Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 24-52)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } عصى وعلا وتكبّر وكفر ، فادعه إلى عبادتي ، واعلم بأنّي قد ربطت على قلبه ، قال : فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطتَ على قلبه ؟ فأتاه ملك من خزّان الريح فقال : انطلق ، فإنّا اثنا عشر من خزّان الريح منذ خلقنا الله سبحانه نحن في هذا فما علمناه ، فامض لأمر الله ، فقال موسى عند ذلك { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } وسّع وليّن قلبي بالإيمان والنبوّة { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } وسهّل عليّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون { وَٱحْلُلْ } وابسُط وافتح { عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } . قال ابن عباس : كانت في لسانه رُتّة ، وذلك أنّه كان في حجر فرعون ذات يوم فلطمه لطمة وأخذ بلحيته فقال فرعون لآسية امرأته : انَّ هذا عدوّي ، فقالت آسية : على رسلك إنّه صبي لا يفرّق بين الأشياء ولا يميّز ، ثم جاءت بطستين فجعلت في أحدهما الجمر وفي الأُخرى الجوهر ووضعتهما بين يدي موسى ، فأخذ جبرئيل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرة ووضعها على لسانه فتلك الرُتّة { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } كي يفهموا كلامي { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً } معيناً وظهيراً { مِّنْ أَهْلِي } ثمَّ بين من هو فقال { هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } قوِّ به ظهري { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } يعني النبوّة وتبليغ الرسالة { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } نصلّي لك { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن عامر : اشدد به أزري بفتح الألف وأُشركه بضم الألف على الجزاء والجواب حكاية عن موسى أنّي أفعل ذلك ، قال الله سبحانه { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } قد أُعطيت مرادك وسؤالك يا موسى . { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } قبل هذا وهي { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ } وحي إلهام مثل وحي النحل { مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ } أن اجعليه { فِي ٱلتَّابُوتِ } . قال مقاتل : والمؤمن الذي صنع التابوت من آل فرعون اسمه خربيل ، وقيل : إنّه كان من بردي { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } يعني نهر النيل { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } يعني شاطئ النهر ، لفظه أمر ومعناه خبر مجازه : حتى يلقيه اليمّ بالساحل { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } يعني فرعون ، فاتّخذت تابوتاً وجعلت فيه قطناً محلوجاً ، ووضعت فيه موسى ، وقيّرت رأسه وَخصَاصه يعني شقوقه ثمّ ألقته في النّيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذا بتابوت يجيء به الماء ، فلمّا رأى ذلك أمر الغلمان والجواري بإخراجه فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا صبيّ من أصبح الناس وجهاً ، فلمّا رآه فرعون أحبّه بحيث لم يتمالك ، فذلك قوله سبحانه { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } قال ابن عباس : أحبّه وحبّبه إلى خلقه ، قال عطيّة العوفي : جعل عليه مُسحة من جمال لا تكاد يصبر عنه مَن رآه ، قال قتادة : ملاحة كانت في عيني موسى ، ما رآه أحد إلاّ عشقه . { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } أي ولتربّى وتغذّى بمرأىً ومنظر منّي { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ } واسمها مريم متعرّفة خبره { فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } يرضعه ويضمّه إليه ، وذلك أنّه كان لا يقبل ثدي امرأة ، فلمّا قالت لهم أُخته ذلك قالوا : نعم ، فجاءت بالأُمّ فقبل ثديها فذلك قوله { فَرَجَعْنَاكَ } فرددناك { إِلَىٰ أُمِّكَ } . وفي مصحف أُبي فرددناك إلى أُمّك { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها } بلقائك وبقائك { وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً } قال ابن عباس : قتل قبطياً كافراً . قال كعب الأحبار : كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } أي من غّم القتل وكربته { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } . قال ابن عباس : اختبرناك اختباراً . وقال الضحّاك وقتادة ومقاتل ، ابتليناك ابتلاءً . وقال مجاهد : أخلصناك إخلاصاً { فَلَبِثْتَ سِنِينَ } يعني عشر سنين { فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } وهي بلدة شعيب على ثلاث مراحل من مصر ، قال وهب : لبث عند شعيب ثمان وعشرين سنة ، عشر سنين منها مهر امرأته صفيرا بنت شعيب وثماني عشرة سنة أقام عنده حتى وُلد لَه . { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } . قال مقاتل : على موعد ، قال محمد بن كعب : ثم جئت على القدر الذي قدّرت أنك تجيء . قال عبد الرَّحْمن بن كيسان : على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحي فيه إلى الأنبياء ، قال الكلبي : وافق الكلام عند الشجرة . { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } اخترتك واصطفيتك واختصصتك بالرسالة أو النبوّة { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } اليد والعصا { وَلاَ تَنِيَا } قال ابن عباس : لا تضعفا ، وقال السُدّي : لا تفترا ، وقال محمد بن كعب : لا تقصّرا . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لا تبطئا ، وقي قراءة ابن مسعود : ولا تهنا . { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } قال ابن عباس : لا تعنّفا في قولكما ولا تغلّظا ، وقال السدّي وعكرمة : كنّياه قولا له : يا أبا العباس ، وقيل : يا أبا الوليد . وقال مقاتل : يعني بالقول اللين هل لك إلى أن تزكّى وأهديك إلى ربّك فتخشى . وقال أهل المعاني : معناه الطُفا له في قولكما فإنّه ربّاك وأحسن تربيتك وله عليك حقّ الأُبوّة فلا تجبهه بمكروه في أوّل قدومك عليه ، يقال : وعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم وملكاً لا يُنزع عنه إلاّ بالموت ، ويبقى عليه لذّة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته . قال المفسّرون : وكان هارون يومئذ بمصر فأمر الله عزّ وجلّ أن يأتي هو وهارون ، وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقّاه إلى مرحلة وأخبره بما أُوحي إليه فقال له موسى : إن الله سبحانه أمرني أن آتي فرعون فسألت ربّي عزّ وجلّ أن يجعلك معي . وقوله { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } أي يسلم . فإن قيل : كيف قال : لعله يتذكر أو يخشى وعلمه سابق في فرعون أنّه لا يتذكّر ولا يخشى ؟ . قال الحسين بن الفضل : هو مصروف إلى غير فرعون ، ومجازه : لكي يتذكّر متذكّر أو يخشى خاش إذا رأى برّي وإلطافي بمن خلقته ورزقته ، وصححت جسمه وأنعمت عليه ثم ادّعى الربوبية دوني . وقال أبو بكر محمد بن عمر الورّاق : لعلّ ها هنا من الله واجب ، ولقد تذّكر فرعون حيث لم تنفعه الذكرى والخشية ، وذلك قوله حين الجمَهُ الغرقُ في البحر { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] . سمعت أبا القاسم الحسنن بن محمد بن حبيب يقول : سمعت أبي يقول سمعت علىّ بن محمد الوراق يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول وقرأ هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول : أنا الإله ، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟ قال أبو القاسم الحسين فبنيت عليه ألفاظاً اقتديت به فيها فقلت : هذا رفقك بمن ينافيك فكيف رفقك بمن يصافيك ؟ هذا رفقك بمن يعاديك فكيف رفقك بمن يواليك ؟ هذا رفقك بمن يسبّك فكيف رفقك بمن يحبّك ؟ هذا رفقك بمن يقول لك نِدّاً فكيف رفقك بمن يقول فرداً ؟ هذا رفقك بمن ضلّ فكيف رفقك بمن ذل هذا رفقك بمن اقترف فكيف رفقك بمن اعترف ؟ هذا رفقك بمن أصرَّ فكيف رفقك بمن أقرَّ ؟ هذا رفقك بمن استكبر فكيف رفقك بمن استغفر ؟ { قَالاَ } يعني موسى وهارون { رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } . قال ابن عباس : يعجّل بالقتل والعقوبة ، وقال الضحّاك : تجاوز الحدّ ، وقيل : يغلبنا { أَوْ أَن يَطْغَىٰ } يتكبرّ ويستعصي علينا . { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ } بالدفع عنكما { أَسْمَعُ } قولكما وقوله { وَأَرَىٰ } فعله وفعلكما { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } أي ولا تتعبهم في العمل ، وكانت بنو إسرائيل عند آل فرعون في عذاب شديد يقتل ابناءهم ويستخدم نساءهم ويكلفهم من العمل واللبن والطين وبناء المدائن ما لا يقدرون عليه . قال موسى { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } قال فرعون : وما هي ؟ قال : فأدخل يده في جيب قميصه ثمَّ أخرجها فإذا هي بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس ، غلبت نور الشمس ، فعجب منها ولم يُره العصا إلاّ بعد ذلك يوم الزينة . { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } يعني من أسلم { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ } أنبياء الله { وَتَوَلَّىٰ } أعرض عن الإيمان ، ورأيت في بعض التفاسير أنَّ هذه أرجى آية للموحّدين في القرآن . { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } يعني يا موسى وهارون فذكر موسى دون هارون لرؤوس الآي . { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ } قال الحسين وقتادة : أعطى كلّ شئ صلاحه وهداه لما يصلحه . وقال مجاهد : لم يجعل الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ، ولكن خلق كلّ شي فقدّره تقديراً . وقال عطيّة : أعطى كلّ شئ خلقه يعني صورته . وقال الضحّاك : أعطى كلّ شيء خلقه ، يعني اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للبصر والأُذن للسمع . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا عبد الرَّحْمن بن محمد الزهري قال : حدَّثنا أحمد ابن سعيد قال : حدَّثنا سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا عن إسماعيل بن أبي صالح ، أعطى كل شي خلقه { ثُمَّ هَدَىٰ } قال : هداه لمعيشته . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ } يعني شكله ، للإنسان الزوجة وللبعير الناقة وللفرس الرمكة وللحمار الأتان ثمَّ هدى أي عرَّف وعلّم وألهم كيف يأتي الذكر الأُنثى في النكاح . وقرأ نصير خلَقه بفتح اللام على الفعل . { قَالَ } فرعون { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } وإنَما قال هذا فرعون لموسى حين قال موسى : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } [ غافر : 30 - 31 ] ، فقال فرعون حينئذ له : فما بال القرون الاولى التي ذكرت ؟ فقال موسى { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } يعني اللوح المحفوظ ، وإنّما ردّ موسى علم ذلك إلى الله سبحانه لأنّه لم يعلم ذلك ، وإنَما نزلت التوراة عليه بعد هلاك فرعون وقومه { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } أي لا يخطئ { وَلاَ يَنسَى } فيتذكّر ، وقال مجاهد : هما شيء واحد . { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } قرأه أهل الكوفة بغير ألف أي فرشاً ، وقرأ الباقون مهاداً أي فراشاً واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } [ النبأ : 6 ] ولم يختلفوا فيه أنّه بالألف . { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي أدخل وبيّن وطرّق لكم فيها طرقاً . { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً } أصنافاً { مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } مختلف الألوان والطعوم والمنافع من بين أبيض وأحمر وأخضر وأصفر ، ووهب كلّ صنف زوجاً ، ومنها للدوابّ ومنها للناس ثمَّ قال { كُلُواْ وَٱرْعَوْا } أي ارتعوا { أَنْعَامَكُمْ } يقول العرب : رعيتُ الغنم فرَعَتْ لازم ومتعدّ . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الذي ذكرت { لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } أي لذوي العقول ، واحدها نُهية ، سُمّيت بذلك لأنّها تنهى صاحبها عن القبائح والفضائح وارتكاب المحظورات والمحرّمات . وقال الضحّاك : { لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } يعني الذين ينتهون عمّا حُرَّم عليهم . وقال قتادة : لذوي الورع ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : لذوي التقى .