Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-9)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ طسۤمۤ } اختلف القرّاء فيها وفي أُختَيها فكسر الطاء فيهن على الإمالة حمزة والكسائي وخلف وعاصم في بعض الروايات . وقرأ أهل المدينة بين الكسر والفتح وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقرأ غيرهم بالفتح على التضخيم ، وأظهر النون في السين ههنا وفي سورة القصص أبو جعفر وحمزة للتبيين والتمكين ، وأخفاها الآخرون لمجاورتها حروف الفم . وأمّا تأويلها فروى الوالبي عن ابن عباس قال : طسم قسم وهو من اسماء الله سبحانه ، عكرمة عنه : عجزت العلماء عن علم تفسيرها . مجاهد : اسم السورة . قتادة وأبو روق : اسم من أسماء القرآن أقسم الله عزّ وجلّ به ، القرظي أقسم الله سبحانه بطَوله وسنائه وملكه . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثني أحمد بن عبيد الله بن يحيى الدارمي قال : حدّثني محمد بن عبده المصّيصي قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي قال : حدّثنا محمد بن بشر الرقّي قال : حدّثنا أبو عمر حفص بن ميسرة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية طسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطاء طور سيناء والسين الاسكندرية والميم مكة " . وقال جعفر الصادق ( عليه السلام ) : الطاء طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم { تِلْكَ آيَاتُ } أي هذه آيات { ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ } قاتلٌ { نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } وذلك حين كذّبه أهل مكة فشق ذلك عليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، نظيرها في الكهف . { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } ذليلين قال : لو شاء الله سبحانه لأنزل عليهم آية يذلّون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله عزَّ وجل ، ابن جريج : لو شاء لأراهم أمراً من أمره لا يعمل أحد منهم بمعصية . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبّان قال : حدّثنا إسحاق بن محمد قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال : حدّثنا علي بن علي قال : حدّثني أبو حمزة الثمالي في هذه الآية قال : بلغنا والله أعلم أنّها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان يخرج له العواتق من البيوت . وبه عن أبي حمزة قال : حدّثني الكلبي عن أبي صالح مولى أم هاني أنّ عبد الله بن عباس حدّثه قال : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أُمّية قال : سيكون لنا عليهم الدولة فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة ، وهوان بعد عزة . وأمّا قوله سبحانه { خَاضِعِينَ } ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ففيه وجوه صحيحة من التأويل : أحدها : فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم لأنّ الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ، فجعل الفعل أوّلاً للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال ، كقول الشاعر : @ على قبضة مرجودة ظهر كفّه فلا المرء مستحي ولا هو طاعم @@ فأنّث فعل الظهر لأنّ الكفّ تجمع الظهر وتكفى منه كما أنّك مكتف بأن تقول : خضعت للأمر أن تقول : خضعتْ لك رقبتي ، ويقول العرب : كلّ ذي عين ناظر إليك وناظرة إليك لأنّ قولك : نظرتْ إليك عيني ونظرتُ بمعنى واحد ، وهذا شائع في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويعمد الى الآخر فيجعل له الخبر كقول الراجز : @ طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي @@ فأخبر عن الليالي وترك الطول ، قال جرير : @ أرى مرّ السنين أخذن منّي كما أخذ السرار من الهلال @@ وقال الفرزدق : @ نرى أرماحهم متقلّديها إذا صدئ الحديد على الكماة @@ فلم يجعل الخبر للأرماح وردّه الى هم لكناية القوم وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط من وطول والأرماح من الكلام لم يفسد سقوطها معنى الكلام ، فكذلك رد الفعل الى الكناية في قوله أعناقهم ؛ لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ولأدّى ما بقى من الكلام عنها وكان فظلوا خاضعين لها واعتمد الفرّاء وأبو عبيد على هذا القول . وقال قوم : ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم ، على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه الى مذكر ، وتأنيث المذكر إذا أضافوه الى مؤنّث ، كقول الأعشى : @ وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم @@ وقال العجاج : لما رأى متن السماء ابعدت . وقيل : لما كان الخضوع وهو المتعارف من بني آدم أخرج الأعناق مخرج بني آدم كقوله { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] وقوله سبحانه { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } [ النمل : 18 ] ومنه قول الشاعر : @ تمززتها والديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبُوا @@ وقيل : إنما قال خاضعين فعبّر بالأعناق عن جميع الأبدان ، والعرب تعبّر ببعض الشئ عن كله كقوله { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [ الحج : 10 ] وقوله { أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] ونحوهما . قال مجاهد : أراد بالاعناق ههنا الرؤساء والكبراء ، وقيل : أراد بالأعناق الجماعات والطوائف من الناس ، يقال : جاء القوم عنقاً أي طوائف وعصباً كقول الشاعر : @ انَّ العراق وأهله عنق إِليك فهيت هيتا @@ وقرأابن أبي عبلة : فظلّت أعناقهم لها خاضعة . { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ } أي وعظ وتذكير { مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } في الوحي والتنزيل { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ } أخبار وعواقب وجزاء { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وهذا وعيد لهم { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } لون وصنف من النبات ممّا يأكل الناس والأنعام { كَرِيمٍ } حسن يكرم على الناس ، يقال : نخلة كريمة إذا طاب حملها وناقة كريمة إذا كثر لبنها . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن بختويه قال : حدّثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي يوسف قالا : حدّثنا محمد بن يوسف الغزالي قال : حدّثنا سفيان عن رجل عن الشعبي في قوله { أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } قال : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنّة فهو كريم ، ومن دخل النار فهو لئيم . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي ذكرت { لآيَةً } لَدلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي وحكمتي { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } لما سبق من علمي فيهم ، قال سيبويه : { كَانَ } ههنا صلة ، مجازه : وما أكثرهم مؤمنين { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } بالنقمة من أعدائه { ٱلرَّحِيمُ } ذو الرحمة بأوليائه .