Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-245)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } الآية ، قال أكثر المفسّرين : كانت قرية يقال لها داوردان قِبلَ واسط وقع بها الطاعون ، فخرجت طائفة هاربين من الطاعون ، وبقيت طائفة فهلك أكثر من بقي في القرية ، وسلم الذين خرجوا ، فلمّا ارتفع الطاعون رجعوا سالمين ، فقال الذين بقوا : أصحابنا كانوا أحزم منا ، لو صنعنا كما صنعوا لبقينا ، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجنّ إلى أرض نأوي بها ، فوقع الطاعون من قابل ؛ فهرب عامّة أهلها فخرجوا حتى نزلوا وادياً أفيح ، فلمّا نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة والحياة ناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه أن موتوا فماتوا جميعاً . وعن الأصمعي قال : لما وقع الطاعون بالبصرة خرج رجل من أهلها عنها على حمار ومعه أهله وولده وخلفه عبد حبشي يسوق حماره ، فطفق العبد يرتجز وهو يقول : @ لن نسبق الله على حمار ولا على ذي منعة مُطار قد يصبح الله أمام الساري @@ فرجع الرجل بعياله لمّا سمع قوله ، وروى عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فراراً منه " . وقال الضحّاك ومقاتل والكلبي : إنما فرّوا من الجهاد وذلك أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوّهم ، فخرجوا فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت واعتلّوا ، وقالوا لملكهم : إن الأرض التي نأتيها فيها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منها الوباء ، فأرسل الله تعالى عليهم الموت ، فلمّا رأوا أن الموت كثر فيهم خرجوا { مِن دِيَارِهِمْ } فراراً من الموت ، فلمّا رأى الملك ذلك قال : اللهم رب يعقوب وإله موسى قد ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك ، فلمّا خرجوا قال لهم الله : موتوا ، عقوبة لهم ، فماتوا جميعاً ، وماتت دوابهم كموت رجل واحد ، فأتى عليهم ثمانية أيام حتى انتفخوا وأروّحت أجسادهم ، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها . واختلفوا في مبلغ عددهم ، فقال عطاء الخراساني : كانوا ثلاثة آلاف ، ابن عباس ووهب : أربعة آلاف ، مقاتل والكلبي : ثمانية آلاف ، أبو روق : عشرة آلاف ، أبو مالك : ثلاثون ألفاً ، الواقدي بضعة ومائتين ألفاً ، ابن جريج : أربعين ألفاً ، عطاء بن أبي رياح : سبعين ألفاً ، الضحّاك : كانوا عدداً كبيراً ، وأَولى الأقاويل بالصواب قول من قال : زادوا على عشرة آلاف ، وذلك أنّ الله تعالى قال { وَهُمْ أُلُوفٌ } وما دون العشرة لا يقال ألوف ، إنّما يقال : ثلاثة آلاف فصاعداً إلى عشرة آلاف ، فمن الألوف جمع الكثير وجمعه القليل آلاف ، مثل يوم وأيام ، ووقت وأوقات ، وألف على وزن أفعل . [ وقيل : ] كانوا ثلاثة آلاف [ وكيسة ] اليمان أعجمي من بني الفداحم . قالوا : فأتى على ذلك مدة وقد بليت أجسادهم وعريت عظامهم وتقطّعت أوصالهم ، فمرّ عليهم نبي يقال له حزقيل بن بوري ثارم أحد خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ، وذلك بأنّ القيّم بأمر بني إسرائيل كان بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون ، ثم كالب بن يوفنا ، ثم حزقيل ، وكان يقال له ابن العجوز وذلك أنّ أمه كانت عجوزاً فسألت الله تعالى الولد ، وقد كبرت وعقمت فوهبه الله لها فلذلك قيل له : ابن العجوز . قال الحسن ومقاتل : هو ذو الكفل لأنّه تكفل سبعين نبيّاً وأنجاهم من القتل ، وقال لهم : اذهبوا فإني إنْ قُتلت كان خيراً من أن تقتلوا جميعاً ، فلمّا جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين ، قال : إنهم ذهبوا ولا أدري أين هم ، ومنع الله ذا الكفل من اليهود ، فلمّا مرّ حزقيل على أُولئك الموتى وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم متعجباً منهم ، فأوحى الله إليه : يا حزقيل تريد أن أريك آية ، فأريك كيف أحيي الموتى ؟ قال : نعم ، فأحياهم الله . هذا قول السدي وجماعة من المفسّرين . وقال هلال بن يساف وجماعة من العلماء : بل دعا حزقيل ربّه أن يحييهم ، فقال : ياربّ لو شئت أحييت هؤلاء فعمّروا بلادك وعبدوك ، فقال الله : أتحب أن أفعل ؟ قال : نعم ، فأحياهم . وقال عطاء ومقاتل والكلبي : بل هم كانوا قوم حزقيل أحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيام ، وذلك أنّهم لما أصابهم ذلك خرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى وبكى وقال : ياربّ كنت في قوم يحمدونك ويسبحونك ويقدّسونك ويهللونك ويكبّرونك ؛ فبقيت وحيداً لا قوم لي ، فأوحى الله إليه : إني قد جعلت حياتهم إليك ، فقال حزقيل : احيوا بأمر الله ، فعاشوا . وقال : وثمّت أصابهم بلاء وشدّة من الزمان فشكوا ما أصابهم وقالوا : ما لبثنا ، متنا واسترحنا مما نحن فيه ؛ فأوحى الله تعالى إلى حزقيل : إن قومك قد صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودّوا لو ماتوا واستراحوا وأي راحة لهم في الموت ، أيظنون أنّي لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت ، فانطلقْ إلى جبّانة كذا فإن فيها قوماً أمواتاً ، فأتاهم فقال الله : يا حزقيل قم فنادهم ، وكانت أجسادهم وعظامهم قد تفرّقت ، فنادى حزقيل : أيتها العظام إنّ الله يأمركِ أن تكتسي باللحم ، فاكتست جميعاً باللحم ، وبعد اللحم جلداً ودماً وعصباً وعروقاً وكانت أجساداً ، ثم نادى أيّتها الأرواح إنّ الله يأمرك أن تعودي في أجسادك ، فقاموا جميعاً وعليهم ثيابهم التي ماتوا فيها ، وكبّروا تكبيرة واحدة . وروى المنصور بن المعتمر عن مجاهد أنهم قالوا حين أُحيوا : سبحانك ربّنا وبحمدك ، لا إله إلاّ أنت ، فرجعوا إلى قومهم بعد ما أحياهم الله ، وتناسلوا وعاشوا دهراً يعرفون أنهم كانوا موتى ، سحنة الموت على وجوههم ، لا يلبسون ثوباً إلاّ عاد دسماً مثل الكفن حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت عليهم . قال ابن عباس : فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح . قال قتادة : مقتهم الله تعالى على فرارهم من الموت ، فأماتهم [ عقربة ] ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها ، ولو كان آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم ، فذلك قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } ألمْ ترَ أي ألمْ تُخبر ، ألمْ تعلم بإعلامي إيّاك وهو رؤية القلب لا رؤية العين ؛ فصار تصديق أخبار الله عزّ وجلّ كالنظر إليه عياناً . وقال أهل المعاني : هو تعجب وتعظيم يقول : هل رأيت مثلهم كما تقول : ألمْ ترَ إلى ما يصنع فلان ؟ وكلّ لم في القرآن من قوله { أَلَمْ تَرَ } ولم يعاينه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا وجهه ومعناه ، وقرأها كلّها أبو عبد الرحمن السلمي { أَلَمْ تَرَ } بسكون الراء وهي لغة قسم من العرب لمّا حذفوا الياء للجزم توهّموا أن الراء آخر الكلمة فسكّنوها ، وأنشد الفراء : @ قالت سليمى سرْ لنا دقيقا @@ إلى الذين خرجوا من ديارهم { وَهُمْ } واو الحال { أُلُوفٌ } جمع ألف ، وقال ابن زيد : مؤتلف قلوبهم جعله جمع ألف مثل جالس وجلوس وقاعد وقعود { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } أي من خوف الموت { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } أمر تحويل كقوله { كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } . { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } من بعد موتهم { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } إلى { يَشْكُرُونَ } ثم حثّهم على الجهاد فقال : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } طاعة الله ، أعداءَ الله { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } قال أكثر المفسّرين : هذا للذين أُحيوا ، قال الضحّاك : أُمروا أن يقاتلوا في سبيل الله فخرجوا من ديارهم فراراً من الجهاد ؛ فأماتهم الله عزّ وجلّ ثم أحياهم ثم أمرهم أن يعودوا إلى الجهاد ، وقال بعضهم : هذا الخطاب لأُمّة محمد صلى الله عليه وسلم . { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } الآية ، قال سفيان : " لمّا نزلت { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم " رب زد أُمتي " فنزلت { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ } الآية ، فقال : " زد أُمتي " فنزلت { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] " . واختلف العلماء في معنى هذا القرض ، فقال الأخفش : قوله { يُقْرِضُ } ليس لحاجة بالله ولكن تقول العرب : لك عندي قرض صدق وقرض سوء لأمر يأتي فيه مسرّته أو مساءته . وقال الزجاج : القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيّىء ، قال أُمية بن أبي الصلت : @ لا تخلطنّ خبيثات بطيّبة واخلع ثيابك منها وأنج عريانا كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو سيّئاً أو مديناً مثل ما دانا @@ وأنشد الكسائي : @ تجازى القروض بأمثالها فبالخير خيراً وبالشرّ شرّا @@ وقال أيضاً : ما أسلفت من عمل صالح أو سيّىء . ابن كيسان : القرض أن تعطي شيئاً ليرجع إليك مثله ويقضى شبهه ؛ فشبّه الله عمل المؤمنين لله على ما يرجون من ثوابه بالقرض ؛ لأنّهم إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما عند الله عزّ وجلّ من جزيل الثواب ، فالقرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه ، قال لبيد : @ وإذا جوزيت قرضاً فاجز به إنما يجزى الفتى ليس الجمل @@ قال بعض أهل المعاني : في الآية اختصار وإضمار ، مجازها : من ذا الذي يقرض عباد الله [ قرضاً ] كقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ الأحزاب : 57 ] وقوله { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] فأضافه سبحانه ههنا إلى نفسه للتفضيل وللاستعطاف ، كما في الحديث : " إن الله تعالى يقول لعبده : استطعمتك فلم تطعمني ، واستسقيتك فلم تسقني ، واستكسيتك فلم تكسني ، فيقول العبد : وكيف ذلك يا سيدي ؟ يقول : مرّ بك فلان الجائع ، وفلان العاري فلم [ تعطف ] عليه من فضلك ، فلأمنعنّك اليوم من فضلي كما منعته " . وقال أهل الإشارة : أمر الله تعالى بالصدقة على لفظ القرض إظهاراً لمحبّته لعباده المؤمنين ، وذلك أنه إنما يستقرض من الأحبّة ، ولذلك قال يحيى بن معاذ : عجبت ممن يبقى له مال ورب العرش يستقرضه ، وقال بعضهم : هذا [ تلطف ] من الله تعالى في المواساة والإقراض لعباده . أبوالقاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت على باب الجنة مكتوباً : والقرض بثمانية عشر ، والصدقة بعشر فقلت : يا جبرئيل ما بال القرض أعظم أجراً ؟ قال : لأن صاحب القرض لا يأتيك إلاّ محتاجاً ، وربّما وقعت الصدقة في غير أهلها " . أبو سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أقرض أخاه المسلم فله بكل درهم وزن أُحد وثبير وطور سيناء حسنات " . فمعنى الآية : مَنْ هذا الذي ( من ) استفهام ومحلّه رفع بالإبتداء و ( الذي ) خبره ( يقرض الله ) ينفق في طاعة الله ، وأصل القرض القطع ، ومنه قرض الفأر الثوب وسُمّي الشعر قريضاً لأنّه يقطعه من كلامه ، والدَّين قرضاً لأنّه يقطعه من ماله . { قَرْضاً حَسَناً } قال علي بن الحسين الواقدي يعني محتسباً ، طيّبة به نفسه . ابن المبارك : هو أن يكون المال من الحلال . عمر بن عثمان الصدفي : هو أن لا يمنّ به ولا يؤذي . سهل بن عبد الله : هو أن لا يعتقد بقرضه عوضاً { فَيُضَاعِفَهُ } يزيده { لَهُ } واختلف القرّاء فيه ، فقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وأبو حاتم { فَيُضَاعِفَهُ } نصباً بالألف ، وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد والنصب وبالألف ، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد والرفع ، وقرأ الآخرون بالألف والتخفيف ورفع الفاء ، فمن رفع جعله نسقاً على قوله { يُقْرِضُ } ، وقيل : فهو يضاعفه ، ومَنْ نصبه جعله جواباً للإستفهام بالفاء ، وقيل : بإضمار أنْ والتشديد والتخفيف لغتان ، ودليل التشديد قوله { أَضْعَافاً كَثِيرَةً } لأنّ التشديد للتكثير . قال الحسن والسدي : هذا التضعيف لا يعلمه إلاّ الله مثل قوله { وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 40 ] وقال أبو هريرة : هذا في نفقة الجهاد ، قال : وكنّا نحسب ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره ألفي ألف . { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ } يعني يمسك الرزق عمّن يشاء ويقتر ويضيق عليه ، دليله قوله { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] أي يمسكونها عن النفقة في سبيل الله { وَيَبْسُطُ } أي يوسع الرزق على من يشاء ، نظيره قوله { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ } [ الشورى : 27 ] الآية ، والأصل في هذا قبض اليد عند البخل وبسطها عند البذل . وقيل : هو الإحياء والإماتة فمن أماته فقد قبضه ومن مدّ له في عمره فقد بسط له ، وقيل : والله يقبض الصدقة ويبسط بالخلف ، وروى اليزيدي عن عمرو قال : بالصاد في بعض الروايات ، وعن بعضهم كأنّه قال : هذا في القلوب ، لمّا أمرهم الله بالصدقة أخبرهم أنه لا يمكنهم ذلك إلاّ بتوفيقه ، والله يقبض ويبسط يعني يقبض على القلوب فيزويه كيلا ينبسط لخير ويبسط بعضها فيقدّم لنفسه خيراً . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يعني وإلى الله تعودون فيحسن لكم بأعمالكم ، وقال قتادة : الهاء راجعة إلى التراب كناية عن غير مذكور أي من التراب خلقهم وإليه يعودون ، وعن ابن مسعود وأبي أمامة وزيد بن أسلم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : نزلت { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } الآية ، فلمّا نزلت قال أبو الدحداح : " فداك أبي وأمي يا رسول الله ، إنّ الله يستقرض وهو غنيّ عن القرض ، قال : " نعم ، يريد أن يدخلكم الجنة " قال : فإنّي إن أقرضت ربي قرضاً تضمن لي الجنة ؟ قال : " نعم ، من تصدّق بصدقة فله مثلها في الجنّة " ، قال : فزوجي أم الدحداح معي ؟ قال : نعم قال ( وصبيان ) الدحداح معي ؟ قال : نعم ، قال : ناولني يدك فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال : إنّ لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية ، والله لا أملك غيرهما وجعلتهما قرضاً لله عزّ وجلّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إجعل إحداهما لله عزّ وجلّ والأخرى معيشة لك ولعيالك " قال : فاشهدك يا رسول الله أني جعلت غيرهما لله تعالى وهو حائط فيه ستمائة نخلة ، قال : " يجزيك الله إذاً به بالجنة " . فانطلق أبو الدحداح حتى أتى أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول : * هداك ربي سُبُلَ الرشادِ * إلى سبيل الخير والسدادِ * * قرضي من الحائط لي بالواد * فقد مضى قرضاً إلى التناد * * أقرضته الله على اعتماد * بالطوع لا منّ ولا ارتداد * * إلاّ رجاء الضعف في المعاد * فارتحلي بالنفس والأولاد * * والبرّ لاشك فخير زاد * قدّمه المرؤ إلى المعاد * قالت أم الدحداح : ربح بيعك ، بارك الله لك فيما اشتريت ، فأنشأ أبو الدحداح يقول : * مثلك أجدى ما لديه ونصح * إن لك الحظ إذا الحق وضح * * قد متّع الله عيالي ومنح * بالعجوة السوداء والزهو البلح * * والعبد يسعى وله ما قد كدح * طول [ الليالي ] وعليه ما اجترح * ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق رداح ، ودار فياح في الجنة لأبي الدحداح "