Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 238-242)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ } أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها وحدودها وركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وجميع ما يجب فيها من حقوقها ، وكل صلاة في القرآن مقرونة بالمحافظة فالمراد بها الصلوات الخمس ، ثم خصّ الصلاة الوسطى من بينها بالمحافظة دلالة على فضلها كقوله تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } وهما من جملة الملائكة ، وقوله : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمن : 68 ] أخرجهما بالذكر من الجملة بالواو الدالة على التخصيص والتفصيل ، فكذلك قوله : { وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } . وقرأت عائشة { وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } بالنصب على الإغراء ، وروى قالون عن نافع { ٱلْوُسْطَىٰ } بالصاد لمجاورة الطاء لأنهما من جنس واحد ، وهما لغتان كالصراط والسراط ، والصدغ والسدغ ، والبصاق والبساق ، واللصوق واللسوق ، والصندوق والسندوق ، والصقر والسقر . والوسطى تأنيث الأوسط ، ووسط الشيء خيره وأعدله لأن خير الأمور أوسطها ، قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } أي خياراً وعدلا ، وقال تعالى : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [ القلم : 28 ] أي خيرهم وأفضلهم ، وقال أعرابي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم : @ يا أوسط الناس طرّاً في مفاخرهم وأكرم الناس أُمّاً برّة وأبا @@ واختلف العلماء في الوسطى وأي صلاة هي ، فقال سعيد بن المسيب : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها هكذا في الاختلاف ، وشبّك من أصابعه ، فقال قوم : هي صلاة الفجر ، وهو قول معاذ وعمر وابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وعطاء وعكرمة والربيع ومجاهد وعبد الله بن شداد بن الهاد ، وعن موسى بن وهب قال : سمعت أبا أمامة وقد سئل عن الصلاة الوسطى قال : لا أحسبها إلاّ صلاة الصبح . معمر بن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عكرمة قالا : هي الصبح يعني الصلاة الوسطى ، وهو اختيار الإمام أبي عبد الله الشافعي ، يدلّ عليه ما روى الربيع عن أبي العالية أنه صلّى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ، فلمّا أن فرغوا قال : قلت لهم : أيّتهنّ الصلاة الوسطى ؟ قالوا : التي صلّيتها ، قيل : ولأنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هي صلاة الصبح ، وسّطت فكانت بين الليل والنهار ، يصلّى في سواد من الليل وبياض من النهار ، وهي أكبر الصلوات تفوت الناس ، ولأنها لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها ، ولأنها بين صلاتين تجمعان ، وتصديق هذا التأويل من التنزيل دالا على التخصيص والتفضيل قوله تعالى { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار ، ودليل آخر من سياق الآية وهو أنه عقبها بقوله { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } يعني وقوموا لله فيها قانتين ، قالوا : ولا صلاة مكتوبة فيها قنوت سوى صلاة الفجر فعلم أنها هي ، وفيه دليل على ثبوت القنوت . وقال أبو رجاء العطاردي : صلّى بنا ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة ، فقنت بنا قبل الركوع ورفع يديه ، فلمّا فرغ قال : هذه الصلاة الوسطى التي أُمرنا أن نقوم فيها قانتين ، والدليل عليه ما روى حنظلة عن أنس قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً وقال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا . ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات ، وعثمان حتى مات ، وعلي حتى مات ، وقال آخرون : هي صلاة الظهر وهو قول زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وعائشة . روى عروة عن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بالهاجرة وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فلا يكون وراءه إلاّ الصف والصفّان ، وأكثر الناس يكونون في قائلتهم وفي تجاراتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم " فنزلت هذه الآية { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } ودليلهم أنها وسط النهار ما روى أبو ذر عن علي كرم الله وجهه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله في السماء الدنيا حلفة تزول منها الشمس ، فإذا مالت الشمس سبّح كل شيء لربّنا ، وأمر الله تعالى بالصلاة في تلك الساعة ، وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى يصلّى الظهر ، ويستجاب فيها الدعاء " . ولأنها أوسط صلوات النهار ، ومن خصائصها أنها أول صلاة فرضت ، وأول صلاة توجّه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الكعبة ، وهي التي ترفع جميع الصلوات والجماعات [ لأجلها ] يوم الجمعة . وقال بعضهم : هي صلاة العصر ، وهو قول علي وعبد الله وأبي هريرة والنخعي وزرّ بن حبيش وقتادة وأبي أيوب والضحّاك والكلبي ومقاتل ، واختيار أبي حنيفة ، يدلّ عليه ما روى الحسن عن سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صلاة الوسطى العصر " . وفي بعض الأخبار هي التي فرّط فيها سليمان عليه السلام . سفيان بن عيينة عن البراء بن عازب قال : نزلت { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ } وصلاة العصر فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم ( سنحتها ) { حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ وَالصلاةِ الْوُسْطَى } فقال له بعضهم : فهي صلاة العصر ، قال : أعلمتك كيف نزلت وكيف نسختها ، والله أعلم . نافع عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلمّا أخبرها قالت : اكتب إني سمعت رسول الله يقول { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } صلاة العصر . هشام عن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } صلاة العصر { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } وهكذا كان يقرأها أبي بن كعب وعبيد بن عمير . الأعمش عن مسلم عن شتير بن شكل عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم أو قبورهم نارا " . قال ثم صلاّها بين العشاءين ، وفي بعض الأخبار أن رجلا قال في مجلس عبد العزيز بن مروان : " أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الصلاة الوسطى ، فأخذ اصبعي الصغيرة فقال : " هذه الفجر " ، وقبض التي تليها وقال : " هذه الظهر " ، ثم قبض الإبهام فقال : " هذه المغرب " ، ثم قبض التي تليها فقال : " هذه العشاء " ، ثم قال : " أي أصابعك بقيت ؟ " فقلت : الوسطى ، فقال : " أي الصلاة بقيت ؟ " قلت : العصر ، قال : هي العصر " . قالوا : ولأنها بين صلاتي نهار وصلاتي ليل ، ( وكان ) النبي صلى الله عليه وسلم متسامحاً فأخذ يصلّيها ويبالغ ، وروى أبو تميم الحبشاني عن أبي بصرة الغفاري قال : " صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ، فلمّا انصرف قال : " إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم ؛ فتوانوا فيها وتركوها ؛ فمن صلاّها منكم وحافظ عليها أوتي أجرها مرّتين ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد " والشاهد : النجم " . أبو قلابة عن أبي المهاجر عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بكّروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله " . نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذي يصلّي العصر كافاه في أهله وماله " . وقال قبيصة بن ذؤيب : هي صلاة المغرب ، ألا ترى أنها واسطة ليست بأقلها ولا أكثرها وهي لا تقصر في السفر ومن وتر النهار . هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أفضل الصلوات صلاة المغرب ، لم يحطها الله عن مسافر ولا مقيم ، فتح الله بها صلاة الليل ، وختم بها النهار ، فمن صلّى المغرب وصلّى بعدها ركعتين بنى الله له قصراً في الجنة ، ومن صلّى بعدها أربع ركعات غفر الله له ذنب عشرين سنة ، أو قال : أربعين سنة " . وحكى الشيخ أبو ميثم سهل بن محمد عن بعضهم أنها صلاة العشاء الأخيرة ، وقال : لأنها بين صلاتين لا تقصران . وروى عبد الرحمن بن أبي عمر عن عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صلّى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة " . وقال بعضهم : هي إحدى الصلوات الخمس ولا نعرفها عينها ، سئل الربيع بن خيثم عن الصلاة الوسطى فقال للسائل : [ أراغب ] إن علمتها كنت محافظاً عليها ومضيّعاً سائرهن ؟ قال : لا ، قال : فإنك إنْ حافظت عليهنّ فقد حافظت عليها ، وبه قال أبو بكر الورّاق ، قال : لو شاء الله عزّ وجلّ لبيّنها ، ولكنه سبحانه أراد تنبيه الخلق على أداء الصلوات . قال الثعلبي [ ولقد أحسنا ] في قوليهما فإن الله تعالى أخفى الصلاة الوسطى في جميع الصلوات المكتوبة ليحافظوا على جميعها رجاء الوسطى ، كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان ، واسمه الأعظم في جميع الأسماء ، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة حكمةً منه في فعله ورحمةً على خلقه . وفي قوله عزّ وجلّ { وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } دليل على أن الوتر ليس بواجب وذلك أن المسلمين اتفقوا على أن الصلوات المفروضات تنقص عن سبعة وتزيد على ثلاثة ، وليس من الثلاثة والسبعة فرد إلاّ خمسة ، والأزواج لا وسطى لها ، فثبت أنها خمسة . قتادة عن أنس قال : قال رجل : " يا رسول الله ، كم افترض الله على عباده الصلوات ؟ قال : خمس صلوات ، قال : فهل قبلهنّ وبعدهنّ شيء افترض الله على عباده قال : لا ، فحلف الرجل بالله لا يزيد عليهنّ ولا ينقص ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « إن صدق الرجل دخل الجنة " . وعن طلحة بن عبيد الله قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس ، يسمع دوي صوته ولا يفهم ما يقول ، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمس صلوات في اليوم والليلة " قال : هل عليّ غيرهنّ ؟ قال : " لا إلاّ أن تتطوع " قال صلى الله عليه وسلم " وصيام شهر رمضان " قال : هل عليّ غيره ؟ قال : " لا ، إلاّ أن تتطوع " وذكر له عليه الصلاة والسلام الزكاة ، قال : هل عليّ غيرها ؟ قال : " لا ، إلاّ أن تتطوع " فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفلح إن صدق " . عن محمد بن يحيى بن حيان عن ابن جرير " أن رجلا من بني كنانة يدعى المحدجي كان يسمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول : الوتر واجب ، قال المحدجي : فرحت إلى عبادة بن الصامت واعترضت له وهو رايح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد ، فقال عبادة : كذب أبو محمد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد ، من جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ استخفافاً بحقهنّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند الله عهد إن شاء عذّبه الله وإن شاء أدخله الجنة " . وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قال : " ليس الوتر بحتم لأنه لا تكبير به ولكنه سنّة سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدليل على أنّ الوتر ليس بواجب ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته " ، وعن نافع أيضاً أن ابن عمر كان يوتر على بعيره ، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، وأجمع الفقهاء على أن الصلاة المكتوبة على الراحلة في حال الأمن لا تجوز . { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } أي مطيعين ، قاله الشعبي وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاووس وابن عباس برواية عكرمة وعطية وابن أبي طلحة ، قال الضحّاك ومقاتل والكلبي : " لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين ، فقوموا أنتم في صلواتكم لله مطيعين ، ودليل هذا التأويل ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كل قنوت في الظهرين هو الطاعة " . وقال بعضهم : القنوت : السكوت [ عمّا ] لا يجوز التكلم به في الصلاة ، قال زيد بن أرقم : كنّا نتكلّم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ويكلّم أحدنا مَنْ إلى جانبه ، ويدخل الداخل فيسلّم فيردون عليه ، ويسألهم : كم صلّيتم ؟ فيردّون عليه مخبرين كم صلوا ، ويجيء خادم الرجل وهو في الصلاة فيكلّمه بحاجته كفعل أهل الكتاب ، فكنّا كذلك إلى أن نزلت { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام . مجاهد : خاشعين ، قال : ومن القنوت طول الركوع وغضّ البصر والركود وخفض الجناح ، كان العلماء إذا قام أحدهم يصلّي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلّب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدّث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلاّ ناسياً . الحسن والربيع : قياماً في الصلاة ، يدلّ عليه حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أيّ الصلاة أفضل ؟ فقال : طول القنوت " . وقال ابن عباس في رواية رجاء : داعين في صلاتهم ، دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت على رجل وذكر أن أي دعاء عليهم [ قد ] قيل : مصلّين دليله قوله تعالى { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱللَّيْلِ } [ الزمر : 9 ] أي مصلِّ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم " أي المصلي الصائم { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً } أي رجّالة ، ويقال : راجل ورجال مثل صاحب وصحاب وصائم وصيام وقائم وقيام ، قال الله تعالى { يَأْتُوكَ رِجَالاً } [ الحج : 27 ] قال الأخطل : @ وبنو غدانة شاخص أبصارهم يمشون تحت بطونهنّ رجالا @@ يروى أنهم أحنوا مأسورين وأبصارهم شاخصة إلى ولْدهم { أَوْ رُكْبَاناً } على دوابّهم ، وهو جمع راكب ، قال المفضل : لا يقال راكب إلاّ لصاحب الجمل ، فأمّا صاحب الفرس فيقال له فارس ، ولراكب الحمار الحمّار ، ولراكب البغال بغّال ، ونصبت على الحال ، أي فصلّوا رجالا أو ركباناً . ومعنى الآية : فإن لم يمكنكم أن تصلّوا قانتين موفين الصلاة حقّها لخوف فصلّوا رجالا أي مشاة على أرجلكم ، أو ركباناً على ظهور دوابّكم ، فإن ذلك يجزيكم . قال المفسرون : هذا في المسابقة والمطاردة ، يصلّي حيث يولي وجهه ، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها ، راكباً أو راجلا ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، يومئ إيماء ، وهذه صلاة شدّة خوف ، والصلاة في حال الخوف على ضربين ، وسنذكرها في سورة النساء ، وصلاة شدّة الخوف وهي هذه ، والخوف الذي يجوز للمصلّي أن يصلي من أجله راكباً أو [ راجلا ] وحيث ما كان وجهته هو المحاربة والمسابقة في قتال من أُسر بقتال من عدوّ أو محارب أو خوف سبع هائج ، أو جمل صائل ، أو سيل سائل ، أو كان الأغلب من شأنه الهلاك ، وإن صلّى صلاة الأمن فله أن يصلي صلاة شدة الخوف وهي ركعتان ، فإن صلاّها ركعة واحدة جاز لما روى مجاهد عن ابن عباس قال : فرض الله عزّ وجلّ الصلاة على لسان نبيّكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة . وقال سعيد بن جبير : إذا كنت في القتال ، والتقى الزحفان ، وضرب الناس بعضهم بعضاً فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، واذكر الله ، فتلك صلاتك . قال الزهري : فإن لم يستطع فلا يدع ذكرها في نفسه . { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } أي فصلوا الصلوات الخمس تامّة لحقوقها { كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ * وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } يا معشر الرجال { وَيَذَرُونَ } ويتركون { أَزْوَاجاً } زوجات . قال الكسائي : أكثر ما تقول العرب للمرأة زوجة ، ولكن في القرآن زوج { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ } قرأ الحسن وأبو عمرو وأبو عامر والأعمش وحمزة ( وصيّة ) بالنصب على معنى فليوصوا وصية ، وقرأ الباقون بالرفع على معنى كُتب عليهم الوصية ، وقيل : معناه لأزواجهم وصية ، وقيل : ولتكن وصية ، ودليل هذه القراءة قراءة عبد الله : كُتبت عليهم وصية لأزواجهم . وقرأ أُبي : ويذرون أزواجاً متاع لأزواجهم ، قال أبو عبيد : ومع هذا رأينا هذا المعنى كلّها في القرآن رفعاً مثل قوله { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ، { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ } ونحوهما . { مَّتَاعاً } نصب على المصدر أي متّعوهنّ متاعاً ، وقيل : جعل الله عزّ وجلّ ذلك لهنّ متاعاً ، وقيل : نصب على الحال ، وقيل : نصب بالوصية كقوله { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [ البلد : 14 - 15 ] . والمتاع : النفقة سنة لطعامها وكسوتها أو سكناها أو ما تحتاج إليه { إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } نصب على الحال ، وقيل : بنزع حرف الصفة أي من غير إخراج . فأما تفسير الآية وحكمها ، فقال ابن عباس وسائر المفسرين : نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف يقال له : حكيم بن الحرث هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته فمات ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته غير أنّه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا ، وذلك أن الرجل كان إذا مات وترك امرأة اعتدّت سنة في بيت زوجها لا تخرج ، فإذا كان الحول خرجت ورمت كلباً ببعرة تعني بذلك أن قعودها بعد زوجها أهون عليها من بعرة رُمي بها كلب ، وقد ذكر ذلك الشعراء في شعرهم ، قال لبيد : @ والمرملات إذا تطاول عامها @@ وكان سكناها ونفقتها واجبة في مال زوجها هذه السنة ما لم تخرج ، وكان ذلك حظّها من تركة زوجها ، ولم يكن لها الميراث ، وإنْ خرجت من بيت زوجها فلا نفقة لها ، وكان الرجل يوصي بذلك ، وكان كذلك حتى نزلت آية المواريث فنسخ الله نفقة الحول بالربع والثمن ، ونسخ عدة الحول بقوله { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } قال الله تعالى { فَإِنْ خَرَجْنَ } يعني من قبل أنفسهنّ قبل الحول من غير إخراج الورثة { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يا أولياء الميت { فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } يعني التشوق للنكاح ، وفي معنى رفع الجناح عن الرجال بفعل النساء وجهان : أحدهما : لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهنّ إذا خرجن قبل انقضاء الحول . والوجه الآخر : لا جناح عليكم في ترك منعهنّ من الخروج لأن مقامها حولا في بيت زوجها غير واجب عليها ، خيّرها الله في ذلك إلى أن نسخت أربعة أشهر وعشراً ، لأن ذلك لو كان واجباً عليها ما كان على أولياء الزوج منعها من ذلك ، فرفع الله الجناح عنهم وعنها ، وأباح لها الخروج إن شاءت ، ثم نسخ النفقة بالميراث ، ومقام السنة بأربعة أشهر وعشراً { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } قد ذكرنا حكم المتعة بالاستقصاء ، فأغنى عن إعادته ، وإنّما أعاد ذكرها ههنا لِما فيها من زيادة المعنى على ما سواها وهي أنّ فيما سوى هذا بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت ، وههنا بيان حكم جميع المطلقات في المتعة . وقال ابن زيد : نزلت هذه الآية لأنّ الله تعالى لما أنزل قوله { وَمَتِّعُوهُنَّ } إلى قوله { عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } قال رجل من المسلمين : إن أحسنتُ فعلتُ وإن لم أُردْ ذلك لم أفعل ، قال الله تعالى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } يعني المؤمنين المتقين الشرك ، فبيّن أنّ لكل مطلقة متاعاً وقد ذكرنا الخلاف فيها ، وروى أياس بن عامر عن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) قال : لكل مؤمنة مطلقة حرّة أو أمة متعة وتلا قوله { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ } الآية . { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } .