن الترجيح للطهر لأنّه يجمع الدم ويحبسه ، والحيض يرخّيه ويرسله والله أعلم . حكم الآية اعلم أن لفظها خبر ومعناها أمر ، كقوله { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } وأمثاله ، والعدّة على ضربين : عدّة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها ، فعدّة المطلقة على ثلاثة أضرب : عدة الحائض ثلاثة قروء ، وعدّة الحامل أن تضع حملها ، وعدّة الصغيرة التي لم تحض والكبيرة التي آيست ثلاثة أشهر ، وعدّة المتوفى عنها زوجها ضربان : إن كانت حاملا فعدّتها أن تضع حملها وإلاّ فعدّتها أربعة أشهر وعشرة ، وعدّة الإماء فيما له نصف ومن الأقراء قُرآن لأنها لا نصف ولا عدّة على متن لم يدخل بها إذا توفي عنها زوجها ، فعدّتها أربعة أشهر وعشراً . { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } قال عكرمة وإبراهيم : يعني الحيض ، وهو أن تعتدّ المرأة فيريد الرجل أن يراجعها فتقول : إنّي قد حضت الثالثة . ابن عباس وقتادة ومقاتل : يعني الحمل في الولد ، فمعنى الآية لا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحمل ليبطلن حق الزوج في الرجعة والولد ، فإنّ المرأة أمينة على فرجها . { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ } أزواجهنّ ، وهو جمع بعل ، كالفحولة والذكورة والحزولة والخيوطة ، ويقال : تبعّلت المرأة إذا تزوجت ، ومنه قيل للجماع بعال ، وإنما سمي الزوج بعلا لقيامه بأُمور زوجته ، وأصل البعل السيّد والمالك ، قال الله تعالى { أَتَدْعُونَ بَعْلاً } [ الصافات : 125 ] وقرأ مسلم بن محارب { وَبُعُولَتُهُنَّ } بإسكان التاء لكثرة الحركات ، والاتباع أفصح وأحسن وأوفق وأولى . { أَحَقُّ } أولى { بِرَدِّهِنَّ } أي برجعتهن { فِي ذَلِكَ } أي في حال العدّة { إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً } لا إضراراً ، وذلك إن الرجل إذا أراد الإضرار بامرأته طلّقها واحدة وتركها حتى إذا قرب انقضاء عدّتها راجعها ، ثم تركها مدّة ، ثم طلّقها أُخرى وتركها كما فعل في الأولى ، ثم راجعها فتركها مدّة ثم طلقها { وَلَهُنَّ } أي وللنساء على أزواجهنّ { مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ } من الحق . يُروى أن امرأة معاذ قالت : " يا رسول الله ما حق الزوجة على زوجها ؟ قال : أن لا يضرب وجهها ، وأن لا يقبحها ، وأن يطعمها مما يأكل ، ويلبسها مما يلبس ولا يهجرها " . المبارك بن فضالة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً فإنّهن عندكم عوان لايملكنّ لأنفسهن شيئاً " " إنما اتخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله " . وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيار الرجال من أمتي خيرهم لنسائهم ، وخير النساء من أمتي خيرهنّ لأزواجهنّ ، يرفع لكل امرأة منهنّ كل يوم وليلة أجر ألف شهيد قتلوا في سبيل الله صابرين محتسبين ، ولفضل إحداهنّ على الحور العين كفضل محمّد على أدنى رجل منكم ، وخير النساء من أمتي من تأتي مسيرة زوجها في كل شيء يهواه ما خلا معصية الله عزّ وجلّ ، وخير الرجال من أُمتي من يلطف بأهله لطف الوالدة بولدها ، ُكتب لكل رجل منهم في كل يوم وليلة أجر مائة شهيد قتلوا في سبيل الله محتسبين صابرين " . فقال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : " يا رسول الله فكيف يكون للمرأة أجر ألف شهيد وللرجل مائة شهيد ؟ قال : أوما علمت أن المرأة أعظم أجراً من الرجل ، وأفضل ثواباً ، وأنّ الله عزّ وجلّ لَيرفع الرجل في الجنة درجات فوق درجاته برضا زوجته عنه في الدنيا ودعائها له ؟ أوما علمت أنّ أعظم وزر بعد الشرك بالله المرأة إذا غشت زوجها ؟ ألا فاتقوا الله في الضعيفين ، فإنّ الله سائلكم عنهما : اليتيم والمرأة ، فمن أحسن إليهما فقد بلغ إلى الله ورضوانه ، ومن أساء إليهما فقد استوجب من الله سخطه ، حق الزوج على المرأة كحقّي عليكم ، فمن ضيّع حقّي فقد ضيّع حق الله ، ومن ضيّع حق الله فقد باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " . { بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } في الفضل . قال ابن عباس : بما ساق إليها من المهر ، وأنفق عليها من المال ، وقيل : بالعقل ، وقيل : بالميراث ، وقيل : بالدرجة ، قال قتادة : بالجهاد . عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر بن عبد الله ، قال : " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه إذ أقبلت امرأة حتى قامت على رأسه ، ثم قالت : السلام عليك يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليك ، ليست من امرأة [ سمعت بمخرجي ] إليك إلا أعجبها ذلك ، يا رسول الله : إن الله ربّ الرجال وربّ النساء ، وآدم أب الرجال وأب النساء ، وحواء أم الرجال وأم النساء ، فالرجال إذا خرجوا في سبيل الله وقتلوا فأحياء عند ربهم يرزقون ، وإذا خرجوا فلهم من الأمر ما قد علمت ، ونحن [ نحبس ] عليهم ونخدمهم فهل لنا من الأجر شيء ؟ قال : نعم ، اقرأي النساء السلام وقولي لهنّ : إنّ طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك ، وقليل منكنّ يفعلهُ " . ثابت عن أنس ، قال : جئن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله ، فما لنا عمل بعدك به عمل في سبيل الله . بكر بن عبد الله المزني عن عمران بن الحصين قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد ؟ قال : « نعم ، جهادهن الغيرة ، يجاهدن أنفسهن فإنْ صبرن فهنّ مجاهدات ، وإن صبرن فهنّ مرابطات ولهنّ أجران اثنان " . وقيل : بالطلاق والرجعة ، وقيل : بالشهادة ، وقيل : بقوة العبادة ، وقال سفيان وزيد بن أسلم : بالإمارة . وقال القتيبي : معناه : وللرجال عليهنّ درجة أي فضيلة للحق . { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن امرأة أتتها فشكت أنّ زوجها يطلقها ويسترجعها ليضارّها بذلك ، وكان الرجل في الجاهلية إذا طلّق امرأته ثم راجعها قبل أن تنقضي عدّتها كان له ذلك ، فإنْ طلّقها ألف مرة لم يكن للطلاق عندهم حدّ ، فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } فجعل حدّ الطلاق ثلاثاً وللطلاق الثالث قوله تعالى { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } فأين الثالثة ؟ قال { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } . وقال المفسّرون : معنى الآية الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرّتان { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } أي عليه إمساك بمعروف أي يراجعها في التطليقة الثالثة { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } بعدها ولا يضارّها فإنْ طلقها واحدة أو ثنتين فهو أملك برجعتها ما دامت في العدّة ، فإذا انقضت العدّة فهي أحق بنفسها ، وجاز أن يراجعها عن تراض منهما بنكاح جديد ، فإن طلّقها الثالثة بانت منه وكانت أحق بنفسها منه ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره . { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ } في حال الاستبدال والطلاق { مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } أعطيتموهنّ من المهور وغيرها ، ثم استثنى الخلع فقال { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } " نزلت هذه الآية في جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى تزوجها ثابت بن قيس بن شماس ، وكانت تبغضه بغضاً شديداً ، وكان يحبّها حبّاً شديداً ، وكان بينهما كلام فأتت أباها فشكت إليه زوجها وقالت : إنه يسيء إليّ ويضربني ، فقال لها : ارجعي إلى زوجك فوالله إنّي لأكره للمرأة أن لا تزال رافعة يدها تشكو زوجها ، فرجعت إليه الثانية وبها أثر الضرب ، فشكت إليه فقال لها : ارجعي إلى زوجك ، فلمّا رأت أنّ أباها لا يشكيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكت إليه زوجها وأرته آثاراً بها من الضرب وقالت : يا رسول الله لا أنا ولا هو ، قال : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فقال : يا ثابت مالك ولأهلك ؟ قال : والذي بعثك بالحق ما على ظهر الأرض أحبّ إليّ منها غيرك ، قال لها : ما تقولين ؟ فكرهت أن تكذب رسول الله حين سألها ، فقالت : صدق يا رسول الله ، ولكنّي خشيت أن يهلكني فأخرجني منه يا رسول الله ، فقال : إني قد أعطيتها حديقة لي فقل لها فلتردّها عليّ وأنا أُخلّي سبيلها ، قال لها : ما تقولين تردّين إليه حديقته وتملكين أمرك ؟ قالت : نعم ، وأنا لا أريده ، قال : لا ، حديقته فقط . ثم قالت : يا رسول الله ما كنت أحدّثك اليوم حديثاً ينزل عليك خلافه غداً هو من أكرم الناس حبّه لزوجته ولكنّي أبغضه ، فلا هو ولا أنا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « يا ثابت خذ منها ما أعطيتها وخلّ سبيلها " ففعل ، وكان أوّل خلع في الإسلام ، فأنزل الله عزّ وجلّ { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ } يعلما ، وتصديقه قراءة أُبي : إلاّ أن يظنّا ، وقال محجن : @ فلا تدفننّي بالفلاة فإنّني أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها @@ أي أعلم ، وقرأ أبو جعفر وحمزة ويعقوب : ( يخافا ) بضمّ الياء أي يعلم ذلك منهما اعتباراً بقراءة ابن مسعود : إلاّ أن يخافوا ، واختاره أبو عبيد لقوله تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } قال : فجعل الخوف لغيرهما ولم يقل فإن يخافا ألاّ يقيما حدود الله وهو أن تخاف المرأة الفتنة على نفسها فتعصي الله في أمر زوجها ، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها ، فنهى الله تعالى الرجل أن يأخذ من امرأة شيئاً بغير رضاها إلاّ أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتقول : والله لا أبرّ لك قسماً ولا أطيع لك أمراً ولا أطأ لك مضجعاً ، ونحو ذلك ، فإذا فعلت ذلك به حلّ له العقوبة منها إذا دعته إلى ذلك ، ويكره أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها ، ولكنه في الحكم جائز . يبيّن ذلك ما روى الحكم بن عيينة أنّ امرأة نشزت على زوجها في إمارة عمر بن الخطاب ، فوعظها عمر ( رضي الله عنه ) وأمرها بطاعة زوجها فأبت وقالت : لئن رددتني إليه والله لأقتلنّ نفسي ، فأمر بها فحُبست في اصطبل الدواب في بيت الزمل ثلاث ليال ، ثم دعاها فقال : كيف رأيت مكانك ؟ فقالت : ما بتّ ليالي أقرّ لعيني منها ، وما وجدت الراحة مذ كنت عنده إلاّ هذه الليالي ، فقال : هذا وأبيكم النشوز ، ثم قال لزوجها : اخلعها ولو من قرطيها ، اخلعها بما دون عقاص رأسها فلا خير لك فيها ، فذلك قوله عزّ وجلّ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } المرأة نفسها منه . قال الفراء : أراد به الزوج دون المرأة فذكرهما جميعاً لأقرانهما كقوله { نَسِيَا حُوتَهُمَا } [ الكهف : 60 ] وإنما الناسي فتى موسى دون موسى عليه السلام وقوله { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من المالح دون العذب ، وقال الشاعر : @ فإن تزجراني يابن عفّان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضاً ممنّعا @@ وقال قوم معناه : فلا جناح عليهما جميعاً ، لا جناح على المرأة في النشوز إذا خشيت الهلاك والمعصية ، ولا فيما افتدت به وأعطبت من المال ، لأنها ممنوعة من اتلاف المال بغير حق ، ولا على الرجل فيما أخذ منها من المال إذا أعطته طائعة بمرادها ، وللفقهاء في الخلع قولان : أحدهما : إنه فسخ بلا طلاق ، وهو قول ابن عباس ، وقول الشافعي في القديم بالعراق ، ثم رجع عنه بمصر . والقول الثاني : إنّ الخلع تطليقة بائنة إلاّ أن ينوي أكثر منها ، وهو قول عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) ، والقول الجديد من قول الشافعي . { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } هذه أوامر الله ونواهيه { فَلاَ تَعْتَدُوهَا } فلا تجاوزوها { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } .