Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 32-34)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } أي زوّجوا أيها المؤمنون مَن لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم { وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } وقرأ الحسن : من عبيدكم ، والأيامى جمع الأيّم وهو مَن لا زوج له من رجل وامرأة يقال : رجل أيّم وامرأة أيّم وأيّمة ، والفعل منه أمت المرأة تأيم أيمة أيوماً ، وتأيّمت تأيّماً ، قال الشاعر : @ ألم تر أنّ الله أظهر دينه وسعد بباب القادسيّة معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس منهن أيّم @@ وقال آخر : @ فإن تنكحي أنكحْ وإنْ تتأيمّي وإنْ كنت أفتى منكم أتأيّم @@ وفسّر بعض الفقهاء الآية على الحتم والإيجاب فأوجب النكاح على من استطاعه ، وتأوّلها الباقون على الندب والاستحباب وهو الصحيح المشهور والذي عليه الجمهور . قال الشافعي رضي الله عنه : واجب للرجل والمرأة أن يتزوّجا إذا تاقت أنفسهما إليه لأنَّ الله جلَّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه أمر به ورَضيه وندب إليه ، وبلغنا أنّ النبّي صلى الله عليه وسلم قال : " تناكحوا تكثروا فإنّي أُباهي بكم الأُمم حتى بالسقط " . وقال صلى الله عليه وسلم : " مَن أحبّ فطرتي فليستنَّ بسنّتي وهي النكاح ، وقال : إنَّ الرجل ليُرفع بدعاء ولده من بعده " . قال ( الشافعي ) : ومن لم تُتق نفسه إلى ذلك فأحبّ إلىّ أن يتخلّى لعبادة الله عزَّ وجل " . وذكر الله سبحانه القواعد من النساء وذكر عبداً أكرمه فقال عزَّ من قائل " وَسَيِّداً وَحَصُوراً " [ آل عمران : 39 ] والحصور : الذي لا يأتي النساء . ولم يندبهم إلى النكاح ، فدلَّ أنّ المندوب إليه من يحتاج إليه . باب ذكر بعض ما ورد من الأخبار في الترغيب في النكاح أخبرنا أحمد بن أُبي قال : أخبرنا عبد الله بن إسحاق الجرجاني قال : حدّثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قال : حدّثنا محمد بن يحيى الأزدي قال : حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرنا أشعث عن الحسن عن سمرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتّل . وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الحديثي قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا محمد بن صالح بن ذريح قال : حدّثنا جبارة بن المغلّس قال : حدّثنا جندل عن ابن جريح عن أبي المغلّس عن أبي نجيح السلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن كان له ما يتزوّج فلم يتزوج فليس منّا " . وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا مخلد بن جعفر الباقرحي قال : حدّثنا أحمد بن يعقوب المقرى ابن أخي عوف قال : حدّثنا جبارة بن المغلس قال : حدّثنا مندل عن يحيى بن عبد الرَّحْمن عن أبيه عن جده قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن أدرك له ولد وعنده ما يزوّجه فلم يزوّجه فأحدث فالإثم بينهما " . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا عبد الله بن عبد الرَّحْمن الدقّاق قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا أبو يوسف الصيدلاني قال : حدّثنا خالد بن إسماعيل عن عبيد الله عن صالح مولى التومة قال : قال أبو هريرة : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد للَقيت الله بزوجة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " شراركم عزّابكم " . وبإسناده عن صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا تزوّج أحدكم عجّ شيطانه ياويله : عصم ابن آدم منّي بثلثي دينه " . وأخبرني الحسن بن محمد قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدّثنا أبو زكريا يحيى بن علي بن خلف القطان قال : حدّثنا الحسين بن محمد قال : حدّثنا محمد بن ربيعة الكلابي قال : حدّثنا محمد بن ثابت العقيلي عن هارون بن رئاب عن أبي نجيح السلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مسكين مسكين رجل ليست له امرأة ، مسكينة امرأة ليس لها زوج " . قالوا : يا رسول الله وان كانت غنيّة من المال ؟ قال : " وإن كانت غنيّة من المال " . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن موسى قال : حدّثنا هشام بن عمار قال : حدّثنا حماد بن عبد الرَّحْمن قال : حدّثنا خالد بن الزبرقان عن سليمان بن حبيب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع لعنهم الله من فوق عرشه وأمّنت عليه ملائكته : الذي يحصر نفسه عن النساء فلا يتزوج ولا يتسرّى لئلاّ يولد له ، والرجل يتشبّه بالنساء وقد خلقه الله ذكراً ، والمرأة تتشبّه بالرجال وقد خلقها الله أُنثى ، ومضلّل المساكين " . قال خالد : يعني الذي يهزأ بهم يقول للمسكين : هلّم أعطك ، فإذا جاء يقول : ليس معي شيء ، ويقول للمكفوف : اتّق الدابّة وليس بين يديه شيء ، والرجل يُسئل عن دار القوم فيجهله . وأخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي قال : حدّثني أحمد بن سعيد بن يعقوب قال : أخبرنا بقية ابن الوليد قال : حدّثني معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عفيف ابن الحارث عن عطيّة بن بشر المازني قال : أتى عكاف بن وادعة الهلالي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عكاف ألك زوجة ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال : ولا جارية ؟ قال : لا . قال : وانت صحيح موسر ؟ قال : نعم والحمد لله . قال : فإنّك إذاً بين إخوان الشياطين إمّا أن تكون من رهبان النصارى ، وإمّا أن تكون مؤمناً فاصنع كما نصنع فإنّ من سنّتنا النكاح ، شراركم عزّابكم وأراذل موتاكم عزّابكم ، ما للشيطان في نفسه سلاح أبلغ من النساء ألا إنّ المتزوّجين هم المطهّرون المبرّؤون من الخنا ، ويحك يا عكاف إنّهن صواحب داود وصواحب أيّوب وصواحب يوسف عليهم السلام وصواحب كرسُف . قالوا : يا رسول الله ومن كرسُف ؟ قال : رجل كان يعبد الله سبحانه على ساحل من سواحل البحر ثلاثين عاماً ، يصوم النهار ويقوم الليل ، لا يفتر من صيام ولا قيام ، فكفر بالله العظيم من سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة ربّه عزَّ وجل فتداركه الله سبحانه بما سلف منه ، ويحك يا عكاف تزوّج فإنّك من المذنبين . قال : زوّجني من شئت قبل أن أبرح . قال : فإنّي قد زوّجتك على اسم الله كريمة بنت كلثوم الحميري " " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن المظفر البزاز قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد ابن موسى بن النعمان بمصر قال : حدَّثنا علي بن عبد الرَّحْمن بن المغيرة قال : حدّثنا أبو صالح كاتب الليث قال : حدّثنا أبو يحيى بن قيس عن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى على أُمّتي مائة وثمانون سنة فقد حلّت العزبة والعزلة والترهّب على رؤوس الجبال " . فصل فيمن يستحبّ ويختار من النساء أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الثقفي بقراءتي عليه في داري قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد قال : حدّثنا عبد الله بن عمر القواريري قال : حدّثنا عمر بن الوليد قال : سمعت معاوية بن يحيى يحدّث عن يزيد بن جابر عن جبير بن نفير عن عياض بن غنم الأشعري قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عياض لا تزوّجنّ عجوزاً ولا عاقراً فإنّي مكاثر " . وأخبرني الحسن بن محمد قال : حدّثنا برهان بن علي الصوفي قال : حدّثنا أبو بكر مردك ابن أحمد البردعي قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا إسحاق بن بشر الكاهلي قال : حدّثني عبد الله بن إدريس المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تزوّجوا الأبكار فإنّهنّ أعذب أفواهاً ، وأفتح أرحاماً ، وأثبت مودةّ " . وبإسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اراد أحدكم أن يتزوّج المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها فإنَّ الشعر أحد الجمالين " . وبه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تزوّجوا الزرق فإن فيهنّ يُمناً " . وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال : حدّثنا عبدان بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدّثنا عبد الله ابن صالح قال : حدّثنا محمد بن سليمان بن أبي كريمة قال : حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعظم نساء أُمّتي بركة أصبحهنّ وجهاً وأقلّهنّ مهراً " . فصل في الآداب الواردة في النكاح والزفاف أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا أبو موسى قال : أخبرنا أبو علي الشيباني قال : حدّثنا محمد بن رافع قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا عيسى بن ميمون عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " اعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليها بالدفاف وليولم أحدكم ولو بشاة " . وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان وعبد الله بن يوسف قالا : حدّثنا يوسف بن أحمد بن كركان القرماسيني قال : حدّثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال : حدّثنا أبو سلمة البصري العتكى القاسم بن عمر قال : حدّثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري عن الأوزاعي عن مكحول عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : حدَّثني معاذ بن جبل قال : شهدت ملاك رجل من الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وأملك الأنصاري ثمَّ قال : " على الألفة والخير والطير الميمون دَفّفوا على رأس صاحبكم ، وأقبلت السلال فيها الفاكهة والسكّر فنُهب عليهم فأمسك القوم فلم ينتهبوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أزين الحلم ألا تنتهبون ، فقالوا : يا رسول الله أنّك نهيتنا عن النهبة يوم كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّما نهيتكم عن نهبة العساكر ولم أنهكم عن نهبة الولائم ثم قال : ألا فانتهبوا " . قال معاذ بن جبل : فوالله لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يجُرّرنا ونُجرّره في ذلك النهاب . وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدَّثنا أبو العباس عبد الله بن أحمد بن حشيش البغدادي قال : حدّثنا عثمان بن معبد قال : حدّثنا عبد الله بن إبراهيم عن سفيان بن عامر العامري عن صافية مولاتهم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَسُّوا بالإملاك فإنّه أفضل في اليمن وأعظم في البركة " . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا طفران بن الحسين قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدّثنا أحمد بن يوسف بن سالم الازدي السلمي قال : حدّثنا حفص بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن إسحاق بن سهل بن أبي حنتمة عن أبيه " عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كانت عندي جارية من الأنصار في حجري فزوّجتها فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسمع غناء فقال : " يا عائشة ألا تغنّون عليها ، فانَّ هذا الحىّ من الأنصار يحبّون الغناء " " . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن ظهير بن ثمامة البزّار قال : حدّثنا أبو موسى بن المثّنى الزمر قال : حدّثنا حفص بن غياث عن ليث عن عطاء أنّ " النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه بعروس فقال : " لو كان مع هذا لهو " " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن أبي قال : حدّثنا محمد بن علي بن سالم الهمذاني قال : حدّثنا الحسن بن الحسين الرازي الهسنخاني قال : حدّثنا سعيد بن منصور قال : حدّثنا مسكين بن ميمون قال : حدّثني عروة بن رويم قال : بينا عبد الرَّحْمن بن قرط ينعسّ بحمص إذ مرّت عروس وقد أوقدوا النيران ، فضربهم بدرّية حتى تفرقوا عنها ، فلمّا أصبح قعد على منبره وقال : إنّ أبا جندلة نكح فصنع جفنات من طعام فرحم الله أبا جندلة وصلّى على آبائه ، ولعن الله أصحاب عروسكم أوقدوا النيران وتشبّهوا بأهل الشرك والله مطفئ نورهم يوم القيامة . { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال : حدّثني أبو زرعة قال : حدّثنا إبراهيم بن موسى الفرّاء قال : أخبرنا مسلم بن خالد عن سعيد بن أبي صالح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التمسوا الرزق بالنكاح " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر قال : حدّثنا أبو يوسف محمد ابن سفيان بن موسى الصفّار بالمصّيصة قال : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن ناصح قال : حدّثنا عبد العزيز الدراوردي عن ابن عجلان " أنَّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة فقال : " عليك بالباءة " ، وشكى رجل الى أبي بكر رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة فقال : عليك بالباءة ، وجاء رجل الى عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر فشكا إليه الحاجة فقال : عليك بالباءة ، كلّ يريد قوله سبحانه { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . قال ابن عجلان : وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنه : ابتغوا الغنى في النكاح . { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } عن الحرام { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ويوسّع عليهم من رزقه . { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ } أي المكاتبة وهي أن يقول الرجل لعبده أو أَمته : قد كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا في نجوم معلومة على أنّك إذا أدّيت ذلك فأنت حرّ ، فيرضى العبد بذلك فإن أدّى مال الكتابة بالنجوم التي سّماها كان حرّاً ، وإن عجز عن أداء ذلك كان لمولاه أن يردّه الى الرّقّ كما قال صلى الله عليه وسلم : " المكاتب عبد مابقي عليه درهم " وأصل الكلمة من الكتب وهو الضمّ والجمع ، ومنه الكتيبة وكتب البغل وكتب الكتاب ، فسمّي المكاتب مكاتباً لأنه يضم نجوم مال الكتابة بعضها إلى بعض . { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ } اختلف الفقهاء في حكم هذه الآية فقال قوم : هو أمر حتم وإيجاب فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم منه خيراً إذا سأله ذلك بقيمته وأُكثر ولو كان بدون قيمته لم يلزمه ، وهو قول عمرو بن دينار وعطاء ، وإليه ذهب داود بن علي ومحمد ابن جرير من الفقهاء وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، واحتّج من نصر هذا المذهب بما روى قتادة أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عليه ، فشكاه الى عمر فعلاه بالدّرة وأمره بالكتابة ، واحتجّوا أيضاً بأن هذه الآية نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزّى يقال له صبح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين فأدّاها وقتل يوم حنين في الحرب . وروى عن عمر أنّه قال : هي عزمة من عزمات الله ، من سأل الكتابة كوتب . وقال الآخرون : هو أمر ندب واستحباب ، ولا يلزم السيّد مكاتبة عبده سواء بذل له قيمته أو أكثر منها أو أقل ، وهو قول الشعبي والحسن البصري ، وإليه ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وسائر الفقهاء . وأمّا قوله سبحانه { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } فاختلفوا فيه ، فقال ابن عمر وابن زيد ومالك بن أنس : يعني قوّة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتب عليه ، وإليه ذهب الثوري . وروى الوالبي عن ابن عباس قال : إن علمت أنّ لهم حيلة ولا يلقون مؤونتهم على المسلمين . وقال الحسن ومجاهد والضحاك : مالاً ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، واستدلّوا بقوله { إِن تَرَكَ خَيْراً } [ البقرة : 180 ] . قال الخليل : لو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيراً . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا هارون بن محمد قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى الحماني قال : حدّثنا أبو خالدالأحمر عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان قال : قال له عبد : كاتبني ، قال : لك مال ؟ قال : لا ، قال : تطعمني أوساخ الناس فأبى عليه ، وقال إبراهيم وعبيدة وأبو صالح وابن زيد : يعني صدقاً ووفاء وأمانة ، وقال طاوس وعمرو بن دينار : مالاً وأمانة . وقال الشافعي : أظهر معاني الخير في هذه الآية الاكتساب مع الأمانة ، فأحبّ أن لايمتنع من مكاتبته إذا كان هكذا . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد العزيز العثماني وأبو النضر إسحاق بن إبراهيم قال : حدّثنا يحيى بن حمزة قال : أخبرني محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة حق على الله عونهم : رجل خرج في سبيل الله سبحانه ، ورجل تزوّج التماس الغنى عما حرّم الله عزّ وجلّ ، ورجل كاتب التماس الأداء " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا هارون بن محمد بن هارون قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا يحيى الحماني قال : حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة في قوله سبحانه { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } قال : إن أقاموا الصلاة . وقيل : هو أن يكون المكاتب بالغاً عاقلاً فأمّا المجنون والصبي فلا يصحّ كتابتهما لأنّهما ليسا من أهل الابتغاء ، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثلاث " الحديث . وقال أبو حنيفة : يصحّ كتابة الصبي إذا كان مراهقاً مميّزاً بناءً على أصله إذا كان مراهقاً كيّساً حراً فأذن له وليُّهُ في التصّرف نفذ تصرّفه ، كذلك السيّد مع عبده إذا كاتبه فقد أذن له في التصرّف فصحّت كتابته . واختلف الفقهاء في مال الكتابة ، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهُ : تصح الكتابة حالّة ومؤجلة لأنَّ الله سبحانه قال { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } ولم يشترط فيه أجلا ولأنّه عقد على عين فصحَّ حالاًّ ومؤجّلاً كالبيع . وقال الشافعي : لا تصحّ الكتابة حالّة وإنّما تصحّ إذا كانت مؤجّلةً ، وأقلّه نجمان . { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ } اختلفوا فيه فقال بعضهم : الخطاب للموالي وهو أن يحطّ له من مال كتابته شيئاً ، ثم اختلفوا في ذلك الشيء فقال قوم : هو ربع المال وهو قول علىّ ، وإليه ذهب الثوري . روى شعبة عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرَّحْمن السلمي أنّه كاتب غلاماً له على ألف ومائتين وترك الربع وأشهدني ثم قال لي : كان صديقك يفعل هذا ، يعني عليّاً كرم الله وجهه ، وقد روى ذلك مرفوعاً . