Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 7-14)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } في مسيره من مدين إلى مصر وقد أصلد زنده { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } فامكثوا مكانكم { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ } قرأ أهل الكوفة ويعقوب : بشهاب منوّن على البدل ، غيرهم بالإضافة ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، ومعناه : سآتيكم بشعلة نار اقتبسها منها . { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } تستدفئون { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } . قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن : يعني قُدّس مَن في النار وهو الله سبحانه عنى به نفسه عزَّ وجل ، وتأويل هذا القول أنّه كان فيها لا على معنى تمكُّن الأجسام لكن على معنى أنّه نادى موسى منها ، وأسمعه كلامه من جهتها وأظهر له ربوبيته من ناحيتها ، وهو كما روي أنّه مكتوب في التوراة : جاء الله عزّ وجلّ من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران ، فمجيئه عزَّ وجلّ من سيناء بعثته موسى منها ، ومن ساعير بعثته المسيح بها ، واستعلامه من جبال فاران بعثه المصطفى صلى الله عليه وسلم وفاران مكة ، وقالوا : كانت النار نوره عزَّ وجلّ ، وإنّما ذكره بلفظ النّار لأنّ موسى حسبه ناراً ، والعرب تضع أحدهما موضع الآخر . وقال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها وهي إحدى حجب الله سبحانه وتعالى ، يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن إسحاق قال : حدّثنا هاشم القاسم بن القاسم قال : حدّثنا المسعودي عن عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة ، موسى عن الأشعري قال : قام بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع فقال : " إنّ اللّه عزَّ وجل لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النار ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره " ، ثم قرأ أبو عبيدة { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . وقيل معناه : بورك مَن في النار سلطانه وقدرته وفيمن حولها . وقال آخرون : هذا التبريك عائد إلى موسى والملائكة ، ومجاز الآية : بورك من في طلب النار وقصدها بالقرب منها ، وهذا كما يقال : بلغ فلان البلد إذا قرب منه ، وورد فلان الماء لا يريدون أنّه في وسطه ، ويقال : أعطِ مَن في الدار ، يريدون من هو فيها مقيم أو شريك وإن لم يكن في الوقت في الدار ، ونحوها كثير . ومعنى الآية : بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار ، وهذا تحيّة من الله سبحانه لموسى وتكرمة له كما حيّا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [ هود : 73 ] . وقال بعضهم : هذه البركة راجعة إلى النار نفسها . روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنّه قال : معناه بوركت النار ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى قال : حدّثنا أحمد بن نجدة قال : حدّثنا الحمّاني قال : حدّثنا هشيم قال : أخبرنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت أُبيّاً يقرؤها : أن بوركت النار ومن حولها ، وتقدير هذا التفسير أنَّ ( من ) تأتي في الكلام بمعنى ( ما ) ، كقوله سبحانه { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } [ الحجر : 20 ] وقوله { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } [ النور : 45 ] الآية و ( ما ) قد تكون صلة في كثير من المواضع كقوله { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } [ ص : 11 ] و { عَمَّا قَلِيلٍ } [ المؤمنون : 40 ] فمعنى الآية بورك في النار وفيمن حولها وهم الملائكة وموسى ( عليه السلام ) ، فسمّى النار مباركة كما سمّى البقعة مباركة فقال في { ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } [ القصص : 30 ] . وأمّا وجه قوله { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } فإنّ العرب تقول : باركك الله ، وبارك فيك ، وبارك عليك وبارك لك ، أربع لغات ، قال الشاعر : @ فبوركت مولوداً وبوركت ناشياً وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب @@ فأما الكلام المسموع من الشجرة فاعلم أنّ مذهب أهل الحق أنّ الله سبحانه وتعالى مستغن عن الحدّ والمكان والجهة والزمان لأنَّ ذلك كلّه من أمارات الحدث ، وهي خلقه وملكه وهو سبحانه أجلّ وأعظم من أن يوصف بالجهات ، أو تحدّه الصفات ، أو تصحبه الأوقات ، أو تحويه الأماكن والأقطار . ولمّا كان كذلك استحال أن توصف صفات ذاته بأنّها متنقّلة من مكان أو حالّة في مكان ، وإذا ثبت هذا لم يجز أن يوصف كلامه بأنّه يحلّ موضعاً أو ينزل مكاناً ، كما لا يوصف بأنّه جوهر ولا عرض ولا حروف ولا صوت ، بل هو صفة يوصف بها الباري عزّ وجل فينتفى عنه بها آفات الخرس والبكم وما لا يليق به . فأمّا الأفهام والأسماع فيجوز أن يكون في موضع دون موضع ومن مكان دون مكان ومن حيث لم تقع إحاطة واستغراق بالوقت على كنه صفاته ، قال اللّه سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ } الهاء عماد وليست بكناية { أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } تتحرّك { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } وهي الحيّة الخفيفة الصغيرة الجسم ، وقال الكلبي : لا صغيرة ولا كبيرة . فإن قيل : كيف قال في موضع { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } وفي موضع آخر { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ } والموصوف واحد ؟ قلنا : فيه وجهان : أحدهما : أنّها في أوّل أمرها جانّ وفي آخر الأمر ثعبان ، وذلك أنّها كانت تصير حية على قدر العصا ثم لا تزال تنتفخ وتربو حتى تصير كالثعبان العظيم . والآخر : أنّها في سرعة الجانّ وخفّته وفي صورة الثعبان وقوّته . فلمّا رآها موسى ( عليه السلام ) { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } ولم يرجع ، قال قتادة : ولم يلتفت . فقال الله سبحانه { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ * إِلاَّ مَن ظَلَمَ } فعمل بغير ما أمر { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } قراءة العامة بضم الحاء وجزم السين ، وقرأ الأعمش بفتح الحاء والسين { بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . واختلف العلماء في حكم هذا الاستثناء ومعنى الآية ، فقال الحسن وابن جريج : قال الله سبحانه ( يا موسى إنّما أخفتك لقتلك ) . قال الحسن : وكانت الأنبياء تذنب فتعاقب ، ثم تذنب والله فتعاقب . قال ابن جريج : فمعنى الآية : لا يخيف الله سبحانه الأنبياء بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فقوله { إِلاَّ } على هذا التأويل استثناء صحيح ، وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الرسل وغيرهم من الناس ، وفي الآية استغنى عنه بدلالة الكلام عليه تقديرها ( فمن ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء فإنّي غفور رحيم ) وقال الفرّاء : يقول القائل : كيف صيّر خائفاً من ظلم ثم بدّل حُسناً بعد سوء وهو مغفور له ؟ فأقول له : في الآية وجهان : أحدهما : أن تقول أنّ الرسل معصومة ، مغفور لها ، آمنة يوم القيامة ، ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً من سائر الناس فهو يخاف ويرجو ، فهذا وجه . والآخر : أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة لأنّ المعنى { لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } إنما الخوف على غيرهم . ثمَّ استثنى فقال عزَّ من قائل : { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } يقول : كان مشركاً فتاب من الشرك وعمل حسنةً مغفور له وليس بخائف . قال : وقد قال بعض النحوييّن : { إِلاَّ } ههنا بمعنى الواو يعني : ولا من ظلم منهم كقوله سبحانه ( لئلاّ يكون للناس عليهم حجّة إلاّ الذين ظلموا منهم ) . وقال بعضهم : قوله { إِلاَّ } ليس باستثناء من المرسلين لأنّه لا يجوز عليهم الظلم وإنّما معنى الآية : لكن من ظلم فعليه الخوف فإذا تاب أزال الله سبحانه وتعالى عنه الخوف . { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } وإنّما أمره بإدخال يده في جيبه لأنّه كان عليه في ذلك الوقت مدرعة من صوف ، ولم يكن لها كُمٌّ ، قاله المفسّرون . { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } برص وآفة { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مُرسَل بهنَّ . { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } فترك ذكر مرسل لدلالة الكلام عليه ، كقول الشاعر : @ رأتني بحبليها فصدّت مخافةً وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق @@ أراد : راتني مقبلاً بحبليها ، فترك ذكره لدلالة الكلام عليه . { وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } مضيئة بيّنة يُبصر بها { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } .