Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 40-48)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } أولاد يعقوب ، ومعنى إسرائيل : صفوة الله ، وإيل هو الله عزّ وجلّ ، وقيل : معناه : عبد الله ، وقيل : سمّي بذلك لأنّ يعقوب وعيصا كانا توأمين واقتتلا في بطن أُمهما ، فأراد يعقوب أن يخرج فمنعه عيص وقال : والله لئن خرجت قبلي لأعترضنّ في بطن أمّي ، فلأقتلنّها ، فتأخّر يعقوب وخرج عيص وأخذ يعقوب يعقب عيص فخرج عيص قبل يعقوب . وسمّي عيص لما عصى فخرج قبل يعقوب ، وكان عيص أحبّهما الى أبيه وكان يعقوب أحبّهما الى أُمة ، وكان عيص ( ويعقوب أبناء ) إسحاق وعميَ ، قال لعيص : يا بنّي أطعمني لحم صيد واقترب مني أُدعُ لك بدعاء دعا لي به أبي ، وكان عيص رجلا أشعر وكان ( يعقوب ) رجلاً أمرد ، فخرج عيص بطلب الصيد ، فقالت أُمّه ليعقوب : يا بنّي إذهب الى الغنم فاذبح منه شاةً ثمّ اشوه والبس جلدها وقدمها الى أبيك فقل له : أنّك عيص ، ففعل ذلك يعقوب ، فلمّا جاء قال : يا أبتاه كل ، قال : من أنت ، قال : ابنك عيص ( قال : خمسه فقال : المس مسّ عيص والريح ريحة يعقوب ، قالت أُمه : هو ابنك ، فادع له ، قال : قدم طعامك فقدّمه فأكل منه ، ثم قال : أُدن مني ، فدنا منه ، فدعا له أن يجعل في ذريته الأنبياء والملوك . وقام يعقوب وجاء عيص فقال : قد جئتك بالصيد الذي أمرتني به . فقال : يا بني قد سبقك أخوك يعقوب ، فغضب عيص وقال : والله لأقتلنه ، قال : يا بني قد بقيت لك دعوة ، فهلم أدع لك بها ، فدعا له فقال : تكون ذريتك عدداً كثيراً كالتراب ولا يملكهم أحد غيرهم … ) . { ٱذْكُرُواْ } … روى الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والمحدث بنعمة الله شاكر وتاركها كافر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب " . { نِعْمَتِيَ } أراد نعمي أعطها وهي واحد [ بمعنى الجمع ] وهو قوله تعالى { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] والعدد لا يقع على الواحد . { ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي على أجدادكم ، وذلك أن الله تعالى فلق لهم البحر وأنجاهم من فرعون وأهلك عدوّهم فأورثهم ديارهم وأموالهم ، وظلل عليهم الغمام في التيه من حر الشمس ، وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر ، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى ، وفجّر لهم اثني عشرة عيناً [ وأنزل ] عليهم التوراة فيها بيان كلّ شيء يحتاجون إليه في نعم من الله كثيرة لا تحصى . { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } الذي عهدت اليكم { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أدخلكم الجنّة وأنجز لكم ما وعدتكم . فقرأ الزهري : أوفّ بالتّشديد على التأكيد يقال : وفّى وأوفى كلّها بمعنى [ واحد ] وأصلها الاتمام . قال الكلبي : عهد الى بني إسرائيل على لسان موسى : إنّي باعث من بني إسماعيل نبيّاً أميّاً فمن إتّبعه [ وآمن ] به عفوت عن ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين إثنين ، وهو قوله : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [ آل عمران : 187 ] يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم . قتادة : هو العهد الذي أخذ الله عليهم في قوله : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ المائدة : 70 ] وقوله تعالى : { قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] فهذا قوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } ثم قال : { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } الآية [ المائدة : 12 ] . فهذا قوله { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } . فقال : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } الآية [ البقرة : 83 ] . الحسن : هو قوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } [ البقرة : 63 ] الآية . إسماعيل بن زياد : ولا تفرّوا من الزحف أدخلكم الجنة ، دليله قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } [ الأحزاب : 15 ] . وقيل : أوفوا بشرط العبوديّة ، أوفِ بشرط الربوبيّة . وقال أهل الاشارة : أوفوا في دار محنتي على بساط خدمتي ، [ أوفِ عهدكم ] في دار نعمتي على بساط كرامتي بقربي ورؤيتي . { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } فخافوني في نقض العهد [ وسقطت الياء بعد النون في ] هذه الآيات وفي كلّ القرآن على الأصل ، وحذفها الباقون على الخط إتّباعاً للمصحف . { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً } موافقاً { لِّمَا مَعَكُمْ } يعني التوراة في التوحيد والنبّوة والأخبار ، وبعض الشرائع نزلت في كعب وأصحابه من علماء اليهود ورؤسائهم . { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } يعني أوّل من يكفر بالقرآن وقد بايعتنا اليهود على ذلك فتبوءوا بآثامكم وآثامهم . { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي } أي ببيان صفة محمد ونعته . { ثَمَناً قَلِيلاً } شيئاً يسيراً ، وذلك أنّ رؤساء اليهود كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وعوامّهم يأخذون منهم شيئاً معلوماً كلّ عام من زروعهم [ فخافوا أن تبينوا ] صفة محمد صلى الله عليه وسلم وبايعوه أن تفوتهم تلك المآكل والرّياسة ، فاختاروا الدنيا على الآخرة . { وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ } فاخشوني في أمر محمد لا فيما يفوتكم من الرياسة والمأكل . { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ } ولا تخلطوا ، يقال : [ لبست عليهم الأمر ألبسه لبساً إذا خلطته عليهم ] أي خلطت وشبهت الحقّ الذي أنزل اليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم . { بِٱلْبَاطِلِ } ، الذي تكتمونه ، وهو تجدونه في كتبكم من نعته وصفته . وقال مقاتل : إنّ اليهود أقرّوا ببعض صفه محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضاً واختلفوا في ذلك ، فقال الله عز وجل : { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ } الذي تقرّون به وتبيّنونه بالباطل ، يعني بما تكتمونه ، فالحق بيانهم والباطل كتمانهم . وقيل : معناه ولا تلبسوا الحقّ [ … من الباطل ] صفة أو حال . { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } يعني ولا تكتموا الحق كقوله تعالى : { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ } [ الأنفال : 27 ] . { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } إنّه نبيٌّ مرسل . { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني وحافظوا على الصلوات الخمس بمواقيتها [ وأركانها ] وركوعها وسجودها . { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } يعني وأدّوا زكاة أموالكم المفروضة ، وأصل الزكاة : الطهارة والنّماء والزيادة . { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } يعني وصلّوا مع المصلين محمّد وأصحابه ، يخاطب اليهود فعبّر بالركوع عن الصلاة إذ كان ركناً من أركانها كما عبّر باليد عن العطاء كقوله : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 181 ] وقوله : { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] وبالعنق عن البدن في قوله : { أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] والأنف عن [ … ] . [ { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ } الطاعة والعمل الصالح ، { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } تتركون { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } توبيخ عظيم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم ] . { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } … { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } [ عليهما ولكنه كنّى عن الأغلب وهو الصلاة كقوله ] : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 34 ] وقوله : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] فرد الكناية إلى الفضة لأنها الأغلب والأعم وإلى التجارة لأنها الأفضل والأهم … { وَإِنَّهَا } واحد منهما ، أراد بأن كل خصلة منهما { لَكَبِيرَةٌ } وقيل : رد الكناية إلى كل واحد منهما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] ولم يقل : آيتين ، أراد : جعلنا كل واحد منهما آية . @ حسن من علم يزينه حلم ومن ناله قد فاز بالفرج @@ أي من نال كل واحد منهما . وقال آخر : @ لكل همّ من الهموم سَعة والمسى والصبح لا فلاح معه @@ وقيل : ردّ الهاء الى الصلاة لأنّ الصبر داخل في الصلاة كقوله : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] ولم يقل يرضوهما ؛ لأنّ رضا الرسول داخل في رضا الله ، فردّ الكناية إلى الله . وقال الشاعر وهو حسّان : @ إنّ شرخ الشباب والشعر الأس ود ما لم يُعاص كان جنونا @@ ولم يقل يُعاصَيا ردّه إلى الشباب ، لأن الشعر الأسود داخل فيه . وقال الحسين بن الفضل : ردّ الكناية إلى الاستعانة ، معناه : وأن الإستعانة بالصبر والصلاة لكبيرة ثقيلة شديدة { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } يعني المؤمنين ، وقال ابن عباس : يعني المصلّين . الوراق : العابدين المطيعين . مقاتل بن حيان : المتواضعين ، الحسن : الخائفين . قال الزجاج : الخاشع الذي يُرى أثر الذل والخنوع عليه ، وكخشوع الدار بعد الاقواء ، هذا هو الأصل . وقال النابغة : @ رماد ككحل العين ما أن تبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع @@ { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } يعلمون ويستيقنون ، كقوله تعالى : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 21 ] أي أيقنت به . وقال دريد بن الصمة : @ فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرّد @@ يعني أيقنوا . والظن من الأضداد يكون شكّاً ويقيناً كالرّجاء يكون أملاً وخوفاً . { أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } معاينوا ربّهم في الآخرة { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فيجزيهم بأعمالهم . { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } يعني عالمي زمانكم . { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } أي واحذروا يوماً واخشوا يوم . { لاَّ تَجْزِي } أي لا تقضي ولا تكفي ولا تغني . ومنه الحديث عن أبي بردة بن ديّان في الأضحية : لا تجزي عن أحد بعدك . وقرأ أبو السماك العدوي : لا تجزي مضمومة التّاء مهموزة الياء من أجزأ يجزي إذا كفي . قال الشاعر : @ وأجزأت أمر العالمين ولم يكن ليجْزي إلاّ كامل وابن كامل @@ وقال الزجاج : وفي الآية إضمار معناه : { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } من الشدائد والمكاره . وأنشد الشاعر : @ ويوم شهدناه سليماً وعامرا @@ أي شهدنا فيه . وقيل : معناه : ولا تغني نفس مؤمنة ولا كافرة عن نفس كافرة . { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } إذا كانت كافرة . قرأ أهل مكّة والبصرة : بالتّاء لتأنيث الشفاعة . وقرأ الباقون : بالياء لتقديم الفعل . وقرأ قتادة : ( ولا يقبل منها شفاعة ) بياء مفتوحة ، ونصب الشفاعة أي لا يقبل الله . { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } فداءاً كانوا يأخذون في الدنيا ، وسمّي الفداء عدلاً لأنّه يعادل المفدّى ويماثله قال الله عزّ وجلّ : { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } [ المائدة : 95 ] . { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي يمنعون من عذاب الله . قال الزجاج : كانت اليهود تزعم أنّ آباءها الأنبياء تشفع لهم عند الله عزّ وجلّ ، فأيأسهم الله من ذلك .