Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 45-55)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ } خالق على الاسم كوفي غير عاصم ، الباقون : خَلَق كلّ دابّة على الفعل { مِّن مَّآءٍ } أي من نطفة ، وقيل : إنما قال { مِّن مَّآءٍ } لأنَّ أصل الخلق من الماء ، ثم قلب بعض الماء الى الريح فخلق منها الملائكة ، وبعضه إلى النار فخلق منه الجن ، وبعضه إلى الطين فخلق منه آدم . { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } كالحيّات والحيتان { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ } كالطير { وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ } قوائم كالأنعام والوحوش والسباع ولم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع لأنّه كالذي يمشي على أربع في رأي العين . { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } كما يشاء { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( * ) لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( * ) وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } يعني المنافقين { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } ويدعو الى غير حكم الله . قال الله سبحانه وتعالى { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } نزلت هذه الآيات في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجرّه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما ، وجعل المنافق يجرّه الى كعب بن الأشرف ويقول : إنّ محمّداً يحيف علينا ، فذلك قوله { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } الرسول بحكم الله { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } مطيعين منقادين لحكمه { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ } يعني أنّهم كذلك فجاء بلفظ التوبيخ ليكون أبلغ في الذمّ ، كقول جرير في المدح : @ ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح @@ يعني أنتم كذلك . { أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } أي يظلم { بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } لأنفسهم بإعراضهم عن الحق والواضعون المحاكمة في غير موضعها . { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي الى كتاب الله { وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } نصب القول على خبر كان واسمه في قوله { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون * وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } وذلك أنّ المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك ، إن أقمت أقمنا وإن خرجت خرجنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال الله سبحانه { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } أي هذه طاعة بالقول واللسان دون الاعتقاد فهي معروفة منكم بالكذب أنكم تكذبون فيها ، وهذا معنى قول مجاهد ، وقيل : معناه طاعة معروفة أمثل وأفضل من هذا القسم الذي تحنثون فيه . { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من طاعتكم ومخالفتكم . { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن طاعة الله ورسوله والاذعان بحكمهما { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ } أي على الرسول { مَا حُمِّلَ } كُلّف وأُمر به من تبليغ الرسالة { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } من طاعته ومتابعته { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } . سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن عقيل الورّاق في آخرين قالوا : سمعنا أبا عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري يقول : من أمّر السنّة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ، ومن أمرّ الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة لقول الله سبحانه { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } . { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ * وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } إنما أدخل اللام بجواب اليمين المضمر لأنّ الوعد قول ، مجازها وقال الله سبحانه { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } والله ليستخلفنّهم في الأرض أي ليورثنّهم أرض الكفّار من العرب والعجم ، فيجعلهم ملوكها وسائسيها وسكّانها . { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني بني إسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم ، وقرأه العامة : كما استخلف بفتح التاء واللام لقوله سبحانه { وَعَدَ ٱللَّهُ } وقوله { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } . وروى أبو بكر عن عاصم بضم التاء وكسر اللام على مذهب ما لم يَسمَّ فاعله . { وَلَيُمَكِّنَنَّ } وليوطّننّ { لَهُمْ دِينَهُمُ } ملّتهم التي ارتضاها لهم وأمرهم بها { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } قرأ ابن كثير وعاصم ويعقوب بالتخفيف وهو اختيار أبي حاتم ، غيرهم : بالتشديد وهما لغتان . وقال بعض الأَئمة : التبديل : تغيير حال الى حال ، والإبدال : رفع شيء وجعل غيره مكانه { مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ } بهذه النعمة { بَعْدَ ذٰلِكَ } وآثر يعني الكفر بالله { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . روى الربيع عن أبي العالية في هذه الآية قال : " مكث النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين خائفاً يدعو الى الله سراً وعلانية ثم أُمر بالهجرة الى المدينة ، فمكث بها هو أصحابه خائفين يصبحون في السلاح ويمسون فيه ، فقال رجل : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنّا السلاح فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تغبرّون إلاّ يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس فيه حديده " . " وأنزل الله سبحانه هذه الآية فأنجز الله وعده وأظهره على جزيرة العرب ، فآمنوا ثم تجبّروا وكفروا بهذه النعمة وقتلوا عثمان بن عفان ، فغيّر الله سبحانه ما بهم وأدخل الخوف الذي كان رفعه عنهم . وقال مقاتل : لمّا رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبيّة حزن أصحابه فأطعمهم اللّه نخل خيبر ، ووعدهم أن يدخلوا العام المقبل مكة آمنين ، وأنزل هذه الآية . قلت : وفيها دلالة واضحة على صحّة خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وإمامة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم . روى سعيد بن جهمان عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة من بعدي ثلاثون ثم يكون مُلكاً " . قال سفينة : أمسك خلافة أبي بكر سنتين ، وعمر عشراً ، وعثمان ثنتي عشرة ، وعليّ ستة . وأخبرنا أبو عبد الله عبد الرَّحْمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها قال : أخبرنا شافع بن محمد قال : حدّثنا ابن الوشّاء قال : حدّثنا ابن إسماعيل البغدادي قال : حدّثنا محمد بن الصباح قال : حدّثنا هشيم بن بشير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بعدي في أُمّتي في أربع : أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ " .