Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 23-28)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } وهو بئر كانت لهم { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } مواشيهم { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تشذ وتذهب ، وقال الحسن : تكفان ( أغنامهما ) عن أن تختلط بأغنام الناس وترك ذكر الغنم اختصاراً ، قتادة : ( تذودان ) الناس عن شائهما ، أبو مالك وابن إسحاق : تحبسان غنمهما عن الماء حتى يصدر عنه مواشي الناس ويخلوا لهما البئر ، ثم يسقيان غنمهما لضعفهما ، وهذا القول أولى بالصواب لما بعده ، وهو قوله : { قَالَ } يعني موسى { مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس ؟ { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ } قرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وابن عامر وابن جعفر وأيوب بن المتوكل : بفتح الياء وضم الدال ، جعلوا الفعل الرعاء أي حتى يرجعوا عن الماء ، وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الدال أي حتى يصرفوا مواشيهم عن الماء ، والرعاء : جمع راع مثل تاجر وتجار ، ومعنى الآية لا نسقي مواشينا حتى يصدر { ٱلرِّعَآءُ } لأنّا لا نطيق أن نسقي ، ولا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض . { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } لا يقدر أن يسقي مواشيه ، واختلفوا في اسم أبيهما ، فقال مجاهد والضحاك والسدي والحسن : هو شعيب النبي صلى اللّه عليه وعلى جميع الانبياء واسمه شعيب بن بويب بن مدين بن إبراهيم ، قال وهب وسعيد بن جبير وأبو عبيدة بن عبد الله : هو بثرون ابن أخي شعيب ، وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كفّ بصره ، فدفن بين المقام وزمزم . وروى حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة الضبعي ، عن ابن عباس قال : اسم أبي امرأة موسى صاحب مدين بثرى ، قالوا : فلمّا سمع موسى ( عليه السلام ) قولهما رحمهما ، واقتلع صخرة على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلاّ جماعة من الناس . شريح : عشرة رجال ، وقيل : إنّه زاحم القوم عن الماء وأخذ دلوهما وسقى غنمهما ، عن ابن إسحاق ، فذلك قوله سبحانه : { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } قال السدي : ظلّ شجرة ، وروى عمر بن ميمون ، عن عبد الله قال : أحييت على جمل لي ليلتين حتى صبّحت مدين ، فسألت عن الشجرة التي آوى إليها موسى فإذا شجرة خضراء ترق فما هوى إليها جملي ، وكان جائعاً ، فأخذها فعالجها ساعة فلم يقطعها ، فدعوت الله سبحانه لموسى ثم أنصرفت . { فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ } قال قطرب : اللام ههنا بمعنى إلى تقول العرب : احتجت له ، واحتجت إليه بمعنى واحد ، { مِنْ خَيْرٍ } أي طعام { فَقِيرٌ } محتاج ، قال ابن عباس : لقد قال ذلك وإنّ خضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال ما يسأل الله سبحانه إلاّ أكله . قال الباقر : لقد قالها وإنّه لمحتاج إلى شق تمرة . قالوا : فلمّا رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حُفّل بطان ، قال لهما : ما أعجلكما ؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحاً رحمنا ، فسقى لنا أغنامنا ( قبل الناس ) ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي . { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } قال عمر بن الخطاب « رضي الله عنه » : مستترة بكم درعها لوف قد سترت وجهها بيدها ، روى قتادة ، عن طرف ، قال : أما والله لو كان عند نبي الله شيء ما اتبع مذقتها ، ولكنّه حمله على ذلك الجهد . { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } فانطلق موسى معها يتبعها ، فهبت الريح ، فألزقت ثوب المرأة بردفها ، فكره موسى أن يرى ذلك منها ، فقال لها : امشي خلفي ، وانعتي لي الطريق ، ودليّني عليها إن أخطأت ، فإنّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النساء { فَلَمَّا جَآءَهُ } يعني الشيخ { وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } أخبره بأمره والسبب الذي أخرجه من أرضه { قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } يعني فرعون وقومه لا سلطان له بأرضنا . { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } وهي التي تزوجها موسى { يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ } لرعي أغنامنا { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } ، فقال لها أبوها : وما علمك بقوته وأمانته ؟ فقالت : أما قوته فإنّه لما رآنا حابسي أغنامنا عن الماء ، قال لنا : فهل بقربكما بئر ؟ قلنا : نعم ، ولكن عليها صخرة لا يرفعها إلاّ أربعون رجلا ، قال : انطلقا بي إليها ( فأخذ ) الصخرة بيده فنحّاها . وأما أمانته فإنّه قال لي في الطريق : امشي خلفي ، وإن أخطأت فارمي قدامي بحصاة حتى أنهج نهجها . { قَالَ } عند ذلك الشيخ لموسى { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } واسمهما صفورة ولباني ، قول شعيب الجبّائي قال : امرأة موسى صفورة ، وقال ابن إسحاق : صفورة وشرفا ، وغيرهما : الكبرى صفرا والصغرى صفيرا { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي } يعني آجرني ، وقالت الأئمة : على أن تثيبني من تزويجها رعيّ ماشيتي { ثَمَانِيَ حِجَجٍ } سنين واحدتها حجة ، جعل صداقها ذلك ، قال : ( يقول العرب ) آجرك الله فهو يأجرك بمعنى أثابك { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً } أي عشر سنين { فَمِنْ عِندِكَ } وأنت به متبرع متفضل وليس مما اشترطه عليك في عقد النكاح { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } . { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } من الوافين بالعهد ، المحسنين الصحبة { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ } الثمان أو العشر { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } شهيد وحفيظ . وقالت العلماء بأخبار الأنبياء : أنّ موسى وصاحبه ( عليهما السلام ) لما تعاقدا بينهما هذا العقد أمر صهره احدى بنتيه أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه ، واختلفوا في حال تلك العصا ، فقال عكرمة : خرج بها آدم من الجنة وأخذها جبريل بعد موت آدم ، فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه ، وقال آخرون : لم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب وكانت عصيّ الأنبياء عنده ، فأعطاها موسى . وقال السدي : كانت تلك العصا استودعها ملك في صورة رجل ، وأمر ابنته أن تأتيه بعصا ، فدخلت الجارية فأخذت العصا فأتته بها ، فلمّا رآها الشيخ قال لابنته ، آتيه بغيرها ، فلمّا رمتها تريد أن تأخذ غيرها فلا تقع في يدها إلاّ هي ، كلّ ذلك تطير في يدها حتى فعلت ذلك مرات ، فأعطاها موسى ، فأخرجها معه ، ثم إنّ الشيخ ندم ، وقال : كانت وديعة ، فخرج يتلقّى موسى ، فلمّا لقيه ، قال : أعطني العصا ، قال موسى : هي عصاي ، فأبى أن يعطيه ، فاختصما حتى رضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك يمشي ، فقضى بينهما ، فقال : ضعوها بالأرض فمن حملها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذها موسى بيده فرفعها ، فتركها له الشيخ . وروى حيان عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس أنّه قال : كان في دار يثرون بيت لا يدخله إلاّ يثرون وابنته التي زوجها موسى ، كانت تكنسه وتنظّفه ، وكان في البيت ثلاث عشرة عصا ، وكان ليثرون أحد عشر ولداً من الذكور ، فكلّما أدرك منهم ولد أمره بدخول البيت وإخراج عصا من تلك العصيّ ، فجعل يحترق الولد حتى هلك كلّهم ، فرجع موسى ذات يوم إلى منزله فلم يجد أهله ، واحتاج إلى عصا لرعيه ، فدخل ذلك البيت وأخذ عصا من تلك العصي وخرج بها ، فلمّا علمت بذلك امرأته انطلقت إلى أبيها ، وأخبرته بذلك ، فسُرَّ بها يثرون وقال لها : إنّ زوجك هذا نبي وإنّ له مع هذه العصا لشأناً . وفي بعض الأخبار أنّ موسى ( عليه السلام ) لمّا أصبح من الغد بعد العقد وأراد الرعي قال له صهره شعيب : اذهب بهذه الأغنام ، فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك ولا تأخذ على يمينك وإنْ كان الكلأ بها أكثر ، فإنّ هناك تنيناً عظيماً أخشى عليك وعلى الأغنام منه . فذهب موسى بالأغنام ، فلمّا بلغ مفرق الطريق أخذت الأغنام ذات اليمين ، فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فسار موسى على أثرها ، فرأى عشباً وريفاً لم ير مثله ، ولم ير التنين ، فنام موسى والأغنام ترعى ، فإذا بالتنين قد جاء ، فقامت عصا موسى وحاربته حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى وهي دامية . فلمّا استيقظ موسى رأى العصا دامية والتنين مقتولا ، فارتاح لذلك وعلم أنّ لله سبحانه في تلك العصا قدرة وإرادة ، فعاد إلى شعيب ، وكان شعيب ضريراً فمس الأغنام ، فإذا هي أمثل حالا مما كانت ، فسأله ، فأخبره موسى بالقصة ، ففرح بذلك شعيب وعلم أنّ لموسى وعصاه شأناً ، فأراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراماً له وصلة لابنته فقال له : إنّي قد وهبت لك ( من ) الجدايا التي تضعها أغنامي في هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام . قال : فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه ، فما أخطأت واحدة منها إلاّ وقد وضعت حملها ما بين بلق وبلقاء ، فعلم شعيب أنّ ذلك رزق ساقه الله إلى موسى وامرأته ، فوفى له بشرطه وسلّم إليه الأغنام .