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش المقري قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن موسى قال : حدّثنا يوسف بن سعيد بن مسلم قال : حدّثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن حبيب يعني أبا عبد الرَّحْمن السلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ } قال : " ربع المكاتبة " . وقال آخرون : ليس فيه حدّ إنّما هو إليه ، يحطّ عنه من مال كتابته شيئاً . روى أسباط عن السدّي عن أبيه قال : كاتبتني زينب بنت قيس بن مخرمة وكانت قد صلّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعاً على عشرة آلاف فتركت لي ألفاً ، وروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى ابن أُسيد قال : كاتبني أبو أسيد على ثنتي عشرة مائة فجئته بها فأخذ منها ألفاً وردّ علىّ مائتين . وقال نافع : كاتب عبد الله بن عمر غلاماً له يقال له شرقي على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع من آخر كتابته خمسه آلاف درهم . قال سعيد بن جبير : وكان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئاً من أوّل نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ، ولكنّه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ ، وعلى هذا القول قوله { وَآتُوهُمْ } أمر استحباب . وقال بعضهم : معناه وآتوهم سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله { وَفِي ٱلرِّقَابِ } [ التوبة : 60 ] وهو قول الحسن وزيد بن أسلم وابنه وعلى هذا التأويل هو أمر إيجاب . وقال بريدة وإبراهيم : هو حثّ لجميع الناس على معونتهم . أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدّثنا صفوان بن صالح قال : حدّثنا الوليد قال : حدّثني زهير عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَن أعان مكاتباً في رقبته أو غازياً في عسرته أو مجاهداً في سبيله أظله الله سبحانه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه " . وأخبرني ابن فنجوية قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا علي بن أحمد الواسطي قال : حدّثنا إسحاق بن منصور عن عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرَّحْمن الدالاني عن خارجة بن هلال عن أبي سعيد ورافع بن خديج وابن عمر قالوا : جاءنا غلام لعثمان رضي الله عنه يقال له كيّس فقال : قوموا إلى أمير المؤمنين فكلّموه أن يكاتبني فقلنا له : إنَّ غلامك هذا سألنا أن تكاتبه فقال : أخذته بخمسين ومائة يجيء بها وهو حر ، قال : فخرجنا فأعانه كل رجل منّا بشيء قال : كونوا بالباب ثم قال : ياكيّس تذكر يوم عركت أُذنك ، قلت : بلى يا سيّدي ، قال : ألم أنهك أن تقول يا سيدي ؟ قال : فلم يزل بي حتى ذكرت ، قال : قم فخذ بأذني قال : فأبيت فلم يزل بي حتى قمت فأخذت بأُذنه فعركتها وهو يقول : شُدّ شدّ حتى إذا رآني قد بلغت ما بلغ منّي قال : حسبك ثم قال : واهاً للقضاء في الدنيا ، أُخرج فأنت حرّ وما معك لك . { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ } الآية . نزلت في معاذة ومُسيكة جاريتي عبد الله بن أُبي المنافق ، كان يكرههما على الزنا بضريبة يأخذ منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية ، يؤاجرون إماءهم ، فلمّا جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه ، وإن يك شرّاً فقد آن لنا أن ندعه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية . وقال مقاتل : نزلت في ستّ جوار لعبد الله بن أُبىّ كان يكرههنّ على الزنا ويأخذ أُجورهن وهنّ معاذة ومسيكة وأُميمة وعمرة وأروى وقتيلة ، فجاءته إحداهنّ ذات يوم بدينار وجاءت أُخرى ببرد فقال لهما : ارجعا فازنيا فقالتا : والله لا نفعل قد جاءنا الله بالإسلام وحرّم الزنا ، فأتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا إليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية . وروى معمر عن الزهري أنّ عبد الله بن أُبي أسر رجلاً من قريش يوم بدر ، وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة فكان القرشي الأسير يريدها على نفسها وكانت مسلمة ، فكانت تمتنع منه وكان ابن أُبىّ يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده ، فأنزل الله سبحانه { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ } إماءكم { عَلَى ٱلْبِغَآءِ } أي الزنا . { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } يعني إذ وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههنّ على الزنا إن لم يردن تحصُّناً ، ونظيره قوله سبحانه { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 278 ] وقوله { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] أي إذ ، وقوله { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } [ الفتح : 27 ] يعني إذ شاء الله والتحصّن : التعفّف . وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها { وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصّناً } ثم قال { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ } بعد ورود النهي { فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ } لهنّ { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والوزر على المكره ، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : لهنّ والله لهن . { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً } خبراً وعبرة { مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } .