Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 9-23)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهَلْ أَتَاكَ } يا محمد { حَدِيثُ مُوسَىٰ } قال أهل المعاني : هو استفهام اثبات مجازه : أليس قد أتاك ؟ . وقال بعضهم : معناه : وقد أتاك ، وقال : لم يكن قد أتاه ثم أخبره . { إِذْ رَأَى نَاراً } ليلة الجمعة ، وقال وهب بن منّبه : استأذن موسى شعيباً في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله ، فولد له ابن في الطريق في ليلة شاتية مثلجة وقد جاد عن الطريق ، فقدح موسى النار فلم تور المقدحة ، فبينا هو في مزاولة ذلك أبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق { فَقَالَ لأَهْلِهِ } لامرأته { ٱمْكُثُوۤاْ } أقيموا مكانكم { إِنِّيۤ آنَسْتُ } أبصرتُ { نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } يعني شعلة من النار ، والقبس : ما اقتبس من خشب أو قصب أو غير ذلك { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } يعني من يدلّني على الطريق { فَلَمَّآ أَتَاهَا } رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنّها نار بيضاء تتقدّم ، وسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نوراً عظيما فخاف وتعّجب ، فأُلقيت عليه السكينة ثمّ { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ * إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ } وإنّما كرّر الكناية لتوكيد الدلالة وإزالة الشبهة وتحقيق المعرفة ، ونظيره قوله للرسول عليه السلام { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } [ الحجر : 89 ] . { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } وكان السبب في أمره بخلع نعليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن يحيى العبيدي قال : حدَّثنا أحمد بن نجدة قال : حدَّثنا الحمّاني قال : حدَّثنا عيسى بن يونس عن حميد بن عبد الله عن عبد الله بن الحرث العنبسي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } قال : كانتا من جلد حمار ميّت ، وفي بعض الأخبار : غير مدبوغ ، وقال الحسن : ما بال خلع النعلين في الصلاة وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه ؟ وإنّما أُمر موسى عليه السلام أن يخلع نعليه إنّهما كانتا من جلد حمار ، وقال أبو الأحوص : أتى عبد الله أبا موسى في داره فأُقيمت الصلاة فقال لعبد الله تقدّم ، فقال له عبد الله : تقدّم أنت في دارك فتقدّم فنزع نعليه ، فقال له عبد الله : أبالواد المقدّس أنت ؟ . وقال عكرمة ومجاهد : إنّما قال له : اخلع نعليك كي تمسّ راحة قدميك الأرض الطيّبة وينالك بركتها لأنّها قدّست مرّتين . وقال بعضهم : أُمر بذلك لأنّ الحفوة من أمارات التواضع ، وكذلك فعل السّلف حين طافوا بالبيت . قال سعيد بن جبير : قيل له : طأ الأرض حافياً ، كيما يدخل كعبه من بركة الوادي . وقال أهل الاشارة : معناه : فرِّغ قلبك من شغل الأهل والولد . قالوا : وكذلك هو في التعبير من رأى عليه نعلين تزوّج . فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } المطهّر { طُوًى } اسم الوادي ، وقال الضحاك : مستدير عميق مثل الطوى في استدارته ، وقيل : اراد به إنك تطوي الوادي ، وقيل : هو الليل ، يقال : أتيتك طوى من الليل ، وقيل : طُويَت عليه البركة طيّاً ، وقرأ عكرمة : طوى بكسر الطاء وهما لغتان ، وقرأ أهل الكوفة والشام : طِوَىً بالتنوين وإلاّ جرّاً لتذكيره وتحقيقه ، الباقون من غير تنوين ، قال : لأنّه معدول عن طاو أو مطوىّ ، فلّما كان معدولاً عن وجهه كان مصروفاً عن إعرابه مثل عمر وزفر وقثم . { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } اصطفيتك ، وقرأ حمزة : وإنّا اخترناك بلفظ الجمع على التعظيم { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ * إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } ولا تعبد غيري { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } قال مجاهد : أقم الصلاة لتذكرني فيها ، وقال مقاتل : إذا تركت الصلاة ثمَّ ذكرتها فأقمها ، يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن يعقوب قال : حدَّثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدَّثنا سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها ، إنّ الله سبحانه يقول : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } " . وقيل : هو مردود على الوحي يعني فاستمع لما يوحى واستمع لذكري . { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } فأكاد صلة ، كقول الشاعر : @ سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما أن يكاد قرنه يتنفس @@ يعني : فما يتنفس من خوفه ، والفائدة في الإخفاء التخويف والتهويل ، قال ابن عباس وأكثرالمفسّرين : معناه أكاد أُخفيها من نفسي ، وكذلك هو في مصحف اُبي ، وفي مصحف عبد الله : أكاد أُخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق ؟ . وفي بعض القراءات فكيف أظهرها لكم ؟ قال قطرب : فإن قيل : كيف يخفي الله من نفسه وهو خلق الإخفاء ؟ قلنا : إنّ الله سبحانه كلّم العرب بكلامهم الذي يعرفونه ، ألا ترى أنَّ الرجل يعذل أخاه فيقول له : أُذعت سرّي ، فيقول مجيباً له معتذراً إليه : والله لقد كتمت سرّك نفسي فكيف أذعته ؟ معناه عندهم : أخفيته الإخفاء كله ، وقال الشاعر : @ أيام تُعجبني هند وأُخبرها ما أكتم النّفس من حاجي وإسراري @@ فكيف يخبرها ما يكتم عن نفسه ؟ فمجاز الآية على هذا . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير : أَخفيها بفتح الألف أي أُظهرها وأُبرزها يقال : خفيت الشيء إذا أظهرته ، وأخفيته إذا سترته ، قال امرؤ القيس : @ خفاهنّ من إنفاقِهنّ كأنّما خفاهنّ ودق من سحاب مركّب @@ أي اخرجهن . { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } أي تعمل من خير وشرّ { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يصرفنّك { عَنْهَا } يعني عن الإيمان بالساعة { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } مراده { فَتَرْدَىٰ } فتهلك . { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ } وكانت لها شعبتان وفي أسفلها سنان واسمها نبعة في قول مقاتل { أَتَوَكَّأُ } اعتمد { عَلَيْهَا } إذا مشيت وإذا أعييت وعند الوثبة والطفرة . { وَأَهُشُّ } وأخبط { بِهَا } الشجر ليتناثر ورقها فتأكل غنمي ، وقرأ عكرمة « وأهسُّ » بالسين يعني وازجر بها الغنم ، وذلك أن العرب تقول : هس هس ، وقال النضر بن شمّيل : سألت الخليل عن قراءة عكرمة فقال : العرب تعاقب بين الشين والسين في كثير من الكلام ، كقولهم : شمّت العاطس وسمّته ، وشن عليه الدرع وسن ، والروشم والروسم للختم . { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ } حوائج ومنافع ، واحدتها مأرَبة ومَأرُبة بفتح الراء وضمّها { أُخْرَىٰ } ولم يقل أُخَر لرؤوس الآي . قال ابن عباس : كان موسى عليه السلام يحمل عليها زاده وسقاءه ، فجعلت تماشيه وتحدّثه ، وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء ، وكان يردّ بها غنمه ، وتقيه الهوام بإذن الله ، وإذا ظهر له عدّو حاربت وناضلت عنه ، وإذا أراد إلاسقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي ، وكان يظهر على شعبتيها كالشمعتين بالليل تضيء له ويهتدي بها ، وإذا اشتهى ثمرة من الثمار ركزها في الأرض فتغصّنت غصن تلك الشجرة وأورقت ورقها وأثمرت ثمرها ، فهذه المآرب . قال الله سبحانه { أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا } من يده { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } تمشي مسرعة على بطنها . قال ابن عباس : صارت حيّة صفراء لها عرف كعرف الفرس ، وجعلت تتورّم حتى صارت ثعباناً ، وهو أكبر ما يكون من الحيّات ، فلذلك قال في موضع { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } [ النمل : 10 ] وهو أصغر الحيّات ، وفي موضع ثعبان وهو أعظمها ، فالجانّ عبارة عن ابتداء حالها ، والثعبان إخبار عن انتهاء حالها ، وقيل : أراد أنّها في عظم الثعبان وسرعة الجانّ ، فأمّا الحيّة فإنها تجمع الصغر والكبر والذكر والأُنثى . قال فرقد السخي : كان ما بين جنبيها أربعين ذراعاً فلما ظهر في موسى من الخوف ونفار الطبع لمّا رأى من الاعجوبة { قَالَ } الله تعالى له { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا } أي إلى سيرتها وهيئتها { ٱلأُولَىٰ } نردّها عصاً كما كانت { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } يعني إبطك . وقال الكلبي : أسفل من الإبط ، وقال مجاهد : تحت عضدك ، وقال مقاتل : يعني مع جناحك وهو عضده { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } برص ولا داء { آيَةً أُخْرَىٰ } سوى العصا ، فأخرج يده من مدرعة له مضرّبة بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشي البصر { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } وكان من حقّه الكبر وإنّما قال : الكبرى وفاقاً لرؤس الآي ، وقيل : فيه اضمار معناه { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا } الآية الكبرى دليله قول ابن عباس : كانت يد موسى أكبر آياته .