Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 115-135)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ } الآية يقول الله سبحانه : وإن يضيّع هؤلاء الذين نصرّف لهم في القرآن الوعيد عهدي ويخالفوا أمري ويتركوا طاعتي فقد فعل ذلك أبوهم آدم ( عليه السلام ) حيث عهدنا إليه أي أمرناه وأوصينا إليه { فَنَسِيَ } فترك الأمر والعهد ، نظيره قوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] أي تركوا أمر الله فتركهم الله في النار . هذا قول أكثر المفسرين . وقال ابن زيد : نسي ما عهد الله إليه في ذلك ، ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له ، وعصى الله الذي كرّمه وشرّفه ، وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم في ذلك القول بالنسيان مأخوذ ، وإن كان هو اليوم عنّا مرفوعاً . { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } قال ابن عباس : حفظاً لما أُمر به ، قتادة ومقاتل : صبراً ، ابن زيد : محافظة على أمر الله وتمسّكاً به ، الضحّاك : صريمة أمر ، عطية : رأياً ، وقيل : جزماً ، ابن كيسان : إصراراً وإضماراً على العود إلى الذنب ثانياً ، وأصل العزم النيّة واعتقاد القلب على الشيء . قال أبو أمامة : لو أنّ أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق الله سبحانه آدم إلى يوم تقوم الساعة ، ووضعت في كفّة ميزان ، ووضع حلم آدم في الكفّة الأُخرى لرجح حلمه بأحلامهم ، وقد قال الله تعالى { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } . { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } أن يسجد له { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } حوّاء { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ } فتتعب ويكون عيشك من كدّ يمينك ، بعرق جبينك . قال سعيد بن جبير : أُهبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فهو شقاؤه الذي قال الله سبحانه ، وكان حقّه أن يقول : فيشقيا ولكن غلب المذكّر رجوعاً به إلى آدم لأنّ تعبه أكثر ، وقيل : لأجل رؤوس الآي . { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا } أي في الجنّة { وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ } قرأ نافع بكسر الألف على الاستئناف ، ومثله روى أبو بكر عن عاصم ، وقرأ الباقون بالفتح نسقاً على قوله { أَلاَّ تَجُوعَ } { لاَ تَظْمَؤُاْ } بعطش فيها { وَلاَ تَضْحَىٰ } تبرز للشمس فيؤذيك حرّها . قال عمر بن أبي ربيعة : @ رأت رجلاً أمّا إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشيّ فيحصر @@ أخبرنا أبو بكر بن عبدوس المزكّى قال : أخبرنا أبو الحسن المحفوظي قال : حدَّثنا عبد الله بن هاشم قال : حدَّثنا عبد الرَّحْمن بن مهدي عن سفيان عن خصيف عن عكرمة : { وَلاَ تَضْحَىٰ } ولا تصيبك الشمس . { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } يعني على شجرة إن أكلت منها بقيت خالداً مخلداً { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } لا يبيد ولا يفنى . { فَأَكَلاَ } يعني آدم وحوّاء { مِنْهَا } أي من شجرة المحنة { فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } أي تعدّى إلى ما لم يكن له فعله . وقال أكثر المفسرين : فغوى : أي أخطأ وضلّ ولم ينل مراده ممّا أكل . { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ } اختاره واصطفاه { فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } هداه إلى التوبة ووفقّه بها . { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } يعني الكتاب والرسول { فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } . أخبرنا أبو عمرو أحمد بن حمدون بقراءتي عليه قال : أخبرنا محمد بن إسحاق قال : حدَّثنا سعيد بن عيسى ، قال : حدَّثنا فارس بن عمر وحدَّثنا صالح بن محمد : قال : حدَّثنا يحيى بن الضريس عن سفيان عن رجل عن الشعبي عن ابن عباس في قوله سبحانه { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال : أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضلّ في الدنيا ويشقى في الآخرة . وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدَّثنا محمد بن يزيد قال : حدَّثنا الحسن بن سفيان قال : حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة . وأخبرني ابن المقرئ قال : حدَّثنا محمد بن أحمد بن سنان قال : حدَّثنا الحسن بن سفيان قال : حدَّثنا ابن شيبة قال : حدَّثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس قال : ضمن الله لمن قرأ القرآن لا يضلّ في الدّنيا ولا يشقى في الآخرة ثمَّ قرأ { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } . وبإسناده عن أبي بكر بن أبي شيبة قال : حدَّثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب ، وذلك بأنّ الله يقول { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } . { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } يعني عن القرآن فلم يؤمن به ولم يتّبعه { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } ضيقاً يقال : منزل ضنك وعيش ضنك ، يستوي فيه الذكر والأُنثى والواحد والاثنان والجمع ، قال عنترة : @ وإذا هم نزلوا بضنك فانزل @@ واختلف المفسّرون في المعيشة الضنك ، فاخبرني أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد الحيري قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد قال : حدّثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال : حدّثنا أبو الوليد الطيالسي قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : في قوله سبحانه { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال : " عذاب القبر " " . وقال ابن عباس : الشقاء ، مجاهد : الضيق ، الحسن وابن زيد : الزقوم والغسلين والضريع ، قتادة : يعني في النار ، عكرمة : الحرام ، قيس بن أبي حازم : الرزق في المعصية ، الضحاك : الكسب الخبيث ، عطيّة عن ابن عباس يقول : كلّ مال أعطيته عبداً من عبادي قلَّ أو كثر لا يتّقيني فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة ، وإنّ قوماً ضُلاّلاً أعرضوا عن الحق وكانوا أُولي سعة من الدنيا مكثرين فكانت معيشتهم ضنكاً ، وذلك أنّهم كانوا يرَون أنّ الله ليس بمخلف لهم معائشهم من سوء ظنّهم بالله والتكذيب به ، فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظنّ به اشتدت عليه معيشته فذلك الضنك أبو سعيد الخدري : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويسُلّط عليه في قبره تسعة وتسعون تنّيناً ، لكلّ تنّين سبعة رؤوس تنهشه وتخدش لحمه حتى يُبعث ، ولو أنّ تنيّناً منها ينفخ في الأرض لم تنبت زرعاً . مقاتل : معيشة سوء لأنّها في معاصي الله . سعيد بن جبير : سلبه القناعة حتى لا يشبع . { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } قال ابن عباس : أعمى البصر ، مجاهد : أعمى عن الحجّة . { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } بعيني ، وقال مجاهد : عالماً بحجّتي . { قَالَ كَذٰلِكَ } يقول كما { أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا } فتركتها وأعرضت عنها { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } تُترك في النار وكذلك أي وكما جزينا من أعرض { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } أشرك { وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ } ممّا يعذّبهم به في الدنيا والقبر . { وَأَبْقَىٰ } وأدوم وأثبت . { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } يتبيّن لهم { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } ومنازلهم إذا سافروا واتّجروا . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ * وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } نظم الآية ، ولولا كلمة سبقت من ربّك في تأخير العذاب عنهم وأجل مسمّى وهو القيامة { لَكَانَ لِزَاماً } لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة . { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } نسختها آية القتال { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } وصلِّ بأمر ربّك ، وقيل : بثناء ربك { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } يعني صلاة الصبح { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } يعني صلاة العصر { وَمِنْ ءَانَآءِ ٱلَّيْلِ } صلاة العشاء الآخر { فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } صلاة الظهر والمغرب ، وإنّما قال : أطراف لهاتين الصلاتين ؛ لأنّ صلاة الظهر في آخر الطرف الأول من النهار ، وفي أول الطرف الآخر من النهار فهي في طرفين منه الطرف الثالث غروب الشمس ، وعند ذلك يصلّي المغرب ، فلذلك قال : أطراف ، ونصب عطفاً على قوله : قبل طلوع الشمس . { لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } بالشفاعة والثواب ، قرأه العامة : بفتح التاء ، ودليله قوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] وقرأ الكسائي وعاصم برواية أبي بكر بضم التاء . { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } الآية . قال أبو رافع : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهودي يستسلفه فأبى أن يعطيه إلاّ برهن ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } ولا تنظر { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } أي عطيناهم أصنافاً من نعيم الدنيا { زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي زينتها وبهجتها ، قرأه العامة بجزم الهاء ، وقرأ يعقوب بفتحها وهما لغتان مثل : جهرة وجهرَة ، وإنّما نصبها على القطع والخروج من الهاء في قوله : متّعنا به . { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } وإنّما نكلّفك عملاً { نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ } الجملية المحمودة { لِلتَّقْوَىٰ } أي لأهل التقوى . قال هشام بن عروة : كان عروة إذا رأى ما عند السلاطين دخل داره وقال : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } ، إلى قوله { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } ثمَّ ينادي : الصلاة الصلاة يرحمكم الله . وقال مالك بن دينار : كان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة يقول : قوموا فصلّوا ، ثم يقول : بهذا أمر الله رسوله ، ويتلو هذه الآية . { وَقَالُواْ } يعني هؤلاء المشركين { لَوْلاَ يَأْتِينَا } محمد { بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ } كما أتى بها الأنبياء من قبله . قال الله سبحانه { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ } بالتاء ، قرأه أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة لتأنيث البينّة ، وقرأ الآخرون بالياء لتقديم الفعل ولأنّ البيّنة هي البيان فردَّه إلى المعنى { بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ } الكتب { ٱلأُولَىٰ } أي بيان ما فيها يعني القرآن أقوى دلالة وأوضح آية . وقال بعض أهل المعاني : يعني ألم يأتهم بيان ما في الكتب الأُولى التوراة والإنجيل وغيرهما من أنباء الأُمم التي أهلكناهم لمّا سألوا الآيات ، فأتتهم فكفروا بها ، كيف عجّلنا لهم العذاب والهلاك بكفرهم بها فما تؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم حال أُولئك . { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ } أي من قبل نزول القرآن ومجيء محمد صلى الله عليه وسلم { لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ } هلاّ { أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } يدعونا { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } بالعذاب { قُلْ } يا محمد لهم { كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ } منتظر دوائر الزمان وما يكون من الحدثان ولمن يكون الفلح والنصر . { فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ } إذا جاء أمر الله تعالى وقامت القيامة { مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ } المستقيم { وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } من الضلالة أنحن أم أنتم ؟ .