Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 230-232)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا } يعني ثلاثاً { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ } يعني من بعد التطليقة الثالثة ، وبعد رفع على الغاية { حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } أي غير المطلِّق فيجامعها ، والنكاح يتناول العقد والوطء جميعاً . " نزلت هذه الآية في تميمة ، وقيل : عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرطي ، كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك القرطي ، وكان ابن عمها فطلّقها ثلاثاً ، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلاّ مثل هدبة الثوب ، وإنه طلقني قبل أن يمسّني أفأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول ؟ " فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " . قال : وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وخالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة فطفق خالد ينادي : يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تهجر به عند رسول الله ، والعسيلة اسم للجماع ، وأصلها من العسل شبّه للّذة التي ينالها الإنسان في تلك الحال بالعسل يقال منه : عسلها يعسلها عسلا إذا جامعها . فلبثت ما شاء الله أن تلبث ثم رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي كان قد مسّني ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " كذبت بقولك الأول فلن نصدّقك في الآخر " فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر ، فقالت : يا خليفة رسول الله أرجع إلى زوجي الأول ، فإن زوجي الآخر قد مسّني وطلّقني ، فقال أبو بكر : قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتيته ، وقال لك ما قال فلا ترجعي إليه ، فلمّا قُبض أبو بكر أتت عمر ( رضي الله عنه ) وقالت له مثل ما قالت لأبي بكر ، فقال عمر : لئن رجعت إليه لأرجمنّك ، فإن الله تعالى قد أنزل { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } " { فَإِن طَلَّقَهَا } زوجها الثاني أو مات عنها بعد ما جامعها { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ } يعني على المرأة المطلّقة وعلى الزوج الأول { أَن يَتَرَاجَعَآ } بنكاح جديد ، فذكر النكاح بلفظ التراجع { إِن ظَنَّآ } عَلِما ، وقيل : رجوا ، قالوا : ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم لأنّ أحداً لا يعلم ما هو كائن إلاّ الله عزّ وجلّ { أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } يعني ما بيّن الله من حق أحدهما على الآخر ، ومحلّ ( أن ) في قوله { أَن يَتَرَاجَعَآ } نصب بنزع حرف الجر أي في أن يتراجعا ، وفي قوله { أَن يُقِيمَا } نصب بوقوع الظن عليه . وقال مجاهد : ومعناه إن علما أنّ نكاحهما على غير دلسة ، وأراد بالدلسة التحليل ، هذا مذهب سفيان والأوزاعي ومالك وأبي عبيدة وأحمد وإسحاق ، قالوا في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً فتزّوج زوجاً غيره ليحلّها لزوجها الأول : إن النكاح فاسد ، وكان الشافعي يقول : إذا تزوّجها ليحلّها فالنكاح ثابت إذا لم يشترط ذلك في عقد النكاح مثل أن يقول : أنكحك حتى أصيبك فتحلّي لزوجك الأول ، فإذا اشترط هذا فالنكاح باطل ، وما كان من شرط قبل عقد النكاح فلا يفسد النكاح . وقال نافع أتى رجل ابن عمر فقال : إنّ رجلا طلّق امرأته ثلاثاً ، فانطلق أخ له من غير مراجعة فتزوجها ليحلّها للأول فقال : لا ، إلاّ بنكاح رغبة ، كنّا نعدّ هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال عليه السلام : " لعن الله المحلّل والمحلَّل له " . عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلّكم على التيس المستعار ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " هو المحلِّل والمحلَّل له " . قبيصة بن جابر الأسدي ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يخطب وهو على المنبر : والله لا أوتى بمحلّل ولا بمحلَّل له إلاّ رجمتهما . { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا } روى المفضل وأبان عن عاصم بالنون { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } نزلت في رجل من الأنصار يُدعى ثابت بن يسار ، طُلِّقت امرأته حتى إذا انقضت عدتها إلاّ يومين أو ثلاثة وكادت تبين منه ، راجعها ثم طلقها ، ففعل بها ذلك حتى مضيت لها تسعة أشهر مضارة لها بذلك ، ولم يكن الطلاق يومئذ محصوراً ، وكان إذا أراد الرجل أن يُضارّ امرأته طلقها ثم تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة ، ثم راجعها ثم طلّقها فتطويله عليها هو الضرار ، فأنزل الله تعالى { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي أمرهنّ في أن تبين بانقضاء العدة ، ولم يرد إذا انقضت عدتهنّ لأنها إذا انقضت عدّتها لم يكن للزوج إمساكها ، فالبلوغ ها هنا بلوغ مقاربة ، وقوله بعد هذا { فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } بلوغ انقضاء وانتهاء ، والبلوغ يتناول المعنيين جميعاً ، يقال : بلغ المدينة إذا صار إلى حدّها وإذا دخلها . { فَأَمْسِكُوهُنَّ } أي راجعوهنّ { بِمَعْرُوفٍ } قال محمد بن جرير : بمعروف أي بإشهاد على الرجعة وعقد لها دون الرجعة بالوطء { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ ، وكنّ أملك لأنفسهنّ . { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } مضارّة وأنتم لا حاجة بكم إليهنّ { لِّتَعْتَدُواْ } عليهن بتطويل العدّة { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ } الاعتداء { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ضرّها بمخالفة أمر الله عزّ وجلّ . مرّة الطيب ، عن أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من ضارّ مسلماً أو ماكره " . { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } الحسن عن أبي الدرداء قال : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : إنّما طلّقت وأنا لاعب فيرجع فيها ويعتق ، فيقول مثل ذلك ويرجع فيه وينكح ، ويقول مثل ذلك ، فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } يقول : حدود الله وقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من طلق أو حرّر وأنكح وزعم أنّه لاعب فهو جدّ ، وفي الخبر : خَمسٌ جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ، والرجعة ، والنذر " . وعن أبي موسى ، قال : " غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأشعريين قال : يقول « أحدكم لامرأته : قد طلقتك ، قد راجعتك ، ليس هذا طلاق المسلمين ، طلّقوا المرأة في قبل طمثها " . وقال الكلبي { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } يعني قوله { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } . { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالإيمان { وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } يعني القرآن { وَٱلْحِكْمَةِ } يعني مواعظ القرآن والحدود والأحكام . { يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } الآية ، نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني ، كانت تحت أبي البدّاح عاصم بن عدي بن عجلان ، فطلّقها تطليقة واحدة ثم تركها حتى انقضت عدّتها ثم جاء يخطبها وأراد مراجعتها وكان رجل صدق ، وكانت المرأة تحبّ مراجعته ، فمنعها أخوها معقل وقال لها : لئن راجعتهِ لا أكلمك أبداً ، وقال لزوجها : أفرشتك كريمتي وآثرتك بها على قومي فطلّقتها ، ثم لم تراجعها حتى إذا انقضت عدّتها جئت تخطبها ، والله لا أنكحك بها أبداً ، وحمى أنفاً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا رسول الله معقلا وتلاها عليه ، فقال : فإني أؤمن بالله واليوم الآخر ، فأنكحها إيّاه وكفّر يمينه على قول أكثر المفسّرين . وقال السدّي : نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري ، وكانت له بنت عم فطلّقها زوجها تطليقة واحدة وانقضت عدّتها ثم أراد رجعتها ، فأتى جابر فقال : طلّقت ابنة عمي ثم تريد أن تنكحها الثانية ، وكانت المرأة تريد زوجها فأنزل الله { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } فانقضت عدّتهن قال الزجّاج : الأجل آخر المدة وعاقبة الأُمور ، قال لبيد : @ فاخرها بالبرّ لله الأجل @@ يريد عاقبة الأُمور . { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } فلا تمنعوهنّ ، والعَضْل : المنع من التزوّج ، وأنشد الأخفش : @ ونحن عضلنا بالرماح لسانا وما فيكم عن حرمة له عاضل @@ وأنشد : @ وأن قصائدي لك فاصطنعني كرائم قد عضلن عن النكاح @@ وأصل العضل الضيق والشدّة ، يقال : عضلت المرأة والشاة إذا تشبث ولدهما في بطنهما فضاق عليه الخروج ، وعضلت الدجاجة إذا تشبّث البيض فيها ، وعضل الفضاء بالجُلَّس إذا ضاق عليهم لكثرتهم ، ويقال : ذا عضال إذا ضاق علاجه فلا يطاق ، ويقال : عضل الأمر إذا اشتدّ وضاق . قال عمر ( رضي الله عنه ) : أعضل أهل الكوفة لا يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير ، وقال أوس بن حجر : @ وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمّك إن ولّى ويرضيك مقبلا ولكنّه النائي إذا كنت آمناً وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا @@ قال طاووس : لقد وردت عضل أقضية ما قام بها إلاّ ابن عباس ، وكل مشكل عند العرب معضل ومنه قول الشافعي : @ إذا المعضلات بعدن عني كشفت حقائقها بالنظر @@ { أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } الأوّل بنكاح جديد { إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بعقد حلال ومهر جائز ، ونظم الآية : فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ بالمعروف إذا تراضوا بينهم ، وفي هذه الآية دليل قول من قال : لا نكاح إلاّ بولي لأنه تعالى خاطب الأولياء في التزويج ، ولو كان للمرأة إنكاح نفسها لم يكن هناك عضل ولا لنهي الله الأولياء عن العضل معنى ، يدلّ عليه ما روى أبو بردة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلاّ بولي " . { ذٰلِكَ } أي ذلك الذي ذكرت من النهي { يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } وإنما قال ذلك موحداً والخطاب للأولياء ؛ لأنّ الأصل في مخاطبة الجمع ذلكم ثم كثر ذلك حتى توهّموا أنّ الكاف من نفس الحرف ، وليس بكاف الخطاب ، فقالوا ذلك ، وإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة منصوبة في الآيتين والجمع والمذكر والمؤنث . وقيل : ها هنا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلذلك وحَّده ثم رجع إلى خطاب المؤمنين ، فقال عزّ من قائل { ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ } خيرٌ وأفضل { لَكُمْ وَأَطْهَرُ } لقلوبكم من الريبة وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما علاقة حبّ لم يؤمن بأن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحلّ الله لهما ، ولم يؤمن من أوليائهما إن سبق إلى قلوبهم منهما لعلّهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } من خبر كل واحد منهما لصاحبه { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } .