Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 12-26)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } يعني ابن آدم { مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } أي من صفوة ماء آدم الذي هو من الطين ومنيّه والعرب تسمّي نطفة الشيء وولده سليله وسلالته لأنّهما مسلولان منه . قال الشاعر : @ حملت به عَضب الأديم غضنفراً سلالة فرج كان غير حصين @@ وقال آخر : @ وهل كنت إلاّ مهرة عربية سليلة أفراس تجلّلها بغل @@ { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } حريز مكين لاستقرارها فيه إلى بلوغ أمدها وهو الرحم . { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } قرأ ابن عامر عظماً على الواحد في الحرفين ، ومثله روى أبو بكر عن عاصم لقوله لحماً ، وقرأ الآخرون بالجمع لأنّ إلانسان ذو عظام كثيرة . { فَكَسَوْنَا } فألبسنا { ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } اختلف المفسرون فيه . قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة وأبو العالية والضحاك وابن زيد : نفخ الروح فيه . قتادة : نبات الأسنان والشعر . ابن عمر : استواء الشباب ، وهي رواية ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد . وروى العوفي عن ابن عباس : إنّ ذلك تصريف أُحواله بعد الولادة ، يقول : خرج من بطن أُمّه بعد ما خلق فكان من بدو خلقه الآخر أن استهلّ ، ثمَّ كان من خلقه أن دُلّ على ثدي أُمّة ، ثمّ كان من خلقه أن عُلّم كيف يبسط رجليه ، إلى أن قعد ، إلى أن حبا ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام ، إلى أن بلغ الحلمَ ، إلى أن بلغ ان يتقلّب في البلاد . وقيل : الذكورة والأُنوثية ، وقيل : إعطاء العقل والفهم . { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ } أي استحق التعظيم والثناء بأنّه لم يزل ولا يزال وأصله من البروك وهو الثبوت . { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أي المصوّرين والمقدّرين ، مجاهد : يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين . ابن جريج : إنما جمع الخالقين لأنّ عيسى كان يخلق ، فأخبر جلَّ ثناؤه أنّه يخلقُ أحسن ممّا كان يخلق . وروى أبو الخليل عن أبي قتادة قال : لمّا نزلت هذه الآية إلى آخرها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " فتبارك الله أحسن الخالقين " فنزلت { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } . قال ابن عباس : كان ابن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأملى عليه هذه الآية ، فلمّا بلغ قوله { خَلْقاً آخَرَ } خطر بباله { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } فلمّا أملاها كذلك لرسول الله قال عبد الله : إن كان محمد نبيّاً يوحى إليه فانا نبىّ يوحى إليّ ، فلحق بمكة كافراً . { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } قرأ أشهب العقيلي لمايتون بالألف ، والميّت والمائت ، الذي لم يفارقه الروح بعد وهو سيموت ، والميْت بالتخفيف : الذي فارقه الروح ، فلذلك لم تخفف ههنا كقوله سبحانه وتعالى { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ( * ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ } وإِنما قيل : طرائق لأن بعضهنّ فوق بعض ، فكلّ سماء منهنّ طريقة ، والعرب تسمّي كلّ شيء فوق شيء طريقة ، وقيل : لأنّها طرائق الملائكة . { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } يعني عن خلق السماء ، قاله بعض العلماء ، وقال أكثر المفسرين : يعني عمّن خلقنا من الخلق كلّهم ماكنّا غافلين عنهم ، بل كنّا لهم حافظين من أن تسقط عليهم فتهلكهم . وقال أهل المعاني : معنى الآية : إنّ من جاز عليه الغفلة عن العباد جاز عليه الغفلة عن الطرائق التي فوقهم فتسقط فالله عزّ وجلّ { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ الحج : 65 ] ولولا إمساكه لها لم تقف طرفة عين . قال الحسن : وما كنّا عن الخلق غافلين أن ينزل عليهم ما يجيئهم من المطر . { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ } ثمَّ أخرجنا منها ينابيع فماء الأرض هو من السماء . { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } حتى تهلكوا عطشاً وتهلك مواشيكم وتخرب أراضيكم . { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } بالماء { جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا } يعني في الجنّات { فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } شتاء وصيفاً ، وإنّما خصّ النخيل والأعناب بالذكر لأنّهما كانا أعظم ثمار الحجاز وما والاها ، فكانت النخيل لأهل المدينة ، والأعناب لأهل الطائف ، فذكر القوم ما يعرفون من نعمه . { وَشَجَرَةً } يعني وأنشأنا لكم أيضاً شجرة { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } وهي الزيتون ، واختلف القُرّاء في سيناء ، فكسر سينه أبو عمرو وأهل الحجاز ، وفتحه الباقون ، واختلف العلماء في معناه ، فقال مجاهد : معناه البركة ، يعني : إنه جبل مبارك ، وهي رواية عطية عن ابن عباس ، قتادة والحسن والضحّاك : طور سيناء بالنبطية : الجبل الحسن . ابن زيد : هو الجبل الذي نودي منه موسى عليه السلام ، وهو بين مصر وأيلة ، معمر وغيره : جبل ذو شجر ، بعضهم : هو بالسريانية الملتفّة الاشجار ، وقيل : هو كلّ جبل ذي أشجار مثمرة ، وقيل : هو متعال من السّنا وهو الارتفاع . قال مقاتل : خُصّ الطور بالزيتون لأن أول الزيتون نبت بها ، ويقال : إنّ الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان . { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } وأكثر القراء على فتح التاء الأَوّل من قوله تنبت وضم بائه ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم التاء وكسر الباء ولها وجهان : أحدهما : أن الباء فيه زائدة كما يقال : أخذت ثوبه وأخذت بثوبه ، وكقول الراجز : @ نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج @@ أي ونرجو الفرج . والوجه الآخر : أنّهما لغتان بمعنى واحد نبت وأنبت ، قال زهير : @ رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل @@ أي نبت { وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } أي إدام نصطبغ به . { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } وهي الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدىّ به الى العلم وهي من العبور كأنه طريق يُعبر إليه ويتوصل به إلى المراد . { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } قال ابن عباس : سمّي بذلك لكثرة ماناح على نفسه ، واختلف في سبب نوحه ، فقال بعضهم : لدعوته على قومه بالهلاك حيث قال { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] وقيل : لمراجعته ربّه في شأن أُمته ، وقيل : لأنّه مرَّ بكلب مجذوم ، فقال : إخسأ يا قبيح فأوحى الله سبحانه إليه : أعبتني أم عبت الكلب ؟ . { فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ( * ) فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ } يتشرف { عَلَيْكُمْ } فيكون أفضل منكم فيصير متبوعاً وأنتم له تبعاً . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } الذي يدعونا إليه نوح { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ } ما هو { إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } جنون ، نظيرها قوله سبحانه { مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } [ الأعراف : 184 ] ويقال للجن أيضاً : جنّة ، قال الله سبحانه { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] وقال { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [ الناس : 6 ] يتفق الاسم والمصدر . { فَتَرَبَّصُواْ } فانتظروا { بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } يعني إلى وقت ما ، وقيل : الى حين الموت ، فقال لمّا تمادوا في غيّهم وأصرّوا على كفرهم { رَبِّ ٱنصُرْنِي } أعني بإهلاكهم { بِمَا كَذَّبُونِ } يعني بتكذيبهم إياي .