Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 56-69)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } بإرسال الياء عراقي غير عاصم ، سائرهم بفتحها { إِنَّ أَرْضِي } مفتوحة الياء ابن عامر ، غيره ساكنة { وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } توحدون من غير طاعة مخلوق في معصيتي ، قال سعيد بن جبير : إذا عُمِل في أرض بالمعاصي ، فاهربوا فإنّ أرضي واسعة . مجاهد : { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } فهاجروا وجاهدوا ، وقال مقاتل والكلبي : نزلت في المستضعفين المؤمنين الذين كانوا بمكة لا يقدرون على إظهار الإيمان وعبادة الرحمن ، يحثهم على الهجرة ويقول لهم : إنّ أرض المدينة واسعة آمنة . وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير : { أَرْضِي وَاسِعَةٌ } أي رزقي لكم واسع ، أُخرج من الأرض ما يكون بها . أخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان ، قال : حدثنا جيغويه ابن محمد الترمذي ، قال : حدثنا صالح بن محمد ، عن سليمان ، عن عباد بن منصور الناجي ، عن الحسين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم " . { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } فلا تقيموا بدار المشركين . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } علالي ، قرأ حمزة والكسائي وخلف بالتاء ، غيرهم بالياء أي لينزلنّهم { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ * ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَكَأَيِّن } وكم { مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } وذلك إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون : " أخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة فيها " . فقالوا : يا رسول الله كيف نخرج إلى المدينة ليس لنا بها دار ولا عقار ولا مال ، فمن يطعمنا بها ويسقينا ؟ فأنزل الله سبحانه : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ } ذات حاجة إلى غذاء لا تحمل رزقا فيرفعه لغذائها يعني الطير والبهائم . { ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يوماً بيوم { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالكم : نخشى لفراق أوطننا العيلة . { ٱلْعَلِيمُ } بما في قلوبكم وما إليه صائرة أموركم . أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الرقاق ، وقال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثنا إسماعيل بن زرارة الرقي ، قال : حدثنا أبو العطوف الجراح بن المنهال الجوزي ، عن الزهري ، عن عطاء بن أبي رياح ، " عن ابن عمر قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً من حياطان الأنصار ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : " كل يابن عمر " ، قلت : لا أشتهيها يا رسول الله ، قال : « لكنّي أشتهيه وهذه صبحة رابعة لم أزق طعاماً ولم أجده " فقلت : إنّا لله ، الله المستعان ، قال : " يا بن عمر لو سألت ربّي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافاً مضاعفة ، ولكني أجوع يوماً وأشبع يوماً فكيف بك يابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبّؤون رزق سنة ويضعف اليقين " فنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } … الآية . أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن حنيش ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا يحيى من معين ، حدثنا يحيى بن اليمان ، عن سفيان ، عن علي بن الأرقم { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } قال : لا تدخر شيئاً لغد . قال سفيان : ليس شيء مما خلق الله يخبّيء إلاّ الإنسان والفأرة والنملة . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } يعني الدائمة الباقية التي لا زوال لها ولا موت فيها . { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } ولكنهم لا يعلمون ذلك . { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ } وخافوا الغرق والهلاك { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } ليجحدوا نعمه في إنجائه إياهم وسائر الآية { وَلِيَتَمَتَّعُواْ } جزم لامه الأعمش وحمزة والكسائي وخلف وأيوب ، واختلف فيه عن عاصم ونافع وابن كثير ، الباقون بكسر اللام واختاره أبو عبيد ليكفروا لكون الكلام نسقاً . ومن جزم احتج بقراءة أبي بن كعب ( يمتعوا ) . { فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } . أخبرني أبو محمد عبد الله بن حامد فيما أذن لي روايته عنه قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن أسكت ، قال : حدثنا عقال ، قال : حدثنا جعفر بن سلمان قال : حدثنا ملك بن دينار ، قال : سمعت أبو العالية قرأ ( لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فتمتعوا فَسَوْفَ يَعلَمُونَ ) بالياء ، فالكسر على كي والجزم على التهديد . { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ } بالأصنام { يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ } يعني الإيمان { يَكْفُرُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فزعموا أنّ لله شريكاً ، وقالوا إذا فعلوا فاحشة ، { قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . { أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ } بمحمد والقرآن { لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى } منزل { لِّلْكَافِرِينَ * وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي والذين قاتلوا لأجلنا أعداءنا لنصرة ديننا لنثبتهم على ما قاتلوا عنه . قال أبو سورة : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ } في الغزو { لَنَهْدِيَنَّهُمْ } سبيل الشهادة أو المغفرة . أخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا ابن شنبه ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن وهب ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغر فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } . وقال الفضيل بن عياض : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينّهم سبل العمل به . وأخبرني أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد ، قال : حدثني أبو الطيب محمد بن أحمد ابن حمدون ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن إدريس ، قال : حدثنا أحمد بن أبي الجواري ، قال : قال أبو أحمد يعني عباس الهمداني وأبو سليمان الداراني في قوله سبحانه : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } قال : الذين يعملون بما يعلمون يهديهم ربّهم إلى ما لا يعلمون . وعن عمر بن عبد العزيز إنّه تكلم بكلمات وعنده نفر من العلماء ، فقال له الوضين بن عطاء : بِمَ أوتيت هذا العلم يا أبا مروان ؟ قال : ويحك يا وضين إنّما قصر بنا من علم ما جهلنا بتقصيرنا في العمل بما علمنا ، ولو أنّا عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علماً لا تقوم به أبداننا . وعن عبد الله بن الزبير قال : تقول الحكمة : من طلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين : أن يعمل بأحسن ما يعلمه ، أو يدع أسوأ ما يعلمه . وروي عن ابن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا . ضحاك : والذين جاهدوا بالهجرة لنهدينّهم سبل الثبات على الإيمان ، وقيل : والذين جاهدوا بالثبات على الإيمان لنهدينهم سبل دخول الجنان ، سهل بن عبد الله : والذين جاهدوا في إقامة السنّة لنهدينّهم سبل الجنة ثم قال : مثل السنّة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى ، من دخل الجنة في العقبى سلم ، فكذلك من لزم السنّة في الدنيا سلم ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير مجازه : والذين هديناهم سبيلنا جاهدوا فينا { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } بالنصر والمعونة في دنياهم ، وبالثواب والمغفرة في عقباهم .