Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قد حرف تأكيد ، وقال المحققون : معنى قد تقريب بالماضي من الحال ، فدلَّ على أنّ فلاحهم قد حصل وهم عليه في الحال ، وهذا أبلغ في الصفة من تجريد ذكر الفلاح ، والفلاح : النجاح والبقاء . أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسّر بقراءته عليَّ في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال : أخبرنا أبو عمرو المعتزّ بن محمد بن الفضل القاضي قال : حدَّثنا أحمد بن الحسين الفريابي قال : حدَّثنا عبد الرحيم بن حبيب البغدادي عن إسحاق بن تجيح الملطي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لمّا خلق الله سبحانه جنّة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ثمَّ قال لها : تكلّمي ، قالت : قد أفلح المؤمنون - ثلاثاً - ثمَّ قالت : أنا حرام على كلّ بخيل ومرائي " . وقرأطلحة بن مصرف : قد أُفلح المؤمنون على المجهول ، أي أُبقوا في الثواب . { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } اختلف المفسّرون في معنى الخشوع ، فقال ابن عباس : مخبتون أذلاّء ، الحسن وقتادة : خائفون . مقاتل : متواضعون على الخشوع في القلب ، وأن تلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت . مجاهد : هو غضّ البصر وخفض الجناح وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرَّحْمن أن يمدّ بصره إلى شيء أو أن يحدّث نفسه بشيء من شأن الدنيا . عمرو بن دينار : ليس الخشوع الركوع والسجود ولكنّه السكون وحسن الهيئة في الصلاة . ابن سيرين وغيره : هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك . قالوا : وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء وينظرون يميناً ويساراً حتى نزلت هذه الآية ، فجعلوا بعد ذلك وجوههم حيث يسجدون ، وما رؤي بعد ذلك أحد منهم ينظر ألاّ إلى الأرض . ربيع : هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً . أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا أبو موسى قال : حدَّثنا السراج قال : حدَّثنا محمد بن الصباح قال : أخبرنا إسحاق بن سليمان قال : حدَّثنا إبراهيم الخوزي عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انَّ العبد إذا قام إلى الصلاة فإنّه بين عينيّ الرَّحْمن عزّ وجلّ فإذا التفت قال له الربّ : إلى من تلتفت ؟ إلى من هو خير لك منّي ؟ ابن آدم أقبل إليَّ فأنا خيرٌ ممّن تلتفت إليه " . عطاء : هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة ، وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : " لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه " . وأخبرنا محمد بن أحمد بن عقيل القطان قال : أخبرنا صاحب بن أحمد بن ترحم بن سفيان قال : حدَّثنا أبو عبد الرَّحْمن بن نبيت المروزي عبدان قال : حدَّثنا عبد الله بن المبارك عن معمّر أنه سمع الزهري يحدّث عن أبي الاحوص عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنّ الرحمة تواجهه فلا يحرّكن الحصى " . ويقال : نظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصى ويقول : اللهم زوّجني من الحور العين ، فقال : بئس الخاطب أنت تخطب وأنت تعبث . خليد بن دعلج عن قتادة : هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة . بعضهم : هو جمع الهمّة لها وإلاعراض عمّا سواها . أبو بكر الواسطي : هو الصلاة لله سبحانه على الخلوص من غير عوض . سمعت ابن الإمام يقول : سمعت ابن مقسم يقول : سمعت أبا الفضل جعفر بن أحمد الصيدلي يقول : سمعت ابن أبي الورد يقول : يحتاج المصلي إلى أربع خلال حتى يكون خاشعاً : إعظام المقام ، وإخلاص المقال ، واليقين التمام ، وجمع الهمّة . { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } قال الحسن : عن المعاصي ، ابن عباس : الحلف الكاذب ، مقاتل : الشتم والأذى ، غيرهم : ما لا يحمل من القول والفعل ، وقيل : اللغو الفعل الذي لا فائدة فيه . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ } الواجبة { فَاعِلُونَ } مؤدّون ، وهي فصيحة وقد جاءت في كلام العرب قال أُميّة بن أبي الصلت : @ المطعمون الطعام في السنة الأزمة والفاعلون للزكوات @@ { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ } أي من أزواجهم ، على بمعنى من { أَوْ مَا } في محل الخفض يعني أو من ما { مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } على إتيان نسائهم وإمائهم . { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } أي التمس وطلب سوى زوجته وملك يمينه { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } من الحلال إلى الحرام ، فمن زنى فهو عاد . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ } التي ائتمنوا عليها { وَعَهْدِهِمْ } وعقودهم التي عاقدوا الناس عليها { رَاعُونَ } حافظون وافون . وقرأ ابن كثير : لأمانتهم على الواحد لقوله : « وعهدهم » . الباقون : بالجمع لقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } [ النساء : 58 ] . { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يداومون على فعلها ويراعون أوقاتها ، فأمر بالمحافظة عليها كما أمر بالخشوع فيها لذلك كرّر ذكر الصلاة . { أُوْلَـٰئِكَ } أهل هذه الصفة { هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } يوم القيامة منازل أهل الجنة من الجنة . وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد إلاّ وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله تعالى { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } " . وقال مجاهد : لكل واحد منزلان : منزل في الجنة ومنزل في النار ، فأمّا المؤمن فيبنى منزله الذي له في الجنة ، ويهدم منزله الذي هو في النار ، وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة ، ويبنى منزله الذي في النار . وقال بعضهم : معنى الوراثة هو أنّه يؤول أمرهم إلى الجنة وينالونها كما يؤول أمر الميراث إلى الوارث . { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } أي البستان ذا الكرم ، قال مجاهد : هي بالرومية ، عكرمة : هي الجنة بلسان الحبش ، السدّي : هي البساتين عليها الحيطان بلسان الروم . وفي الحديث : " إن حارثة بن سراقة قُتل يوم بدر فقالت أُمّه : يا رسول الله إن كان ابني من أهل الجنة لم أبك عليه ، وإن كان من أهل النار بالغت في البكاء ، فقال : " يا أُمّ حارثة إنّها جنان وإنّ ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى من الجنة " " . أخبرني أبو الحسن عبد الرَّحْمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها قال : حدَّثنا أبو عبد الله محمد بن يونس بن إبراهيم بن النضر المقري قال : حدَّثنا العباس بن الفضل المقري قال : حدَّثنا أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم قال : حدَّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال : حدّثني عبد الله بن لهيعة الحضرمي قال : حدَّثنا عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله سبحانه { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يعني قد سعد المصدّقون بتوحيد الله سبحانه ، ثم نعتهم ووصف أعمالهم فقال عزَّ من قائل { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } يعني متواضعين لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره ، ولا يلتفت من الخشوع لله { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } يعني الباطل والكذب { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } يعني الأموال كقوله سبحانه في الأعلى { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [ الأعلى : 14 ] يعني من ماله { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } يعني عن الفواحش ، ثم قال { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } يعني ولائدهم { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } لا يُلامون على جماع أزواجهم وولائدهم { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } فمن طلب الفواحش بعد الأزواج والولائد ما لم يحلّ { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } يعني المعتدين في دينهم { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ } يعني ما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الناس { وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } يعني حافظين يؤدّون الأمانة ويوفون بالعهود { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يعني يحافظون عليها في مواقيتها ، ثمَّ أخبر بثوابهم فقال { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } ثمَّ بين مايرثون فقال { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } يعني الجنة بلسان الرومية { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لا يموتون فيها . أخبرنا محمد بن عقيل القطان قال : أخبرنا حاجب بن أحمد بن سفيان قال : حدَّثنا محمد بن حماد البيوردي قال : حدَّثنا عبد الرزاق قال : أخبرني يونس بن سليم قال أملى علىّ صاحب ايلة عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرَّحْمن بن عبد القاري قال : " سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمع عند وجهه كدوىّ النحل ، فمكثنا ساعة فاستقبل ورفع يديه فقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تُهنّا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، ارض عنّا ، ثمَّ قال : لقد أُنزل علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة ، ثمَّ قرأ { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } عشر آيات " " .