Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 112-118)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } نَسُوا لعظيم ما هم فيه من العذاب مدّة مكثهم في الدنيا ، وهذا توبيخ من الله تعالى لمنكري البعث وإلزام للحجّة عليهم . قرأ حمزة والكسائي : قل كم ، على الأمر ، لأنّ في مصاحف أهل الكوفة قل بغير ألف ، ومعنى الآية : قولوا كم لبثتم ، فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمراد به الجماعة إذ كان مفهوماً معناه ، ويجوز أن يكون الخطاب لكلّ واحد منهم أي قل أيّها الكافر . وقرأ الباقون : قال في الحرفين ، وكذلك هما في مصاحفهم بالألف على معنى قال الله تعالى ، وقرأ ابن كثير : قل كم ، على الأمر ، وقال : إن على الخبر وهي قراءة ظاهرة لأنّ الثانية جواب . وقوله { فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } أي الحُسّاب عن قتادة ، وقال مجاهد : هم الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم . { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ } في الدنيا { إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } قدر لبثكم فيها { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } أي لعباً وباطلاً لا لحكمة ، والعبث : العمل لا لغرض ، وهو نصب على الحال عن سيبويه وقطرب ، مجازه : عابثين ، أبو عبيد : على المصدر ، بعض نحاة الكوفة : على الظرف أُي بالعبث ، بعض نحاة البصرة : للعبث . { وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } . قال أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه : " يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم فما خُلق امرؤ عبثاً فيلهو ولا أُهمل سُدىً فيلغو " . وأخبرني محمد بن القاسم بقراءتي عليه قال : حدَّثنا أبو بكر محمد بن محمد بن نصر قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا ابن شعيب الحرّاني قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله ابن الضحاك قال : سمعت الأوزاعي يقول : بلغني أنّ في السماء ملكاً ينادي كل يوم : ألا ليت الخلق لم يخلقوا ، وياليتهم إذ خُلقوا عرفوا ما خُلقوا له وجلسوا فذكروا ما عملُوا . فصل في ذكر وجوه الحكمة في خلق الله سبحانه الخلق قال المحقّقون : خلق الله سبحانه الخلق ليدلّ بذلك على وجوده وكمال علمه وقدرته ، إذ لو لم يخلق لم يكن لوجوده معنى . وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدَّثنا محمد بن يزيد قال : حدَّثنا الحسن بن سفيان قال : حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدَّثنا ابن عُليّة عن منصور بن عبد الرَّحْمن قال : قلت للحسن البصري في قوله سبحانه { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } [ هود : 118 - 119 ] . قال : الناس مختلفون على أديان شتّى إلاّ من رحم ربك ، ومن رحم ربك غير مختلف . فقيل له : ولذلك خلقهم ؟ . قال : نعم ، خلق هؤلاء لجنّته وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته وخلق هؤلاء لعذابه . وأخبرنا محمد بن القاسم الفقيه قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن موسى الفقيه قال : حدَّثنا أبي قال : حدَّثنا محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن أحمد بن نصر قال : سئل جعفر بن محمد : لمَ خَلقَ الله الخلق ؟ قال : لأنّ الله سبحانه كان محسناً بما لم يزل فيما لم يزل ، إلى ما لم يزل فأراد سبحانه وتعالى أن يفوّض إحسانه إلى خلقه وكان غنيّاً عنهم ، لم يخلقهم لجرّ منفعة ، ولا لدفع مضّرة ، ولكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتّى يفصلوا بين الحق والباطل ، فمن أحسن كافأهُ بالجنة ، ومن عصى كافأه بالنار . وقال محمد بن علي الترمذي : إنَّ الله سبحانه خلق الخلق عبيداً ليعبدوه فيثيبهم على العبودية ويعاقبهم على تركها ، فإن عبدوه فهم اليوم عبيد أحرار كرام ، وغداً أحرار وملوك في دار السلام ، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُبّاق سفلة لئام ، وغداً أعداء في السجون بين أطباق النيران . ومنهم من قال : خلق الله سبحانه الخلق كلّهم لأجل محمد صلى الله عليه وسلم يدللّ عليه ما حدَّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الرومي قال : حدَّثنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد قال : حدّثنا هارون بن العباس الهاشمي قال : حدَّثنا محمد بن ياسين بن شريك قال : حدَّثنا جندل قال : حدّثنا عمرو بن أوس الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن ابن عباس قال : " أوحى الله سبحانه إلى عيسى ( عليه السلام ) : يا عيسى آمن بمحمد ومُر أُمّتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن " . وسمعت محمد بن القاسم الفارسي قال : سمعت محمد بن الحسن بن بهرام الفارسي يقول : سمعت القنّاد يقول : خلق الله سبحانه الملائكة للقدرة ، وخلق الاشياء للعبرة ، وخلقك للمحبة له ، ومن العلماء مَن لم يصرّح القول بذلك ولكنه قال : نبّه الله سبحانه في غير موضع من كتبه المنزلة أنّه خلقهم لخطر عظيم مغيّب عنهم لا يجلّيه حتى يحلّ بهم ما خلقهم له ، وهذا معنى قوله سبحانه { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } الآية . أخبرني ابن فنجويه قال : حدَّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدَّثنا داود بن رشيد ، وأخبرني محمد بن القاسم قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن مريس قال : حدَّثنا الحسن بن سفيان قال : حدَّثنا هشام ابن عمار قال : حدَّثنا الوليد بن مسلم قال : حدَّثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش ابن عبد الله الصنعاني " عن عبد الله بن مسعود أنّه مرَّ بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } حتى ختم السورة فبرئ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ماذا قرأت في أُذنه ؟ " فأخبره فقال : " والذي نفسي بيده لو أنَّ رجلا موقناً قرأها على جبل لزال " " . ثمَّ نَزَّه نفسه سبحانه عمّا وصفه به المشركون من اتخاذ الأنداد والأولاد ، ونسبه إليه الملحدون من السفه والعبث فقال عزَّ من قائل { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } يعني الحسن العظيم { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } قال أهل المعاني : فيه إضمار ، مجازه : فلا برهان له به { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ } جزاؤه { عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ * وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } .