Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 246-246)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } والملأ من القوم وجوههم وأشرافهم ، وأصل الملأ الجماعة من الناس ، لا واحد له من لفظ مثل الإبل والخيل والجيش ، ولكن جمعه أملاء ، قال الشاعر : @ [ وسط ] الأملاء وافتتح الدعاءا لعلّ الله يكشف ذا البلاءا @@ { مِن بَعْدِ مُوسَىۤ } أي من بعد موت موسى { إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ } اختلفوا في ذلك النبي من هو ، فقال قتادة : هو يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وقال السدّي : اسمه شمعون ، وإنّما سمّي شمعون لأنّ أمّه دعت الله أن يرزقها غلاماً ؛ فاستجاب الله دعاءها فولدت غلاماً فسمّته شمعون تقول : سمع الله دعائي والسين يصير شيناً بلغة العبرانية ، وهو شمعون بن صفية بن علقمة بن أبي ياسف بن قارون بن نصهر بن فاحث بن لاوي بن يعقوب . وقال سائر المفسّرين : هو إشمويل ، وهو بالعربية إسماعيل بن نالي بن علقمة بن حازم بن الهر بن عرصوف بن علقمة بن فاحث بن عموصا بن عرزيا ، وقال مقاتل : هو من نسل هارون عليه السلام . مجاهد : هو اسمويل بن هلفانا ولم ينسبه أكثر من ذلك . قال وهب وابن إسحاق والسدي والكلبي وغيرهم : كان سبب مقاتلتهم إيّاه ذلك أنه لما مات موسى عليه السلام خلّف بعده في بني إسرائيل يوشع ، يقيم فيهم التوراة وأمْر الله حتى قبضه الله ، ثم خلف فيهم كالب يقيم فيهم التوراة وأمْر الله تعالى حتى قبضه الله تعالى ، ثم خلف فيهم حزقيل كذلك ، ثم إن الله تعالى قبض حزقيل ، وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان ، فبعث الله تعالى إليهم إلياس نبيّاً ، فجعل يدعوهم إلى الله ، وإنّما كانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون إليهم لتجديد ما نسوا من التوراة . ثم خلّف بعد إلياس اليسع وكان فيهم ما شاء الله أن يكون ، ثم قبضه الله إليه ، وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا ، وظهر لهم عدو يقال له البلثانا وهم قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم من مصر وفلسطين ، وهم العمالقة فظهروا على بني إسرائيل وغلبوهم على كثير من أرضهم وسبوا ذراريهم وأسروا من أبنائهم أربعين وأربعمائة غلام وضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا توراتهم ولقي بنو إسرائيل منهم بلاء وشدة ، ولم يكن لهم نبي يدبّر أمرهم ، وكانوا يسألون أن يبعث [ الله ] لهم نبيّاً يقاتلون معه . وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلاّ امرأة حبلى فأخذوها وحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدّله بغلام لما يرى من رغبة بني إسرائيل في ولدها ، فجعلت المرأة تدعو الله عزّ وجلّ أن يرزقها غلاماً ، فولدت غلاماً فسمّته إشمويل تقول سمع الله دعائي ، فكبر الغلام فأسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم وتبنّاه ، فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبياً أتاه جبرائيل عليه السلام والغلام نائم إلى جنب الشيخ ، وكان لا يأتمن عليه أحداً فدعاه بلحن الشيخ : يا إشمويل فقام الغلام فزعاً إلى الشيخ فقال : يا أبتاه دعوتني ، فكره الشيخ أن يقول : لا فيفزع الغلام ، فقال : يا بني ارجع فنم فرجع الغلام فنام ، ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضاً فقال : دعوتني ، فقال : ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني ، فلمّا كانت الثالثة ظهر له جبرائيل عليه السلام فقال له : اذهب إلى قومك فبلّغهم رسالة ربك فإنّ الله قد بعثك فيهم نبياً ، فلما أتاهم كذّبوه وقالوا استعجلت النبوة ولم يأن لك . وقالوا : إن كنت صادقاً { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } آيةً من نبوتك ، وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالإجتماع على الملوك ، وطاعة الملوك أنبياءهم ، وكان الملك هو الذي يسير بالجموع ، والنبي يقيم له أمره ويشير عليه ، يرشده ويأتيه بالخبر من ربه عزّ وجلّ . وقال وهب : بعث الله تعالى إشمويل نبيّاً فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ، ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان فقالوا لأشمويل { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي يقاتل ، بالياء جعل الفعل للملك وهو جزم على جواب الأمر ، فلمّا قالوا له ذلك قال لهم : { قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } هل عسيتم استفهام [ منك ] يقول لعلكم ، وقرأ نافع والحسن : عَسِيتم بكسر السين [ في ] كل القرآن ، وهي لغة ، وقرأ الباقون بالفتح وهي اللغة الفصيحة ، قال أبو عبد الرحمن : لو جاز عسيتم لقرئ عسى ربكم إن كتب ، فرض عليكم القتال مع ذلك الملك { أَلاَّ تُقَاتِلُواْ } أن لا تفوا بما تقولون ولا تقاتلوا معه . { قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } إنْ قيل : ما وجه دخول " أن " في هذا الموضع ، والعرب لا تقول : مالك أن لا تفعل ، وإنما يُقال : مالك لا تفعل قيل : دخول أن وحذفها لغتان صحيحتان فصيحتان ، فأما دخول أنّ فكقوله : { مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 32 ] وأما حذفها فكقوله { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [ الحديد : 8 ] . وقال الكسائي : معناه : وما لنا في أن لا نقاتل ، ما لنا وأن لا نقاتل فحذف الواو ، حكاه محمد بن جرير { وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا } وقرأ عبيد بن حميد : قد أَخرجَنا بفتح الهمزة والجيم يعني العدو . ومعنى الكلام : وقد أخرج من كتب عليهم من ديارهم وأبنائهم ، ظاهر الكلام العموم وباطنه الخصوص ، لأنّ الذين قالوا لنبيهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله كانوا في ديارهم وأوطانهم ، وإنما من داره مَنْ أُسر وقُهر منهم . ومعنى الآية : إنهم قالوا مجيبين : إنّا إنما كنّا نزهد في الجهاد إذ كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤنا عدونا ولا يظهر علينا ، فأمّا إذا بلغ ذلك منا ، فلابد من الجهاد فنطيع ربنا في الغزو ونمنع نساءنا وأولادنا . قال الله تعالى { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن الجهاد وضيّعوا أمر الله عزّ وجلّ { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } وفي الكلام حذف معناه : فبعث الله لهم ملكاً وكتب عليهم القتال ، فلمّا كُتب عليهم القتال تولوا إلاّ قليلا منهم وهم الذين عبروا النهر وسنذكرهم في موضعها . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } .