Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 29-35)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } أي أتمه وفرغ منه . أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا مكي بن عبدان عن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا عبد الرحمن بن بشر ، قال : حدّثنا موسى بن عبد العزيز ، قال : حدّثنا الحكم بن أبان ، قال : حدّثني عكرمة ، قال : قال ابن عباس : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أبعدهما وأطيبهما " . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الجبار الهمذاني ، قال : حدّثنا يحيى بن بكير قال : حدّثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن زيد ، عن علي بن رباح ، عن عتبة بن التيب وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسكن الشام ، ومات في زمن عبد الملك قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أبرهما وأوفاهما " . وروى محمد بن إسحاق ، عن حكم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال لي يهودي بالكوفة وأنا أتجهز للحج : إنّي أراك رجلا تتبع العلم ، أخبرني أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أعلم ، وأنا الآن قادم على حبر العرب يعني ابن عباس فسأسأله عن ذلك ، فلمّا قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك ، فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إنّ النبي إذا وعد لم يخلف ، قال سعيد : فقدمت العراق ، فلقيت اليهودي فأخبرته ، فقال : صدق ، ما أنزل على موسى هذا والله العالم . وقال وهب : أنكحه الكبرى ، وقد روي أنّ النبي ( عليه السلام ) قال : " تزوج صغراهما وقضى أوفاهما " فإن صح هذا الخبر فلا معدل عنه . وقال مجاهد : لما قضى موسى الأجل ومكث بعد ذلك عند صهره عشراً أخرى ، فأقام عنده عشرين سنة ، ثم إنّه استأذنه في العودة إلى مصر لزيارة والدته وأخيه ، فأذن له ، فسار بأهله وماله ، وكانت أيام الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته في شهرها لا يدري أليلا تضع أم نهاراً ، فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، فقدح زنداً فلم تور ( المقدحة شيئاً ) ، فآنس من جانب الطور ناراً { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ } قطعة وشعلة { مِّنَ ٱلنَّارِ } وفيها ثلاث لغات : فتح الجيم وهي قراءة عاصم ، وضمها وهي قراءة حمزة ، وكسرها وهي قراءة الباقين ، وقال قتادة ومقاتل : الجذوة : العود الذي قد احترق بعضه ، وجمعها جُذيّ ، قال ابن مقبل : باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجُذي غير خوار ولا دعر { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي تستدفئون وتستحمّون بها من البرد { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ } جانب { ٱلْوَادِى ٱلأَيْمَنِ } عن يمين موسى { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } وقرأ أشهب العقيلي { فِي ٱلْبُقْعَةِ } بفتح الباء { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } أي من ناحية الشجرة { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } قال عبد الله بن مسعود : كانت الشجرة سمرة خضراء ترق ، قتادة ، عوسجة ، وهب : علّيق . { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } تتحرك { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } وهي الحيّة الصغيرة من سرعة حركته { وَلَّىٰ مُدْبِراً } هارباً منها { وَلَمْ يُعَقِّبْ } ولم يرجع ، فنودي { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ ( * ) ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } فخرجت كأنّها مصباح { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } قرأ حفص بفتح الراء وجزم ( الهاء ) ، وقرأ أهل الكوفة والشام بضمّ ( الراء ) وجزم ( الهاء ) ، غيرهم بفتح ( الراء ) و ( الهاء ) ، دليلهم قوله سبحانه : { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } [ الأنبياء : 90 ] وكلّها لغات بمعنى الخوف والفَرَق . ومعنى الآية إذا هالك أمر يدك وما ترى من شعاعها ، فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى ، وقال بعضهم : أمره الله سبحانه وتعالى أن يضم يده إلى صدره ليذهب الله عز وجل ما ناله من الخوف عند معاينة الحية ، وقيل : معناه سكّنْ روعك واخفض عليك جأشك لأنّ من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه ، وضم الجناح هو السكون ، ومثله قوله سبحانه { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [ الإسراء : 24 ] يريد الرفق ، وقوله سبحانه : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 215 ] أي ارفق بهم وألن جانبك لهم ، وقال الفرّاء : أراد بالجناح عصاه . وقال بعض أهل المعاني : الرهب ، الكُم بلغة حمير وبني حنيفة ، وحُكي عن الأصمعي أنّه سمع بعض الأعراب يقول لآخر : عطني ما في رهبك ، قال : فسألته عن الرهب ؟ فقال : الكُم ، ومعناه على هذا التأويل : اضمم إليك يدك وأخرجها من الكُم ؛ لأنّه تناول العصا ويده في كُمّه . { فَذَانِكَ } قراءة العامة بتخفيف ( النون ) ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد ( النون ) وهي لغة قريش ، وفي وجهها أربعة أقوال : قيل : شدّد النون عوضاً من ( الألف ) الساقطة ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين لأنّ أصله { فَذَانِكَ } فحذفت الألف الأُولى لالتقاء الساكنين . وقيل : التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك . وقيل : شُدّدت فرقاً بينها وبين التي تسقط للإضافة ؛ لأنّ ذان لا تضاف . وقيل : للفرق بين تثنية الاسم المتمكن وبينها . قال أبو عبيد : وكان أبو عمرو يخص هذا الحرف بالتشديد دون كلّ تثنية في القرآن ، وأحسبه فعل ذلك لقلة الحروف في الاسم ، فقرأه بالتثقيل . ومعنى الآية { فَذَانِكَ } يعني العصا واليد البيضاء { بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ( * ) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( * ) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } وأحسن بياناً ، وإنّما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً } معيناً ، يقال : أردأته أي أعنته ، وترك همزه عيسى بن عمر وأهل المدينة طلباً للخفّة { يُصَدِّقُنِي } قرأه العامة بالجزم ، ورفعه عاصم وحمزة ، وهو اختيار أبو عبيد ، فمن جزمه فعلى جواب الدعاء ، ومن رفعه فعلى الحال ، أي ردءاً مصدقاً حاله التصديق كقوله سبحانه : { رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ } [ المائدة : 114 ] أي كائنة حال صرف إلى الاستقبال . { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ } أن نقويك ونعينك { بِأَخِيكَ } وكان هارون يومئذ بمصر { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } قوة وحجة وبرهاناً { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } .