Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 39-44)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ ضرب لأعمال الكافرين مثلا فقال عزَّ من قائل { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ } وهو الشعاع الذي تراه نصف النهار في البراري عند شدّة الحرّ كأنّه ماء فإذا قرب منه الإنسان انفشّ فلم ير شيئاً ، وسمّي سراباً لأنّه ينسرب أي يجري كالماء . { بِقِيعَةٍ } وهو جمع القاع مثل جار وجيرة ، والقاع : المنبسط الواسع من الأرض وفيه يكون السراب . { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ } يظنّه العطشان { مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ } يعني ما قدّر أنّه ماء فلم يجده على ما قدّر ، وقيل : معناه جاء موضع السراب فاكتفى بذكر السراب عن موضعه ، كذلك الكافر يحسب أنّ عمله مغنى عنه أو نافعه شيئاً فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى عنه شيئاً ولا نفعه { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ } أي وجد الله بالمرصاد عند ذلك { فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } جزاء عمله ، { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ } . وهذا مثل آخر ضربه اللّه تعالى لأعمال الكفّار أيضاً يقول : مثل أعمالهم في خطائها وفسادها ، وضلالتهم وجهالتهم وحيرتهم فيها كظلمات { فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } وهو العميق الكثير الماء وذلك أشدّ ظلمة ، ولجّة البحر : معظمه { يَغْشَاهُ } يعلوه { مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } متراكم { مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } قرأ ابن كثير برواية النبّال والفلنجي سُحاب بالرفع والتنوين ، ظلمات بالجرّ على البدل من قوله أو كظلمات . روى البّزي عنه ، سحاب ، ظلمات بالاضافة وقرأ الآخرون : سحاب ، ظلمات كلاهما بالرفع والتنوين ، وتمام الكلام عند قوله { سَحَابٌ } . ثمَّ ابتدأ فقال { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر . قال المفسّرون : أراد بالظلمات أعمال الكافر ، وبالبحر اللجّي قلبه ، وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة ، وبالسحاب الرَّين والختم والطبع على قلبه . قال أُبي بن كعب في هذه الآية : الكافر ينقلب في خمس من الظلم : فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ومدخله ، ظلمة ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار . { إِذَآ أَخْرَجَ } يعني الناظر { يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } أي لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمات . وقال الفرّاء : كادَ صلة أي لم يرها كما تقول : ما كدت أعرفه ، وقال المبرّد : يعني لم يرها إلاّ بعد الجهد كما يقول القائل : ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه ولكن بعد يأس وشدّة ، وقيل : معناه قرب من الرؤية ولم يُرَ ، كما يقال : كاد العروس يكون أميراً ، وكاد النعام يطير . { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } يعني مَن لم يهده الله فلا إيمان له . قال مقاتل : نزلت في عتبة بن ربيعة بن أُميّة ، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح ثم كفر في الإسلام . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن إبراهيم العدل قال : حدّثنا أبو الحسين محمد بن منصور الواعظ قال : حدّثنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد قال : حدّثنا محمد ابن يونس الكديمي قال : حدّثنا عبيد الله بن عائشة قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُنَّ الله تعالى خلقني من نوره ، وخلق أبا بكر من نوري ، وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر ، وخلق المؤمنين من أُمّتي من الرجال من نور عمر ، وخلق المؤمنات من أُمّتي من النساء من نور عائشة ، فمَن لم يحبّني ويحبّ أبا بكر وعمر وعائشة فما له من نور ، فنزلت عليه { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } " . { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ } أجنحتهنّ في الهواء { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } قال المفسّرون : الصلاة لبني آدم ، والتسبيح عام لغيرهم من الخلق وفيه وجوه من التأويل : أحدها : كلّ مصلّ ومسبّح قد علم الله صلاته وتسبيحه . والثاني : كلّ مسبّح ومصلَ منهم قد علم صلوة نفسه وتسبيحه الذي كلّفه الله ، وقد علم كلّ منهم صلاة الله من تسبيحه . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي تقديرها وتدبير أُمورها وتصريف أحوالها كما يشاء { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي } يسوق { سَحَاباً } الى حيث يريد { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أي يجمع بين قطع السحاب المتفرّقة بعضها إلى بعض ، والسّحاب جمع ، وإنما ذكر الكناية على اللفظ { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } متراكماً بعضه فوق بعض { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } وسطه وهو جمع خلل ، وقرأ ابن عباس والضحاك من خَللهِ . { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } أي البرد ، ومن صلة ، وقيل : معناه وينزل من السماء قدر جبال أو مثال جبال من برد إلى الأرض ، فمِن الأُولى للغاية لأنّ ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية : للتبعيض لأنّ البرد بعض الجبال التي في السماء ، والثالثة : لتبيين الجنس لأنّ جنس تلك الجبال جنس البرد { فَيُصِيبُ بِهِ } أي بالبرد { مَن يَشَآءُ } فيهلكه ويهلك زروعه وأمواله ، { وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } أي ضوء برق السحاب { يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } من شدّة ضوئه وبريقه ، وقرأ أبو جعفر : يُذهب بضم الياء وكسر الهاء ، غيره : من الذهاب . { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يصرفهما في اختلافهما ويعاقبهما { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الذي ذكرت من هذه الاشياء { لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } لذوي العقول . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عزَّ وجل : يؤذيني ابن آدم بسبّ الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أُقلّب الليل والنهار " .