Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 192-220)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } يعني القرآن { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } قرأ الحجازيّون وأبو عمر بتخفيف الزاي ورفع الحاء والنون يعنون جبرئيل ( عليه السلام ) بالقرآن ، وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي نزّل الله جبرئيل ( عليه السلام ) ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لقوله { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ } وهو مصدر نزّل ، على قلبك يا محمد حتى وعيته . { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ } يعني نزل بلسان { عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ * وَإِنَّهُ } يعني ذكر القرآن وخبره عن أكثر المفسرين وقال مقاتل : يعني ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته { لَفِي زُبُرِ } كتب { ٱلأَوَّلِينَ } وقرأ الأعمش زُبر بجزم الباء ، وغيره بالرفع . { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً } قرأ ابن عامر تكن بالتاء { آيَةً } بالرفع ، غيره تكن بالتاء آيةً بالنصب ، ومعنى الآية أولم يكن لهؤلاء المنكرين دلالة وعلامة { أَن يَعْلَمَهُ } يعني محمداً { عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . عبد الله بن سلام وأصحابه قال ابن عباس : بعث أهل مكة الى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن هذا لزمانه وإنّا نجد في التوراة نعته وصفته وكان ذلك آية لهم على صدقه . { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ } يعني القرآن { عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } هو جمع الأعجم ، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان منسوباً الى العرب ، وتأنيثه عجماء ، وجمعه عجم ، ومنه قيل للبهائم عجم أنها لا تتكلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العجماء جرحها جُبار " فإذا أردت أنه منسوب إلى العجم قلت : عجمي . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال : حدّثنا سهل بن علي قال : حدّثنا أبو عمر قال : حدّثنا شجاع بن أبي نصر عن عيسى بن عمر عن الحسن أنّه قرأ « ولو نزّلناه على بعض الأعجميين » مشدّدة بيائين ، جعله نسبة ومعنى الآية : ولو نزّلناهُ على رجل ليس بعربي اللسان فقرأهُ عليهم بغير لغة العرب لما كانوا به مؤمنين ، وقالوا : ما نفقه قولك نظيرهُ قوله سبحانه { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } [ فصلت : 44 ] ، وقيل معناه : ولو نزّلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتّباعه . { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } أي أدخلنا القرآن { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } لتقوم الحجة عليهم ، وقيل : يعني سلكنا الكفر في قلوب المجرمين { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } . قال الفرّاء : من شأن العرب إذا وضعت ( لا ) موضع ( كي ) في مثل هذا ربّما جزمت ما بعدها وربّما رفعت فتقول : ربطت الفرس لا ينفلت جزماً ورفعاً ، وأوثقت العبد لا يأبق في الجزم على تأويل إن لم أربطه انفلت ، وإن لم أُوثقه فرَّ ، والرفع على أنّ الجازم غير ظاهر . أنشد بعض بني عقيل : @ وحتى رأينا أحسن الود بيننا مساكنة لا يقرف الشر قارف @@ ينشد رفعاً وجزماً ، ومن الجزم قول الراجز : @ لطال ما حلأتماها لا ترد فخليّاها والسجال تبترد @@ { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم } قراءة العامة بالياء يعنون العذاب . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : أخبرنا أبو العباس عبد الرَّحْمن بن محمد ابن حماد الطهراني قال : أخبرنا أبو زكريا يحيى بن الفضل الحرمي قال : حدّثنا وهب بن عمرو النمري قال : أخبرنا هارون بن موسى العتكي قال : حدّثنا الحسام عن الحسن أنه قرأ { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً } بالتاء فقال له رجل : يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة فانتهره الحسن وقال : إنّما هي الساعة . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } . قال مقاتل : فقال المشركون : يا محمد إلى متى توعدنا بالعذاب ؟ فأنزل الله عزَّ وجل { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } في الدنيا ولم نهلكهم { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } يعني العذاب { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ * وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } رُسل ينذرونهم { ذِكْرَىٰ } أي ينذرونهم تذكرة محلّها نصب ، وقيل رفع أي تلك ذكرى . { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } في تعذيبهم حيث قدّمنا الحجّة عليهم وأعذرنا إليهم . { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } بل نزل به الروح الامين ، وقراءة العامّة الشياطين بالياء في جميع القرآن لأن نونه سنخية وهجاؤه واحد كالدهاقين والبساتين . وقرأ الحسن البصري ومحمد بن السميدح اليماني : الشياطون بالواو وقال الفراء : غلط الشيخ يعني الحسن فقيل : ذلك النضر بن شميل فقيل : إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة ودونهما فهلاّ جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه ؟ مع إنّا نعلم أنهما لم يقرآ ذلك إلاّوقد سمعا فيه . وقال المؤرّخ : إن كان اشتقاق الشياطين من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه . وأخبرني عمر بن شبّه قال : سمعت أبا عبيد يقول : لم نعب على الحسن في قراءته إلاّ قوله : وما تنزّلت به الشياطون . وبإسناده عن عمر بن شبّه قال : حدّثنا أبو حرب البابي من ولد باب قال : جاء أعرابي إلى يونس بن حبيب فقال : أتانا شاب من شبابكم هؤلاء فأتى بنا هذا الغدير فأجلسنا في ذات جناحين من الخشب فأدخلنا بساتين من وراءها بساتون . قال يونس : ما أشبه هذا بقراءة الحسن . { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ } أن ينزلوا القرآن { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } ذلك { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ } أي استراق السمع من السماء { لَمَعْزُولُونَ } وبالشهب مرجومون { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال : حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمر قال : حدّثني عبّاد بن يعقوب قال : حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال : لمّا نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً ، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس ، فأمر عليّاً برِجْل شاة فأدمها ثم قال : ادنُوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم : اشربوا باسم الله ، فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال : هذا ما يسحركم به الرجل ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يتكلّم . ثمَّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من الله سبحانه والبشير لما يجيء به أحد منكم ، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ، ومَن يواخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيي بعدي ، وخليفتي في أهلي ويقضي ديني ؟ فسكت القوم ، وأعاد ذلك ثلاثاً كلّ ذلك يسكت القوم ، ويقول علي : أنا فقال : " أنت " فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أُمِّر عليك " . وأخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني ومحمد بن عبد الله بن حمدون قالا : أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال : حدّثنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيّب وأبو سلمة بن عبد الرَّحْمن أنَّ أبا هريرة قال : " قام النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله سبحانه { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } قال : " يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله ، لا أُغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أُغني عنكم من الله شيئاً ، يا فاطمة بنت محمد لا أُغني عنكِ من الله شيئاً ، يا صفيّة عمّة رسول الله لا أُغني عنك من الله شيئاً ، فسلوني من مالي ما شئتم " " . وأخبرني عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا عبد الله بن هاشم قال : حدّثنا عبد الله قال : حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " لمّا أنزل الله سبحانه { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صباحاه ، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني ؟ قالوا : نعم قال : فإني نذيركم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تبّاً لك سائر اليوم ، ما دعوتنا إلاّ لهذا ، فأُنزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [ المسد : 1 ] " . { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ } فليّن جانبك { لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } من عبادة الأوثان ومعصية الرحمن . { وَتَوكَّلْ } بالفاء أهل المدينة والشام وكذلك هو في مصاحفهم ، وغيرهم بالواو أي وتوكل { عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ليكفيك كيد أعدائك . { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } إلى صلاتك عن أكثر المفسّرين . وقال مجاهد : الذي يراك أينما كنت { وَتَقَلُّبَكَ } ويرى تقلّبك في صلوتك في حال قيامك وقعودك وركوعك وسجودك . قال عكرمة وعطيّة عن ابن عباس ، وقال مجاهد : ويرى تقلّبك في المصلّين أي إبصارك منهم من هو خلفك كما تبصر من هو أمامك . قال : وكان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن قال : حدّثنا السلمي وأحمد بن حفص وعبد الله الفرّاء وقطن قالوا : حدّثنا حفص قال : حدّثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتمّوا الركوع والسجود فوالله إنّي لأراكم من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم " . وقال قتادة وابن زيد ومقاتل والكلبي : يعني وتصرّفك مع المصلّين في أركان الصلاة في الجماعة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ، وهي رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : وتصرّفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله ، والساجدون في هذا القول : الأنبياء . وقال الحسن : يعني وتصرّفك وذهابك ومجيئك في أصحابك والمؤمنين . أخبرني أبو سهل عبد الملك بن محمد بن أحمد بن حبيب المقري قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى ، قال : حدّثنا زنجويه بن محمد ، قال : حدّثنا علىّ بن سعيد النسوي أبو عاصم عن صهيب عن عكرمة عن ابن عباس { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } قال : من نبي الى نبيّ حتى أخرجك في هذه الأُمة . وحدَّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن سهل الماسرخسي الفقيه إملاءً قال : أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة قال : حدّثنا الحسن بن بشر قال : حدّثنا سعدان بن الوليد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في قوله سبحانه { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أُمّهُ . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لقراءتك { ٱلْعَلِيمُ } بعملك .