Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 99-111)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } يعني هؤلاء المشركين ، وذلك حين ينقطع عن الدنيا ويعاين الآخرة قبل أن يذوق الموت . { قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } ولم يقل ارجعني وهو خطاب الواحد على التعظيم كقوله ( إنّا نحن ) فخوطب على نحو هذا كما ابتدأ بلفظ التعظيم . وقال بعضهم : هذه المسألة إنما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحه ، وإنما ابتدأ الكلام بخطاب الله سبحانه لأنهم استغاثوا أولاً بالله سبحانه ثم رجعوا الى مسألة الملائكة الرجوع الى الدنيا . { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } صنعت { كَلاَّ } أي لا يرجع إليها ، وهي كلمة ردع وزجر { إِنَّهَا } يعني سؤاله الرجعة { كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } ولا ينالها . " روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك الى الدنيا ؟ فيقول : الى دار الهموم والأحزان ؟ بل قدما إلى الله عزَّ وجلّ ، وأمّا الكافر فيقول { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } الآية " . { وَمِن وَرَآئِهِمْ } أمامهم { بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي حاجز بين الموت والرجوع الى الدنيا عن مجاهد ، ابن عباس : حجاب ، السدّي : أجل ، قتادة : بقيّة الدنيا ، الضحّاك وابن زيد : ما بين الموت إلى البعث ، أبو أمامة : القبر ، وقيل : الإمهال لا يفتخرون بالأنساب في الآخرة كما كانوا يفتخرون . { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } . قال أبو العالية : هو كقوله { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] . وقال ابن جريج : معنى الآية لا يُسأل أحد يومئذ شيئاً بنسب ولا يتساءلون ، لا يمتّ إليه برحم ، واختلف المفسّرون في المراد بقوله { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } أىّ النفختين عنى ؟ فقال ابن عباس : هي النفخة الأُولى . أخبرني ابن فنجويه بقراءتي عليه قال : حدَّثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب قال : حدَّثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرَّحْمن بن أبي عوف قال : حدَّثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحّراني قال : حدَّثنا محمد بن سلمة بن أبي عبد الرحيم قال : حدّثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس ، قوله سبحانه { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } فهذه في النفخة الاولى { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 68 ] { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُون } [ الصافات : 27 ] . وقال ابن مسعود : هي النفخة الثانية . أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدَّثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة قال : حدَّثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدَّثنا يزيد بن موهب الرملي قال : حدَّثنا عيسى بن يونس عن هارون بن أبي وكيع قال : سمعت زاذان أبا عمر يقول : دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخز واليمنة قد سبقوني إلى المجالس ، فناديته ، يا عبد الله بن مسعود من أجل أنّي رجل أعجمي أدنيتَ هؤلاء وأقصيتني ؟ فقال : ادنُ ، فدنوت حتى ما كان بيني وبينه جليس ، فسمعته يقول : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأوّلين الآخرين ثمَّ ينادي مناد : هذا فلان ابن فلان فمن كان له قِبَله حقّ فليأتِ إلى حقّه ، فتفرح المرأة أن يدور لها الحقّ على أبيها أو على زوجها أو على ابنها أو على أُختها ، ثم قرأ ابن مسعود { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } قال : فيقول الله سبحانه : آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول : ربّ فنيت الدنيا ، فيقول للملائكة : خذوا من أعماله فأعطوا كلّ إنسان بقدر طلبته ، فإن كان ولياً لله عزَّ وجل وفضلت له من حسناته مثقال حبّة من خردل ضاعفها حتى يدخله بها الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } [ النساء : 40 ] . وإن كان شقيّاً قالت الملائكة : ربّ فنيتْ حسناته وبقي طالبون ، فيقول : خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيئاته وصكّوا له صكاً الى النار . { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ } تسفع { وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } عابسون عن ابن عباس ، وقال غيره : الكلوح أن تتقلص الشفتان عن الإنسان حتى تبدو الأسنان . قال ابن مسعود : ألم تر إلى الرأس المشيّظ بالنار قد بدت أسنانه وقلصت شفتاه . قال الأعشى : @ وله المقْدم لا مثل له ساعة الشدق عن الناب كلح @@ أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدَّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق المسوحي قال : حدَّثنا يحيى الحماني قال : حدَّثنا ابن مبارك عن سعيد بن يزيد أبي شجاع عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عزَّ وجلّ { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال : " تشويه النار فتتقلّص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته " . { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } التي كتبت علينا ، قرأ أهل الكوفة غير عاصم : شقاوتنا بالألف وفتح الشين ، غيرهم : شِقوتنا بغير ألف وكسر الشين وهما لغتان ، وهي المضرّة اللاحقة في العاقبة ، والسعادة هي المنفعة اللاحقة في العاقبة . { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } عن الهدى { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا } أي من النار { فَإِنْ عُدْنَا } لما تكره { فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فيجابون بعد ألف سنة { ٱخْسَئُواْ فِيهَا } أي ابعدوا ، كما يقال للكلب : اخسأ إذا طُرد وأُبعد { وَلاَ تُكَلِّمُونِ } في رفع العذاب فإنّي لا أرفعه عنكم ولا أخفّفه عليكم ، وقيل : هو دلالة على الغضب اللازم لهم فعند ذلك أيس المساكين من الفرج . قال الحسن : هو آخر كلام يتكلّم به أهل النار ثم لا يتكلّمون بعدها إلاّ الشهيق والزفير ويصير لهم عواء كعواء الكلب لا يُفهمون ولا يَفهَمون . { إِنَّهُ } هذه الهاء عماد وتسمّى أيضاً المجهولة { كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي } وهم المؤمنون { يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ * فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } قرأ أهل المدينة والكوفة إلاّ عاصماً بضم السين ههنا وفي سورة ص ، الباقون : بكسرها . قال الخليل وسيبويه : هما لغتان مثل قول العرب : بحر لُجيٌّ ولِجّي ، وكوكب دُرّي ودِرِي ، وكُرسي وكِرسي . وقال الكسائي والفرّاء : الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول ، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل ، ولم يختلفوا في سورة الزخرف أنّه بالضم لأنّه بمعنى التسخير والاستعباد إلاّ ما روي عن ابن محيص أنّه كسره قياساً على سائره وهو غير قوىّ . { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } أي أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم ذكري { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } نظيره قوله سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } [ المطففين : 29 ] . { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ } على استهزائكم بهم في الدنيا ، والجزاء : مقابلة العمل بما يستحقّ عليه من ثواب أو عقاب . { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } قرأ حمزة والكسائي : إنهم بكسر الألف على الاستيناف ، والباقون : بفتحه على معنى لأنهم هم الفائزون ، ويُحتمل أن يكون نصباً بوقوع الجزاء عليه أنّي جزيتهم اليوم الفوز بالجنة .