Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-16)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا } : صدّقنا بالله { وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } : أي يوم القيامة . قال الله تعالى : { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } والناس : هم جماعة من الحيوان المتميّز بالصورة الإنسانية ، وهو جمع إنسان ، وإنسان في الأصل إنسيان بالياء ، فأسقطوا الياء منه ونقلوا حركته إلى السين فصار إنساناً ؛ الا ترى إنّك إذا صغرته رددت الياء إليه فقلت : أنيسيان ، واختلف العلماء في تسميته بهذا الاسم : فقال ابن عباس : سمي إنساناً لأنه عُهِدَ إليه فنسي . قال الله تعالى { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] ، وقال الشاعر : @ وسُمّيتَ إنساناً لأنك ناسي @@ وقال بعض أهل المعاني : سُمّي إنساناً لظهوره وقدس البصير أياه من قولك : آنست كذا : أي أبصرت . فقال الله تعالى { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } [ القصص : 29 ] وقيل : لأنه استانس به ، وقيل : لما خلق الله آدم آنسه بزوجته فسمّي إنساناً . { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } : أي يخالفون الله ويُكذّبونه ، وأصل الخدع في اللغة : الإخفاء ، ومنه قيل [ للبيت الذي يُحيا فيه المتاع ] مُخدع ، والمخادع يظهر خلاف ما يُضمر ، وقال بعضهم : أصل الخداع في لغة : الفساد ، قال الشاعر : @ أبيض اللون لذيذٌ طعمه طيّب الرّيق إذا الريق خدع @@ أي فسد . فيكون معناه : ليفسدون بما أضمروا بأنفسهم وبما أضمروا في قلوبهم ، وقيل معناه : يخادعون الله بزعمهم وفي ظنّهم ، يعني إنهم اجترؤوا على الله حتى أنهم ظنّوا أنهم يخادعون ، وهذا كقوله تعالى : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [ طه : 97 ] يعني بظنّك وعلى زعمك . وقيل : معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع فيما بينهم . وقيل : معناه يخادعون رسوله ، كقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] أي أسخطونا ، وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 57 ] أي أولياء الله ؛ لأن الله سبحانه لا يؤذي ولا يخادع ، فبيّن الله تعالى أنّ من آذى نبياً من أنبيائه وولياً من أوليائه استحق العقوبة كما لو آذى رسوله وخادعه . يدل عليه الخبر المروي : إن الله تعالى يقول : من آذى ولياً من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة . وقيل : إنّ ذكر الله سبحانه في قوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } تحسين وتزيين لسامع الكلام ، والمقصد بالمخادعة للذين آمنوا كقوله تعالى : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] . ثم المخادعة على قدر المعاجلة وأكثر المفاضلة إنّما تجيء في الفعل المشترك بين اثنين ، كالمقاتلة والمضاربة والمشاتمة ، وقد يكون أيضاً من واحد كقولك : طارقت النعل ، وعاقبت اللصّ ، وعافاك الله ، قال الله عزّ وجلّ : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] وقال : { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } [ التوبة : 30 ] والمخادعة هاهنا عبارة عن الفعل الذي يختص بالواحد في حين الله تعالى لا يكون منه الخداع . { وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم : آمنا ، وهم غير مؤمنين ، وقال بعضهم : من خداعهم المؤمنين : هو أنّهم كانوا يجالسون المؤمنين ويخالطونهم حتى يأنس بهم المؤمنون ويعدّونهم من أنفسهم فيبثون إليهم أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم . قال الله تعالى : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم } لأن وبال خداعهم راجع إليهم كأنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم ؛ وذلك أنّ الله تعالى لمطلع نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم على أسرارهم ونفاقهم ، فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب الشديد في العقبى . قال أهل الإشارة : إنما يخادع من لا يعرف البواطن ، فأما من عرف البواطن فإنّ مَنْ خادعه فإنما يخدع نفسه . واختلف القرّاء في قوله : { وَمَا يَخْدَعُونَ } فقرأ شيبة ونافع وابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء : { يخادعون } بالألف جعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد ، وقد ذكرنا خبره وتصديقها الحرف الأول ، وقوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } لم يختلفوا فيه إلاّ ما روي عن أبي حمزة الشامي إنه قرأ : ( يخدعون الله ) وقرأ الباقون { وما يخدعون } على أشهر اللغتين وأضبطهما واختاره أبو عبيد . { وَمَا يَشْعُرُونَ } وما يعلمون إنها كذلك . { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } شكّ ونفاق ، ومنه يُقال : فلان يمرض في الوعد إذا لم يُصححّه ، وأصل المرض : الضّعف والفتور . فسمّي الشك في الدّين والنفاق [ مرض به ] يضعف البدن وينقص قواه ؛ ولأنه يؤدي إلى الهلاك بالعذاب ، كما أن المرض في البدن يؤدي إلى الهلاك والموت . { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } شكّاً ونفاقاً وهلاكاً . { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم ، وهو بمعنى مؤلم كقول عمرو بن معدي كرب : @ أمن ريحانة الداعي السميع يؤرّقني وأصحابي هجوع @@ أي المسمع : يعني خيالها . { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } : ( ما ) مصدرية ، أي بتكذيبهم على الله ورسوله في السرّ . وقرأ أهل الكوفة : بفتح الياء وتخفيف الذال ، أي بكذبهم إذ قالوا آمنا وهم غير مؤمنين . { وَإِذَا } : حرف توقيت بمعنى حينئذ ، وهي تؤذن بوقوع الفعل المنتظر وفيها معنى الجزاء ، { قِيلَ } : فعل ماض مجهول ، وكان في الأصل قول مثل قيل ، فآستثقلت الكسرة على الواو فنقلت كسرتها إلى فاء الفعل فانقلبت الواو ياءاً لكسرة ما قبلها ، هذه اللغة العالية وعليها العامة وهي اختيار أبي عبيد . وقرأ الكسائي ويعقوب : قُيل ، وغُيض ، وحُيل ، وسُيق ، وجُيء ، وشُيء وشُيت بإشمام الضمّة فيها لتكون دالة على الواو المنقلبة ، وفاصلة بين الصّدر والمصدر . { لَهُمْ } : يعني المنافقين ، وقيل : اليهود . قال لهم المؤمنون : { لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بالكفر والمعصية وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد والقرآن ، وقال الضحّاك : تبديل الملّة وتغيير السّنة وتحريف كتاب الله . { قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } { أَلاۤ } : كلمة تنبيه { إِنَّهُمْ } : هم عماد وتأكيد { ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } : ما أُعدّ لهم من العذاب . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } يعني : [ قال ] المؤمنون لليهود : { آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ } وهم عبد الله ابن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب . { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ } الجهّال . قال الله : { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } بأنهم كذلك ، وقيل : لا يؤدون العلم حقّه ، وقال المؤرّخ : السفيه : البهّات الكذّاب المتعمّد لخلاف ما يعلم . قُطْرُب : السفيه : العجول الظلوم يعمل خلاف الحق . واختلف القرّاء في قوله : { ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ } فحقّق بعضهم الهمزتين ، وهو مذهب أهل الكوفة ولغة تميم . وأما أبو عمرو وأهل الحجاز فإنّهم همزوا الأولى وليّنوا الثانية ؛ طلباً للخفّة ، واختار الفرّاء حذف الأولى وهمز الثانية ، واحتج بأن ما يستأنف أي بالهمزة مما يسكت عليه . { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . قال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال : كان عبد الله بن أُبيّ بن سلول الخزرجي عظيم المنافقين من رهط سعد بن عبادة ، وكان إذا لقى سعداً قال : نعم الدينُ دين محمد ، وكان إذا رجع إلى رؤساء قومه . قالوا : هل نكفر ؟ قال : سدّوا أيديكم بدين آبائكم . فأنزل الله هذه الآية . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبيّ محتجاً به ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : عبد الله بن أُبيّ لأصحابه : أنظروا كيف أدرأ هؤلاء السُّفهاء عنكم . فذهب وأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحباً بالصّدّيق سيّد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، والباذل نفسه وماله له . ثمَّ أخذ بيد عمر فقال : مرحباً بسيّد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثمَّ أخذ بيد علي فقال : مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيّد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي : كف لله واتق الله ولا تنافق ، فإنّ المنافقين شر خليقة الله ، فقال له عبد الله : مهلا أبا الحسن إليّ تقول هذا ، والله إنّ إيماننا كإيمانكم وتصدّيقنا كتصديقكم ثمَّ افترقوا ، فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلتُ ، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت . فأثنوا عليه خيراً ، وقالوا : لانزال معك ما عشت ، فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك ، فأنزل الله { وَإِذَا لَقُواْ } أي رأوا ، يعني المنافقين عبد الله بن أُبي وأصحابه ، كان ( لَقوا ) في الأصل ( لُقيوا ) فإستثقلت الضمة على الياء فبسطت على القاف وسكنت الواو والياء ساكنة فحذفت لإجتماعهما . وقرأ محمد بن السميقع : وإذا لاقوا وهما بمعنى واحد . { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } : يعني أبا بكر وأصحابه { قَالُوۤا آمَنَّا } كأيمانكم . { وَإِذَا خَلَوْا } رجعوا ، ويجوز أن تكون من الخلوة ، تقول : خلوتُ به وخلوتُ إليه ، وخلوتُ معهُ ، كلها بمعنى واحد . وقال النضر بن شميل : { إِلَىٰ } ها هنا بمعنى ( مع ) كقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } [ البقرة : 187 ] : أي مع نسائكم ، وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] وقوله : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] النابغة : @ ولا تتركنّي بالوعيد كأنني إلى الناس مِطليٌّ به القار أجربُ @@ أي مع الناس . وقال آخر : @ ولوح ذراعين في بركة إلى جؤجؤرهل المنكب @@ أي مع جؤجؤ . { إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } : أي رؤسائهم وكبرائهم وقادتهم وكهنتهم . قال ابن عباس : هم خمسة نفر من اليهود ، ولا يكون كاهن إلاّ ومعه شيطان تابع له : كعب ابن الأشرف بالمدينة ، وأبو بردة في بني أسلم ، وعبد الله في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وعبد الله بن السَّوداء بالشام . والشيطان : المتمرد العاصي من الجن والإنس ، ومن كل شيء ، ومنه قيل : للحيّة النضناض : الشيطان ، قال الله تعالى : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] أي الحيات ، وتقول العرب : إتّق تلك الدابة فإنّها شيطان . وفي الحديث : " إذا مرَّ الرجل بين يدي أحدكم وهو يمتطي فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنّه شيطان " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّه نظر الى رجل يتبع حماماً طائراً فقال : " شيطان يتبع شيطاناً " . أراد الراعي الخبيث الداعي . ويُحكى عن بعضهم إنه قال في تضاعيف كلامه : وكل ذلك حين ركبني شيطان قيل له : وأي الشياطين ركبك ؟ قال : الغضب . وقال أبو النجم : @ إنّي وكل شاعر من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر @@ { قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } أي على دينكم وأنصاركم . { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } بمحمد وأصحابه . { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } أي يجازيهم جزاء استهزائهم ، فسُمّي الجزاء باسم الابتداء إذ كان مثلهُ في الصورة كقوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] فسُمّي جزاء السيئة سيئة . وقال عمرو بن كلثوم : @ ألا لا يجهلنّ أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا @@ وقال آخر : @ نجازيهمُ كيل الصواع بما أتوا ومن يركب ابن العمّ بالظلم يُظلم @@ فسمّى الجزاء ظلماً . وقيل : معناه : الله يوبّخهم ويعرضهم ويُخطّيء فعلهم ؛ لأنّ الاستهزاء والسخرية عند العرب العيب والتجهيل ، كما يُقال : إنّ فلاناً يُستهزأ به منذ اليوم ، أي يُعاب . قال الله { إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } [ النساء : 140 ] أي تُعاب ، وقال أخباراً عن نوح عليه السلام : { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } [ هود : 38 ] . وقال الحسن : معناه : الله يُظهر المؤمنين على نفاقهم . وقال ابن عباس : هو أن الله يُطلع المؤمنين يوم القيامة وهم في الجنة على المنافقين وهم في النار ، فيقولون لهم : أتحبّون أن تدخلوا الجنة ، فيقولون : نعم ؛ فيفتح لهم باب من الجنة ، ويُقال لهم : ادخلوا فيسبحون ويتقلبون في النار ، فإذا انتهوا إلى الباب سُدّ عليهم ، وردّوا إلى النار ويضحك المؤمنون منهم ، فذلك قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } [ المطففين : 29 ] إلى قوله : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [ المطففين : 34 ] . الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤمر بناس من الناس إلى الجنة ، حتى إذا دنوا منها ووجدوا رائحتها ونظروا إلى ما أعدَّ الله فيها لأهلها من الكرامة ، نودوا : أن اصرفوهم عنها . قال : ويرجعون بحسرة وندامة لم يرجع الخلائق بمثلها . فيقولون : يا ربّنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا . فيقول الله جل جلاله : هذه الذي أردت بكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلّوني وكنتم تراؤون الناس بأعمالكم خلاف ما كنتم ترونني من قلوبكم . فاليوم أُذيقكم من عذابي مع ما حرمتكم من ثوابي " . وقيل : هو خذلانه إياهم وحرمانهم التوفيق والهداية . وهو قوله فيما بعد : { وَيَمُدُّهُمْ } يتركهم ، ويمهلهم ويُطيل لهم ، وأصله : الزيادة ، ويُقال : مدّ النهر ، ومدّة : زمن آخر . وقرأ ابن محيصن وشبل : { وَيُمِدُّهُمْ } بضم الياء وكسر الميم وهما لغتان بمعنى واحد ؛ لأنّ المد أكثر ما يأتي في الشر والإمداد في الخير . قال الله عزّ وجلّ في المد : { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } [ مريم : 79 ] ، وقال في الإمداد : { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } [ الإسراء : 6 ] وقال : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } [ المؤمنون : 55 ] ، وقال : { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } [ نوح : 12 ] . { فِي طُغْيَانِهِمْ } كفرهم وضلالتهم وجهالتهم ، وأصل الطغيان : مجاوزة القدر ، يُقال : ميزان فيه طغيان ، أي مجاوزة للقدر في الإستواء . قال الله تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ } [ الحاقة : 11 ] أي جاوز حدّه الذي قدّر له ، وقال لفرعون : { إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 24 ] أي أسرف في الدعوى حينما قال : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] . { يَعْمَهُونَ } يمضون ، يترددون في الضلالة متحيرين . يُقال : عمه يعمه عمهاً وعموهاً ، وعمها فهو عمه ، وعامه : إذا كان جائراً عن الحق . قال رؤبة : @ ومَهْمَه أَطْرَافُهُ في مَهْمَه أعمى الهُدى بالجاهلين العُمَّه @@ { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } : قال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهُدى ، ومعناه : إنهم استبدلوا الكفر على الإيمان ، وإنّما أخرجه بلفظ الشّرى والتجارة توسّعاً ؛ لأن الشرى والتجارة راجعان إلى الإستبدال والإختيار ؛ وذلك أنّ كل واحد من البيعين يختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه ، وقال الشاعر : @ أخذتُ بالجُمَّة رأساً إزْعَرَا وبالثنايا الواضِحات الدُّرْدُرَا وبالطويل العُمْر عمراً جَيدَرا كما اشترى المسلم إذ تنصّرا @@ أي اختار النصرانية على الإسلام . وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق : { ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ } بكسر الواو ؛ لأنّ الجزم يُحرّك الى الكسرة العدوى بفتحها حركة إلى أخف الحركات . { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } : أي فما ربحوا في تجارتهم . تقول العرب : ربح بيعك ، وخسرت صفقتك ، ونام ليلك . أي ربحت وخسرت في بيعك ، ونمت في ليلك . قال الله عزّ وجلّ : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } [ محمد : 21 ] ، وقال : { بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ سبأ : 33 ] . قال الشاعر : @ وأعور من نيهان أمّا نهاره فأعمى وأمّا ليله فبصير @@ وقال آخر : @ حارثُ قد فرّجت عنّي همّي فنام ليلي وتجلّى غمّي @@ وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة : ( فما ربحت تجاراتهم ) بالجمع . { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } : من الضلالة ، وقال : مصيبين في تجاراتهم . قال سفيان الثوري : كلكم تاجر فلينظر امرؤ ما تجارته ؟ قال الله { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } وقال : { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الصف : 10 ] .