Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 30-50)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوَلَمْ يَرَ } قرأه العامّة بالواو ، وقر ابن كثير ألم وكذلك هو في مصاحفهم . « ير » يعلم { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } . قال ابن عباس والضحاك وعطاء وقتادة : يعني كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله سبحانه بينهما بالهواء . قال كعب : خلق الله سبحانه السماوات والأرضين بعضها على بعض ثمّ خلق ريحاً توسّطتها ففتحها بها . وقال مجاهد وأبو صالح والسدُّي : كانت السماوات مرتقة طبقة واحدة ، ففتقها فجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرضون كانت مرتقة طبقاً واحداً ففتقها فجعلها سبع أرضين . عكرمة وعطية وابن زيد : كانت السماء رتقاً لا تمطر ، والأرض رتقاً لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات ، نظيره قوله سبحانه { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } [ الطارق : 11ـ12 ] وأصل الرتق السدّ ومنه قيل للمرأة التي فرجها ملتحم رتقاً ، وأصل الفتق الفتح ، وإنّما وحّد الرتق وهو من نعت السموات والأرض لأنّه مصدر ، وضع موضع الاسم مثل الزور والصوم والفطر والعدل ونحوها . { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } يعني أنّ كلّ شيء حىّ فإنّه خُلق من الماء ، نظيره قوله سبحانه { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } [ النور : 45 ] . { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي في الرواسي { فِجَاجاً } طرقاً ومسالك واحدها فج ثمَّ ، فسّر فقال { سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } من أن تسقط ، دليله قوله سبحانه { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ الحج : 65 ] وقيل : محفوظاً من الشياطين ، دليله قوله سبحانه { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [ الحجر : 17 ] . { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } فلا يتفكّرون فيها ولا يعتبرون بها يعني الكفار . { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يجرون ويسيرون ، والفلك مدار النجوم الذي يضمّها ، ومنه فلكة المغزل . قال مجاهد : كهيئة حديدة الرّحا ، الضحّاك : فلكها : مجراها وسرعة سيرها . وقال آخرون : الفلك موج مكفوف تجري الشمس والقمر والنجوم فيه . وقال بعضهم : الفلك السماء الذي فيه ذلك الكوكب ، وكلّ كوكب يجري في السّماء الذي قدّر فيه وهو بمعنى قول قتادة . { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } دوام البقاء في الدنيا { أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } أي أفهم الخالدون ؟ كقول الشاعر : @ رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هُمُ هُمُ @@ أي أهمُ ؟ نزلت هذه الآية حين قالوا : نتربّص بمحمد ريب المنون . { كُلُّ نَفْسٍ } منفوسة { ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم } نختبركم { بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } ابتلاء لننظر كيف شكركم فيما تحبّون ، وكيف صبركم فيما تكرهون . { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ } ما يتّخذونك { إِلاَّ هُزُواً } سخرّياً ويقول بعضهم لبعض { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } بسوء ويعيبها ، قال عنترة : @ لا تذكري فرسي وما أطعمته فيكون جلدك مثل جلد الأجرب @@ أي لا تعيبي مهري . { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ } يعني آدم ، قرأ العامّة : بضم الخاء وكسر اللام على غير تسمية الفاعل ، وقرأ حميد والأعرج بفتح الخاء واللام يعني خلق الله الانسان { مِنْ عَجَلٍ } اختلفوا فيه فقال بعضهم : يعني أنّ بنيته وخلقته من العجلة وعليها طُبع ، نظيره قوله { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . قال سعيد بن جبير والسدي : لمّا دخل الروح في عيني آدم نظر إلى ثمار الجنّة ، فلمّا دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } . وقال آخرون : معناه خلق الإنسان من تعجيل في خلق الله إيّاه ، وقالوا : خلقه في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس فأسرع في خلقه قبل مغيبها . قال مجاهد : خلق الله آدم بعد كلّ شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق ، فلمّا أحيا الروح رأسه ولم يبلغ أسفله قال : يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس . وقال بعضهم : هذا من المقلوب مجازه : خُلق العجل من الإنسان كقول العرب : " عرضت الناقة على الحوض " يريدون : عرضت الحوض على الناقة وكقولهم : إذا طعلت الشمس الشعرى ، واستوى العود على الحربا أي استوى الحربا على العود . وقال ابن مقبل : @ حسرتُ كفّي عن السربالِ آخذه فرداً يجرّ على أيدي المفدينا @@ يريد حسرت السربال عن كفّي ، ونحوها كثير . وقال أبو عبيد : وكثير من أهل المعاني يقولون : العجل الطين بلغة حمير ، وانشدوا : @ النبع تنبت بين الصخر ضاحية والنخل ينبت بين الماء والعجل @@ أي الطين . { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } بالعذاب وسؤال الآيات { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الذي تعدنا من العذاب ، وقيل : القيامة ، وتقديره الموعود { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . قال الله سبحانه { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ } يمنعون { عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } السياط { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } وفي الآية اختصار يعني لمّا أقاموا على كفرهم ولم يتوبوا . { بَلْ تَأْتِيهِم } يعني الساعة { بَغْتَةً } فجأةً { فَتَبْهَتُهُمْ } قال ابن عباس : تفجأهم ، وقال الفرّاء : تحيّرهم . { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم } يحفظكم ويحرسكم { بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } إذا انزل بكم عذابه ، ومعنى الآية : من أمر الرَّحْمن وعذابه . ثم قال سبحانه { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ } كتاب ربّهم { مُّعْرِضُونَ * أَمْ لَهُمْ } الميم صلة فيه وفي أمثاله { آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ } فكيف ينصرون عابديهم . { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } قال ابن عباس : يمنعون ، عطية عنه : يُجارون ، يقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان أي مجير عنه . مجاهد : ينصرون ويحفظون ، قتادة : لا يصحبون من الله بخير . { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ } الكفّار { وَآبَآءَهُمْ } في الدنيا { حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } يعني ما ننقص من أطراف المشركين ونزيد في أطراف المؤمنين . { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } أم نحن { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } بالقرآن { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ } قرأ أبو عبد الرَّحْمن السلمي بضم الياء وفتح الميم ، الضم رفع بمعنى أنّه لا يفعل بهم ذلك على مذهب ما لم يبين فاعله . وقرأ ابن عامر « تُسمع » بتاء مضمومة وكسر الميم والصُمَّ نصباً ، جعل الخطاب للنبي ( عليه السلام ) ، وقرأ الآخرون : « يسمع » بياء مفتوحة وفتح الميم الصمُّ رفع على أنّ الفعل لهم { إِذَا مَا يُنذَرُونَ } يخوّفون ويحذّرون . { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ } أصابتهم { نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ } قال ابن عباس : طرف ، مقاتل وقتادة : عقوبة ، ابن كيسان : قليل ، ابن جريج : نصيب ، من قولهم : نفح فلان لفلان إذا أعطاه قسماً وحظّاً منه ، بعضهم : ضربة ، من قول العرب : نفحت الدابة برجلها إذا ضربت بها . قال الشاعر : @ وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها @@ { لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ } العذاب وإنّما وحدّ القسط وهو جمع الموازين لأنّه في مذهب عدل ورضىً . قال مجاهد : هذا مَثَل ، وإنّما أراد بالميزان العدل . { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } لا ينقص من حسناته ولا يزاد على سيّئاته . يروى أنّ داود ( عليه السلام ) سأل ربّه أن يريه الميزان فأراه ، فلمّا رآه غشي عليه ثم أفاق ، فقال : يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفّته حسنات ؟ فقال : يا داود إنّي إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة . فان قيل : كيف وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [ الكهف : 105 ] ؟ فالجواب : إن المعنى فيه : لا نقوّمها ولا تستقيم على الحقّ ، [ من ناقصه سائله ] لأنها باطلة . { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } رفع أهل المدينة المثقال بمعنى : وان وقع ، وحينئذ لا خبر له ونصبها الباقون على معنى : وإن كان ذلك الشيء مثقال ، ومثله في سورة لقمان { أَتَيْنَا بِهَا } أحضرناها ، وقرأ مجاهد : آتينا بالمدّ أي جازينا بها . { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ } يعني الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل وهو التوراة . وقال ابن زيد : النصر على الأعداء ، دليله قوله { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [ الأنفال : 41 ] يعني يوم بدر ، وهذا القول أشبه بظاهر الآية لدخول الواو في الضياء والذكر للمتّقين ، وعلى هذا التأويل تكون الواو مقحمة زائدة كقوله سبحانه وتعالى { بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً } [ الصافات : 6 - 7 ] . ويروى أنّ عكرمة كان يقول في هذه الآية : معناها : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء ، ويقول : انقلوا هذه الواو إلى قوله سبحانه وتعالى { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } [ غافر : 7 ] . { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } أي يخافونه ولم يروه { وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ * وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } يعني القرآن { أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } جاحدون .