Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-31)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } الآية . أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا الحسين ابن يحيويه قال : حدّثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي سفيان قالا : حدّثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدّثنا قيس عن أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت قال : جاءت امرأة من الأنصار فقالت : يا رسول الله إنّي أكون في بيتي على حال لا أُحبّ أن يراني عليها أحد والد ولا ولد ، فيأتي الأب فيدخل عليَّ ، وإنّه لا يزال يدخل عليَّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع ؟ فنزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } الآية . وقال بعض المفسّرين : حتى تستأنسوا أي تستأذنوا . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّه قال : إنّما هو حتى تستأذنوا ولكن اخطأ الكاتب ، وكان أُبيّ بن كعب وابن عباس والأعمش يقرأونها كذلك حتّى تستأذنوا ، وفي الآية تقديم وتأخير تقديرها : حتى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا ، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وهو أن يقول : السلام عليكم أأدخل ؟ روى يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد الثقفي " أنّ رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أألجُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة يقال لها روضة : قومي إلى هذا فعلّميه فإنّه لا يُحسن يستأذن فقولي له : تقول : السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعها الرجل فقالها ، فقال : ادخل . " وقال مجاهد والسدّي : هو التنحنح والتنخّم . روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الخزاز عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عن زينب قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى الى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منها على أمر يكرهه . عكرمة : هو التسبيح والتكبير ونحو ذلك . أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن خرجة قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال : حدّثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال : حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي أيوب الأنصاري قال : قلنا يا رسول الله ما الاستيناس الذي يريد الله سبحانه { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } قال : يتكلّم الرجل بالتكبيرة التسبيحة والتحميدة ، يتنحنح يؤذن أهل البيت . وقال الخليل : الاستيناس : الاستبصار من قوله { ۤ آنَسْتُ نَاراً } [ طه : 10 ] . وقال أهل المعاني : الاستيناس : طلب الأُنس وهو أن ينظر هل في البيت أحد يؤذنه أنه داخل عليهم ، يقول العرب : اذهب فاستأنس هل ترى أحداً في الدار ؟ أي انظر هل ترى فيها أحداً ؟ ويروى أنّ أبا موسى الأشعري أتى منزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فقال عمر : واحدة ، فقال أبو موسى : السلام عليكم أأدخل ؟ فقال عمر : ثنتان ، قال أبو موسى : السلام عليكم أأدخل ؟ ومرّ ، فوجّه عمر بن الخطاب رضى الله عنه خلفه من ردّه فسأله عن صنيعه فقال : إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الاستيذان ثلاثة فإن أذنوا وإلاّ فارجع " . فقال عمر : لتأتيني بالبيّنة أو لاعاقبنّك ، فانطلق أبو موسى فأتاه بمن سمع ذلك معه . وعن عطاء بن يسار " أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أستأذن على اَمّي ؟ قال : " نعم " ، قال : " إنها ليس لها خادم غيري أفأستأذن كلمّا دخلت ؟ قال : " أتحبّ أن تراها عريانة " ؟ قال الرجل : لا ، قال : " فاستأذن عليها " . وأخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن وهب قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا جرير بن عبد الحميد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اطّلع في بيت بغير إذنهم فقد حلّ لهم ان يفقأوا عينه " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شبّه قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا أبو بكر قال : حدّثنا ابن عيينة عن الزهري أنه سمع سهل بن سعد يقول : اطّلع رجل في حجرة من حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مدرىً يحكّ به رأسه ، فقال : " لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك ، إنّما الاستيذان من النظر " . { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ } أي في البيوت { أَحَداً } يأذن لكم في دخولها { فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ } ولا تقفوا على أبوابهم ولا تلازموها { هُوَ } أي الرجوع { أَزْكَى } أطهر وأصلح { ٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } . فلمّا نزلت هذه الآية قال أبو بكر : يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن ؟ فأنزل الله سبحانه { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } بغير استيذان { فِيهَا مَتَاعٌ } منفعة { لَّكُمْ } واختلفوا في هذه البيوت ما هي ؟ فقال قتادة : هي الخانات والبيوت المبنيّة للسائلة ليأووا إليها ويؤوا أمتعتهم إليها . قال مجاهد : كانوا يضعون بطرق المدينة أقتاباً وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد ، وكانت الطرق إذ ذاك آمنةً فأحلّ لهم أن يدخلوها بغير إذن . محمد بن الحنفيّة : هي بيوت مكة ، ضحّاك : الخربة التي يأوي المسافر اليها في الصيف والشتاء ، عطاء : هي البيوت الخربة ، والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من الخلاء والبول ، ابن زيد : بيوت التجّار وحوانيتهم التي بالأسواق ، ابن جرير : جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن لها على العموم لأنّ الاستيذان إنما جاء لئلاّ يهجم على مالا يحب من العورة ، فإذا لم يخف ذلك فلا معنى للاستيذان . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ * قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ } يكفّوا { مِنْ أَبْصَارِهِمْ } عن النظر الى مالا يجوز ، واختلفوا في قوله { مِنْ } فقال بعضهم : هو صلة أي يغضّوا أبصارهم ، وقال آخرون : هو ثابت في الحكم لأنّ المؤمنين غير مأمورين بغضّ البصر أصلا ، وإنّما أُمروا بالغضّ عمّا لا يجوز . { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } عمّن لا يحلّ ، هذا قول أكثر المفسّرين . وقال ابن زيد : كلّ مافي القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلاّ في هذا الموضع فإنّه أراد الاستتار يعني : ويحفظوا فروجهم حتى لا ينظر إليها . ودليل هذا التأويل إسقاط من { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ } عليم { بِمَا يَصْنَعُونَ } . أخبرني ابن فنجويه في داري قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا قال : حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدّثنا إسماعيل بن جعفر قال : حدّثنا عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن عبادة بن الصامت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اضمنوا لي ستّاً من أنفسكم اضمن لكم الجنة : اصُدقوا إذا حدّثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدّوا ما ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضّوا أبصاركم ، وكفّوا أيديكم " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا عبد الوارث قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عنبسة بن عبد الرَّحْمن قال : حدّثنا أبو الحسن أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النظر إلى محاسن المرأة سهم من نبال إبليس مسموم ، فمن ردّ بصره ابتغاء ثواب الله عز وجل أبدله الله بذلك عبادة تسرُّه " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدَّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا سهل بن صالح الأنطاكي قال : حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يصلّي إذ مرّت به امرأة فنظر إليها وأتبعها بصره فذهب عيناه " . { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } عما لا يجوز { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } عمّا لا يحلّ ، وقيل : ويحفظن فروجهن أي يسترنها حتى لا يراها أحد . { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } ولا يظهرن لغير محرم زينتهن ، وهما زينتان : أحداهما ما خفي كالخلخالين والقرطين والقلائد والمعاصم ونحوها ، والأُخرى ما ظهر منها ، واختلف العلماء في الزينة الظاهرة التي استثنى الله سبحانه ورخّص فيها فقال ابن مسعود : هي الثياب ، وعنه أيضاً : الرداء ، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [ الأعراف : 31 ] أي ثيابكم . وقال ابن عباس وأصحابه : الكحل والخاتم والسوار والخضاب ، الضحّاك والأوزاعي : الوجه والكفّان ، الحسن : الوجه والثياب . روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلاّ وجهها ويدها إلى ههنا " وقبض على نصف الذراع ، وإنّما رخّص الله سبحانه ورخّص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنّه ليس بعورة ، فيجوز لها كشفه في الصلاة ، وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره . { وَلْيَضْرِبْنَ } وليلقين { بِخُمُرِهِنَّ } أي بمقانعهن وهي جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة { عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } وصدورهن ليسترن بذلك شعورهنّ وأقراطهنّ وأعناقهن . قالت عائشة : يرحم الله النساء المهاجرات الأُوَل لمّا أنزل الله سبحانه هذه الآية شققن أكتف مروطهنّ فاختمرن به . { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } الخفيّة التي أُمرن بتغطيتها ، ولم يبح لهنّ كشفها في الصلاة وللأجنبيين ، وهي ما عدا الوجه والكفّين وظهور القدمين { إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ } أي نساء المؤمنين فلا يحلّ لامرأة مسلمة أن تتجرّد بين يدي امرأة مشركة إلاّ أن تكون أَمة لها فذلك قوله سبحانه { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } . عن ابن جريج : روى هشام بن الغار عن عبادة بن نُسيّ أنه كره أن تقبّل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ويتأوّل أو نسائهن . وقال عبادة : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح : أما بعد فقد بلغني أنَّ نساء يدخلن الحمّامات معهنّ نساء أهل الكتاب فامنع ذلك وحُل دونه . قال : ثم إنّ أبا عبيدة قام في ذلك المقام مبتهلاً : اللهم أيّما امرأة تدخل الحمّام من غير علّة ولا سقم تريد البياض لوجهها فسوّد وجهها يوم تبيّض الوجوه . وقال بعضهم : أراد بقوله { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } مماليكهنّ وعبيدهنّ فإنّه لا بأس عليهن أن يظهرن لهم من زينتهنّ ما يظهرن لذوي محارمهنّ . { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ } وهم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم في النساء ولا يستهوونهنَّ . قال ابن عباس : هو الذي لا تستحيي منه النساء ، وعنه : الأحمق العنّين . مجاهد : الأبله الذي لا يعرف شيئاً من النساء ، الحسن : هو الذي لا ينتشر ( زبه ) سعيد بن جبير : المعتوه ، عكرمة : المجبوب ، الحكم بن أبان عنه : هو المخنث الذي لا يقوم زبّه . روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، وكانوا يعدّونه من غير أُولي الإربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال : " إنّها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان " . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أرى هذا يعلم ما ههنا ، لا يدخلنّ هذا عليكم " فحجبوه . " ابن زيد : هو الذي يتبع القوم حتى كأنه منهم ونشأ فيهم وليس له في نسائهم إربة ، وإنما يتبعهم لإرفاقهم إياّه ، والإربة والإرب : الحاجة يقال : أربتُ الى كذا آرَبُ إرباً إذا احتجت إليه ، واختلف القرّاء في قوله { غَيْرِ } فنصبه أبو جعفر وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والمفضل ، وله وجهان : أحدهما : الحال والقطع لأنّ التابعين معرفة وغير نكرة . والآخر : الاستثناء ويكون { غَيْرِ } بمعنى إلاّ . وقرأ الباقون بالخفض على نعت التابعين . { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } أي لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن فيطّلعوا عليها ، والطفل يكون واحداً وجمعاً . { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } يعني ولا يحرّكُنها إذا مشين { لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } يعني الخلخال والحلي { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً } من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل : معناه راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة .