Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 38-47)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مكي وبصري : يدفع ، غيرهم : يدافع ، ومعناه : إنّ الله يدفع غائلة المشركين . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ } في أمانة الله { كَفُورٍ } لنعمته . { أُذِنَ } قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم أُذن بضم الألف ، وقرأ الباقون بفتحه أي أذن الله { لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } قرأ أهل المدينة والشام بفتح التاء يعنون المؤمنين الذين يقابلهم المشركون ، وقرأ الباقون بكسر التاء يعني إنّ الذين أُذن لهم بالجهاد يقاتلون المشركين { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } . قال المفسّرون : كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومشجوج ، فيشكونهم إلى رسول الله فيقول لهم : اصبروا فإنّي لم أُؤمر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال . وقال ابن عباس : لما أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيّهم ، إنا لله وإنّا إليه راجعون ، لنهلكنّ ، فأنزل الله سبحانه { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } الآية ، قال أبو بكر : فعرفت أنّه سيكون قتال . وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة فكانوا يمنعون من الهجرة ، فأذن الله تعالى لهم في قتال الكفّار الذين يمنعونهم من الهجرة . { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } بدل من الذين الأُولى ، ثمّ قال { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } يعني لم يخرجوا من ديارهم إلاّ لقولهم ربّنا الله وحده ، فيكون أنْ في موضع الخفض رّداً على الباء في قوله { بِغَيْرِ حَقٍّ } ويجوز أنْ يكون في موضع نصب على وجه الاستثناء . { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } بالجهاد وإقامة الحدود وكفّ الظلم { لَّهُدِّمَتْ } قرأ الحجازيّون بتخفيف الدال ، والباقون بالتشديد على الكسر أي تخرّبت { صَوَامِعُ } قال مجاهد والضحاك : يعني صوامع الرهبان ، قتادة : صوامع الصابئين . { وَبِيَعٌ } النصارى ، ابن أبي نجيح عن مجاهد : البيع : كنائس اليهود ، وبه قال ابن زيد . { وَصَلَوَاتٌ } قال ابن عباس وقتادة والضحاك : يعني كنائس اليهود ويسمّونها صَلُوتاً . أبو العالية : هي مساجد الصابئين . ابن أبي نجيح عن مجاهد : هي مساجد لأهل الكتاب ولأهل الإسلام بالطريق ، وعلى هذه الأقاويل تكون الصلوات صلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدوّ ، انقطعت العبادة وهُدمت المساجد كما صنع بخت نصّر . { وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } يعني مساجد المسلمين ، وقيل : تأويلها : لهدمت صوامع وبيع في أيام شريعة عيسى ، وصلوات في أيام شريعة موسى ، ومساجد في أيام شريعة محمد صلّى الله عليهم أجمعين . وقال الحسن : يدفع عن هدم مصليات أهل الذّمة بالمؤمنين ، فإن قيل : لم قدّم مصليات الكافرين على مساجد المسلمين ؟ قلنا : لأنها أقدم ، وقيل : لقربها من الهدم ، وقرب المساجد من الذكر كما أخّر السابق في قوله { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } [ فاطر : 32 ] لقربه من الخيرات . { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } أي ينصر دينه ونبيّه . { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال قتادة : هم أصحاب محمد ، عكرمة : أهل الصلوات الخمس ، الحسن وأبو العالية : هذه الأُمة . { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } آخر أُمور الخلق ومصيرهم إليه . { وَإِن يُكَذِّبُوكَ } يا محمد { فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } أمهلتهم { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } عاقبتهم { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } إنكاري بالعذاب والهلاك ، يعزّي نبيّه صلى الله عليه وسلم ويخّوف مخالفيه . { فَكَأَيِّن } وكم { مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } يعني وأهلها ظالمون ، فنسب الظلم إليها لقرب الجوار . { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } ساقطة على سقوفها { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } متروكة مخلاّة عن أهلها { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } قال قتادة والضحّاك ومقاتل : رفيع طويل ، ومنه قول عدي : @ شاده مرمراً وجلّله كلساً فللطّير في ذراه وكور @@ أي رفعه . وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعكرمة : مجصّص ، من الشيد وهو الجصّ ، قال الراجز : @ كحبّة الماء بين الطىّ والشيد @@ وقال امرؤ القيس : @ وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ولا أجماً إلاّ مشيداً بجندل @@ أي مبنيّاً بالشيد والجندل . وروى أبو روق عن الضحاك أنّ هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاصورا وذلك أنَّ أربعة آلاف نفر ممّن آمن بصالح ونجوا من العذاب أتوا حضرموت ومعهم صالح ، فلمّا حضروه مات صالح ، فسمّي حضرموت لأن صالحاً لمّا حضره مات ، فبنوا حاصورا وقعدوا على هذه البئر وأمّروا عليهم رجلاً يقال له بلهنس بن جلاس بن سويد ، وجعلوا وزيره سنحاريب بن سواده ، فأقاموا دهراً وتناسلوا حتى نموا وكثروا ، ثم أنَّهم عبدوا الأصنام فكفروا فأرسل الله إليهم نبيّاً يقال له حنظلة بن صفوان كان حمالاً فيهم فقتلوه في السوق ، فأهلكهم الله وعطّلت بئرهم وخرّبت قصورهم . { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني كفّار مكة فينظروا إلى مصارع المكذّبين من الأُمم الخالية . { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } يعلمون بها { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } فيتفكروا ويعتبروا . { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } تأكيد ، كقوله سبحانه { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] وقوله تعالى { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم } [ آل عمران : 167 ] . قال ابن عباس ومقاتل : لمّا نزل { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } [ الإسراء : 72 ] جاء ابن أم مكتوم النبي صلى الله عليه وسلم باكياً فقال : يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية . { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } نزلت في النضر بن الحرث . { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } فأنجز ذلك يوم بدر . { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } بالياء مكي كوفي غير عاصم ، غيرهم : بالتاء . وقال ابن عباس : هي من الأيام التي خلق الله سبحانه فيها السموات والأرض . مجاهد وعكرمة : من أيام الآخرة . ابن زيد : في قوله { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } قال : هذه أيام الآخرة . وفي قوله { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] قال : هو يوم القيامة . وقال أهل المعاني : معنى الآية : وإنّ يوماً عند ربّك من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدّة كألف سنة ممّا تعدون فكيف تستعجلوه ؟ وهذا كما يقال : أيام الهموم طوال وأيام السرور قصار .