Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 10-33)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ نَادَىٰ } واذكر يا محمد إذ نادى { رَبُّكَ مُوسَىٰ } حين رأى الشجرة والنار { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } لأنفسهم بالكفر والمعصية ولبني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب . { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } وقرأ عبيد بن عمير بالتاء أي قل لهما : ألا تتّقون ؟ { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي } من تكذيبهم إيّاي { وَلاَ يَنطَلِقُ } ولا ينبعث { لِسَانِي } بالكلام والتبليغ للعقدة التي فيه ، قراءة العامة برفع القافين على قوله { فَأَخَافُ } ونصبها يعقوب على معنى وأن يضيق ولا ينطلق { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة ، وهذا كما تقول : إذا نزلت بي نازلة أرسلت إليك ، أي لتعينني { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } يعني القتل الذي قتله منهم واسمه ماثون ، وكان خباز فرعون ، وقيل : على معنى : عندي ولهم عندي ذنب { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } به { قَالَ } الله سبحانه { كَلاَّ } أي لن يقتلوك { كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } سامعون ما يقولون وما تجابون ، وإنّما أراد بذلك تقوية قلبيهما وإخبارهما أنّه يعينهما ويحفظهما { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ولم يقل رسولا لأنه أراد المصدر أي رسالة ومجازه : ذو رسالة رب العالمين ، كقول كثيّر : @ لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسرَ ولا أرسلتهم برسول @@ أي برسالة . وقال العباس بن مرداس : @ إلاّ مَنْ مبلغٌ عنّا خفافاً رسولا بيت أهلك منتهاها @@ يعني رسالة فلذلك انتهاء ، قالهُ الفرّاء . وقال أبو عبيد : يجوز أن يكون الرسول في معنى الواحد والاثنين والجمع ، تقول العرب : هذا رسولي ووكيلي ، وهذان رسولي ووكيلي ، وهؤلاء رسولي ووكيلي ، ومنه قوله { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [ الشعراء : 77 ] وقيل : معناه كل واحد منا رسول رَبّ العالمين . { أَنْ } أي بأن { أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفاً فانطلق موسى إلى مصر ، وهارون بها وأخبره بذلك فانطلقا جميعاً الى فرعون ، فلم يؤذَنْ لهما سنة في الدخول عليه ، فدخل البوّاب فقال لفرعون : ههنا إنسان يزعم أنّه رسول رب العالمين ، فقال فرعون : ايذن له لعلّنا نضحك منه ، فدخلا عليه وأدّيا إليه رسالة الله سبحانه وتعالى فعرف فرعون موسى لأنّه نشأ في بيته فقال له { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } صبيّاً { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } وهي ثلاثون سنة { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } يعني قتل القبطي . أخبرنا ابن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن الجهم قال : حدّثنا الفرّاء قال : حدّثني موسى الأنصاري عن السري بن إسماعيل عن الشعبي انه قرأ { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي } بكسر الفاء ولم يقرأ بها غيره . { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي ، ربيناك فينا وليداً فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منّا وكفرت بنعمتنا ، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس ، وقال : إنَّ فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية . فقال موسى { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي الجاهلين قبل أن يأتيني عن الله شيء ، هذا قول أكثر المفسّرين وكذلك هو في حرف ابن مسعود وأنا من الجاهلين . وقيل : من الضالّين عن العلم بأن ذلك يؤدي الى قتله . وقيل : من الضالّين عن طريق الصواب من غير تعمّد كالقاصد الى أن يرمي طائراً فيصيب إنساناً . وقيل : من المخطئين نظيره { إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] وقيل : من الناسين ، نظيره { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] . { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } إلى مدين { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً } فهماً وعلماً { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } . اختلف العلماء في تأويلها ، ففسّرها بعضهم على إقرار وبعضهم على الإنكار ، فمن قال : هو إقرار قال : عدّها موسى نعمة منه عليه حيث ربّاه ولم يقتله كما قتل غلمان بني إسرائيل ، ولم يستعبده كما استعبد وتركني فلم يستعبدني وهذا قول الفرّاء ، ومن قال هو إنكار قال : معناه وتلك نعمة على طريق الاستفهام كقوله { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 76 - 78 ] وقوله { فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] وقول الشاعر : هم هم ، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة : @ لم أنس يوم الرحيل وقفتها ودمعها في جفونها عرق وقولها والركب سائرة تتركنا هكذا وتنطلق @@ وهذا قول مجاهد ، ثم اختلفوا في وجهها فقال بعضهم : هذا ردّ من موسى على فرعون حين امتنّ عليه بالتربية فقال : لو لم تقتل بني إسرائيل لربّاني أبواي فأىّ نعمة لك عليَّ ؟ وقيل : ذكره إساءته إلى بني إسرائيل فقال : تمنُّ عليَّ أن تربّيني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل . وقيل : معناه كيف تمنُّ علي بالتربية وقد استعبدت قومي ؟ ومن أُهين قومه ذّل ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليَّ . وقال الحسن : يقول : أخذت أموال بني إسرائيل وأنفقت منها عليَّ واتّخذتهم عبيداً . وقوله سبحانه { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي اتّخذتهم عبيداً ، يقال : عبّدته وأعبدته ، وأنشد الفرّاء : @ علام يعبّدني قومي وقد كثرتْ فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان @@ وله وجهان : أحدهما : النصب بنزع الخافض مجازه : بتعبيدك بني إسرائيل والثاني : الرفع على البدل من النعمة . { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } وأيّ شيء ربّ العالمين الذي تزعم أنّك رسوله إليَّ ؟ { قَالَ } موسى ( عليه السلام ) { رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } إنّه خلقها عن الكلبي . وقال أهل المعاني : إن كنتم موقنين أي ما تعاينونه كما تعاينونه فكذلك فأيقنوا أنّ ربّنا هو ربّ السموات والأرض . { قَالَ } فرعون { لِمَنْ حَوْلَهُ } من أشراف قومه ، قال ابن عباس : وكانوا خمسمائة رجل عليهم الأسورة محيلا لقوم موسى معجباً لقومه { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } فقال موسى مفهماً لهم وملزماً للحجة عليهم { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ * قَالَ } فرعون { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } يتكلّم بكلام لا يعقله ولا يعرف صحته . فقال موسى { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } فقال فرعون حين لزمته الحجّة وانقطع عن الجواب تكبّراً عن الحق وتمادياً في الغي { لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } المحبوسين . قال الكلبي : وكان سجنه أشدّ من القتل ؛ لأنه كان يأخذ الرجل إذا سجنه فيطرحه في مكان وحدهُ فرداً لا يسمع ولا يبصر فيه شيئاً ، يهوى به في الأرض . فقال له موسى حين توعدهُ بالسجن { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } يبيّن صدق قولي ، ومعنى الآية : أتفعل ذلك إنْ أتيتك بحجّة بيّنة ، وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون الى الإنصاف والإجابة الى الحق بعد البيان . فقال له فرعون { فَأْتِ بِهِ } فإنّا لن نسجنك حينئذ { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } بيّن ظاهر أمرهُ ، فقال : وهل غير هذا ؟ { وَنَزَعَ } موسى { يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } .