Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-45)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ } يعني : الأصنام يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } لنفسها كيما يكنّها فلم يغن عنها بناؤها شيئاً عند حاجتها إياه ، فكما أنّ بيت العنكبوت لا يدفع عنها برداً ولا حراً كذلك هذه الأوثان لا تملك لعابديها نفعاً ولا ضراً ولا خيراً ولا شراً . { وَإِنَّ أَوْهَنَ } أضعف { ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } قال النحاة : العنكبوت مؤنثة التاء التي فيها ، وقد يذكّرها بعض العرب ، أنشد الفراء : @ على هطالهم منهم بيوت كأنّ العنكبوت هو ابتناها @@ وزنته فعللون . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدثنا ابن شنبه ، قال : حدثنا أبو حامد المستملي ، قال : حدثنا محمد بن عمران الضبي ، قال : حدثني محمد بن سليمان المكي ، قال : حدثني عبد الله بن ميمون القداح ، قال : سمعت جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي يقول : قال علي بن أبي طالب : طهّروا بيوتكم من نسيج العنكبوت ، فإنّ تركه في البيوت يورث الفقر ، قال : سمعت علياً يقول : منع الخميرة يورث الفقر . { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ } بالياء أهل البصرة واختاره أبو عبيد قال : لذكر الأمم قبلها . واختلف فيها عن عاصم ، غيرهم بالتاء . { مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ } الأشياء والأوصاف ، والمثل : قول سائر يشبّه حال الثاني بالأول { نَضْرِبُهَا } يبيّنها { لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدثنا ابن مندة قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا داود بن المخبر قال : حدثنا عباد بن كثير ، عن أبي جريج ، عن عطاء وأبي الزبير ، عن جابر أنّ " النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } فقال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " " . { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ * ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } قال ابن عمر : تغني . الفراء : أن تنهي عن الفحشاء والمنكر ودليل هذا التأويل قوله : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } [ الإسراء : 110 ] أي بقراءتك . وقال آخرون : هي الصلاة التي فيها الركوع والسجود . قال ابن مسعود وابن عباس : يقول : في الصلاة : منتهى ومزدجر عن معاصي الله سبحانه وتعالى ، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلاّ بعداً . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وإطاعة الصلاة أن تنهي عن الفحشاء والمنكر " . وروى أبو سفيان عن جابر قال : " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل ، فقال : " إنّ صلاته لتردعه " " . وقال أنس بن مالك : " كان فتى من الأنصار يصلي الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يدع شيئاً من الفواحش إلاّ ركبه ، فوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاله ، فقال : " إنّ صلاته تنهاه يوماً ما " ، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألم أقل لكم إنّ صلاته تنهاه يوماً ما " " . وقال ابن عون : معناه أنّ الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها ، وقال أهل المعاني : ينبغي أن تنهاه صلاته كقوله : { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [ آل عمران : 97 ] . { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } اختلفوا في تأويله ، فقال قوم : معناه { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ } إياكم أفضل من ذكركم إياه ، وهو قول عبد الله وسلمان ومجاهد وعطية وعكرمة وسعيد بن جبير ، ورواية عبد الله بن ربيعة عن ابن عباس ، وقد روى ذلك مرفوعاً : أخبرناه الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني ، قال : حدثني أحمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود البزكي ، قال : حدثنا الحسين اللهبني ، قال : حدثنا صالح بن عبد الله بن أبي فروة ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمّه موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله سبحانه : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قال : " ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه " . قالت الحكماء : لأنّ ذكر الله سبحانه للعبد على حدّ الاستغناء ، وذكر العبد إياه على حدّ الافتقار ، ولأنّ ذكره دائم ، وذكر العبد مؤقت ، ولأنّ ذكر العبد بحد رفع أو دفع ضر ، وذكر الله سبحانه إياه للفضل والكرم . وقال ذو النون : لأنّك ذكرته بعد أن ذكرك ، وقال ابن عطاء : لأنّ ذكره لك بلا علة ، وذكرك مشوب بالعلل . أبو بكر الوراق : لأنّ ذكره تعالى للعبد أطلق لسانه بذكره له ، ولأنّ ذكر العبد مخلوق وذكره غير مخلوق . وقال أبو الدرداء وابن زيد وقتادة : معناه ولذكر الله أكبر مما سواه وهو أفضل من كل شيء . أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن محمد الثقفي الحافظ قال : حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي قال : حدثنا زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي ، قال : حدثنا عيسى بن يونس قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن جويبر عن الضحاك ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قال : " ذكر الله على كل حال أحسن وأفضل ، والذكر أن نذكره عند ما حرم ، فندع ما حرم ونذكره عند ما أحل فنأخذ ما أحل " . وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدثنا ابن شنبه قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرباني قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي قال : سمعت موسى بن عبيدة الزيدي يحدث أبي عبد الله القراظ ، عن معاذ بن جبل قال : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسير بالدف من حمدان إذ استنبه ، فقال : " يا معاذ إن السابقين الذين يستهترون بذكر الله ، من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله سبحانه " . قال إسحاق بن سليمان : سمعت حريز بن عثمان يحدث ، عن أبي بحرية ، عن معاذ بن جبل ، قال : ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله سبحانه ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا ولو ضرب بسيفه ، قال الله سبحانه : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } . وأخبرني الحسين بن محمد ، قال : حدثنا ابن شنبه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرباني ، قال : حدثنا يحيى بن عمار المصيصي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي غريب ، عن كثير بن مرة الحضرمي ، قال : سمعت أبا الدرداء يقول : ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم وأحبها إلى مليككم وأتمها في درجاتكم ، وخير من أن تغزوا عدوكم فتضرب رقابكم وتضربون رقابهم ، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم ، قالوا : وما هو يا أبا الدرداء ؟ قال : ذكر الله ، قال الله سبحانه : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } . وقيل لسلمان : أي العمل أفضل ؟ قال : أما تقرأ القرآن { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } لا شيء أفضل من ذكر الله سبحانه . وأنبأني عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا حميد بن داود ، قال : حدثني يزيد بن خالد قال : حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير ابن هبير ، عن مالك بن عامر ، عن معاذ بن جبل قال : " سألت رسول الله " : أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله " " . وأنبأني عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا سلمة بن محمد ابن أحمد بن مجاشع الباهلي ، قال : حدثنا خالد بن يزيد العمري ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عطاء بن قرة ، عن عبد الله بن ضمرة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ، إلاّ ذكر الله عز وجل وما والاه أو عالم أو متعلم " . قالت الحكماء : وإنّما كان الذكر أفضل الأشياء لأنّ ثواب الذكر الذكر ، قال الله تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } ويؤيد هذا ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان ، قال : حدثنا عبد الله بن هشام ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً ، وإن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " . وأخبرنا عبد الله ، قال : أخبرنا علي ، قال : أخبرنا عبد الله بن هاشم ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الأعز أبي مسلم ، قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد إنّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّه قال : " ما جلس قوم يذكرون الله سبحانه إلاّ حفّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم فيمن عنده " . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدثنا ابن شيبة ، قال : حدثنا الفرباني ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شنبه ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قال : ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة . ابن عون : معناه : الصلاة التي أنت فيها وذكرك الله فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر ، وقال ابن عطاء : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } من أن تبقى معه بالمعصية . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .