Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 187-195)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } . قرأ عاصم وأبو عمر وأهل مكة : بالياء فيهما واختاره أبو عبيد . الباقون : بالتاء واختاره أبو حاتم ، فمن قرأ بالتاء فعلى إضمار القول ، أي قال : ليبيننه ، ودليله قوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم [ آل عمران : 81 ] ومن قرأ بالياء فلقوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } طرحوه وضيعوه وتركوا العمل به . { وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني المأكل { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } . قال قتادة : هذا لميثاق الله أخذ على أهل مكة ممّن علم شيئاً فليعلّمه ، وإيّاكم وكتمان العلم فإنه هلكة . وقال محمد بن كعب : لا يحل لعالم أن يسكت على علمه ولا لجاهل أن يسكت على جهله ، قال الله : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } الآية ، وقال : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] . ثابت بن البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه قال : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ، ثم تلا هذه الآية { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ } . أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كتم علماً عن أهله أُلجم يوم القيامة لجاماً من نار " . وعن الحسن بن عمارة قال : أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألقيته على بابه فقلت : إن رأيت أن تحدثني ؟ فقال : أما علمت أني قد تركت الحديث فقلت : إما أن تحدثني وإما أن أُحدثك . فقال : حدثني . فقلت : حدثني الحكم ابن عيينة عن نجم الجزار قال : سمعت علياً ( عليه السلام ) يقول : " ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا " قال : فحدثني بأربعين حديثاً . { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } يحسبن بالياء ، قرأه حميد بن كثير وأبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وأبو عمرو ، وغيرهم بالتاء ، فمن قرأه بالياء فمعناه : ولا يحسبن الفارحون منجياً لهم من العذاب ، ومن قرأ بالتاء فمعناه : ولا تحسبن يا محمد الفارحين بمفازة من العذاب ، وخبره في الباء . وقوله : { تَحْسَبَنَّ } بالتاء ، وفتح الباء إعادة تأكيد . وقرأ الضحاك وعيسى : ( لا تحسبن ) بالتاء وضم الباء ، أراد محمداً وأصحابه . وقرأ محمد وابن كثير وأبو عمرو ويحيى بن يعمر : بالياء وضم الباء خبراً عن الفارحين ، أي فلا تحسبن أنفسم ، واختلفوا فيه فيمن نزلت هذه الآية . روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : " أن رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : يا رسول الله لو خرجت إلى الغزو لغزونا معك ، فإذا خرج ( عليه السلام ) خلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ، فإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه فيقبل عذرهم وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا " . وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن رافع بن خديج : أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان وهو يومئذ أمير المدينة فقال مروان لرافع : في أي شيء أُنزلت هذه الآية : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } ؟ فقال رافع : أنزلت في أناس من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تخلفوا عنهم ، فأنكر مروان وقال : ما هذا ؟ فجزع رافع من ذلك وقال لزيد بن ثابت : أنشدك الله هل تعلم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زيد : نعم ، فخرجا من عند مروان ، فقال زيد لرافع وهو يمزح معه : أما تحمد في ما شهدت لك وقال رافع : وأي شيء هذا ؟ أحمدك على أن تشهد بالحق ؟ قال زيد : نعم قد حمد الله على الحق أهله . وقال عكرمة : نزلت في فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار ، يفرحون بإضلالهم الناس ، وبنسبة الناس إياهم إلى العلم ، وقولهم إنهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على هدى ولا خير . الضحاك والسدي : هم يهود أهل المدينة كتبوا إلى يهود اليمن والشام وأطراف الأرض : أن محمداً ليس برسول فاثبتوا على دينكم . فاجتمعت كلمتهم على الكفر بمحمد والقرآن ففرحوا بذلك وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا فنحن على دين إبراهيم ونحن أهل العلم الأول ، وليسوا كذلك . مجاهد : هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس تبديلهم الكتاب ، وجهدهم إياه عليه . سعيد بن جبير : هم اليهود فرحوا بما أعطى الله إبراهيم وهم براء من ذلك . وروى ابن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أنّ مروان بن الحكم قال لمولاه : يا أبا رافع اذهب إلى ابن عباس وقل له : إن كان كل امرىء منا يفرح بما أوتي وأحب أن يحمد لما لم يفعل معذباً لنغدين جميعاً . فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ، إنما دعا رسول الله اليهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما قد سألهم عنه ، فاستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بكتمانهم إياه ذلك ، فنزلت هذه الآية . قتادة ومقاتل : أتت يهود خيبر لنبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك وإنّا على رأيكم ونحن لكم ردأً ، وليس ذلك في قلوبهم ، فلما خرجوا من عنده قال لهم المسلمون : ما صنعتم ؟ قال : عرفناه وصدقناه ، فقال لهم المسلمون : أحسنتم هكذا فافعلوا ، فحمدوهم ودعوا لهم فأنزل الله لهم هذه الآية . وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال : نزلت في ناس من اليهود جهّزوا جيشاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفقوا عليهم ، وقرأها إبراهيم ( بما أوتوا ) ممدوداً أي أعطوا . وقرأ سعيد بن جبير { أُوتُواْ } أي أعطوا . قال الله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } . عن عطاء بن أبي رباح قال : " دخلت مع ابن عمر إلى عائشة رضي الله عنها فقال ابن عمر : أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله ؟ فبكت فأطالت ثم قالت : كل أمر رسول الله عجب ، أتاني في ليلتي فدخل معي في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال : يا عائشة هل لك أن تأذني لي في عبادة ربّي عزّ وجلّ ؟ فقلت : والله يا رسول الله إني لأحبّ قربك وأحبّ هواك قد أذنت لك ، فقام عليه الصلاة والسلام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى بلغ الدموع حجره ، ثم رفع يده فجعل يبكي حتى رأيت الدموع قد بلت الأرض ، فأتاه بلال بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال : يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " يا بلال أفلا أكون عبداً شكوراً " ثم قال : " ومالي لا أبكي وقد أنزل الله تعالى في هذه الليلة عليَّ { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " " . وعن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عن أبيه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } " . عمرو بن موسى عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أشدّ آية في القرآن على الجن { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } " الآية . سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ فقالوا : عصاه ويده البيضاء للناظرين . وسألوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربّك يجعل لنا الصفا ذهباً ، فأنزل الله تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية ثم وصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً } . قال علي وابن عباس والنخعي وقتادة : هذا في الصلاة يصلي قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه ، يسر من الله وتخفيف . وقال سائر المفسرين : أراد به ذكر الله تعالى ، ووصفهم بالمداومة عليه ، إذ الإنسان قلما يخلوا من معنى هذه الحالات الثلاثة ، نظيره قوله في سورة النساء . عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله " . ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ذكر الله تعالى علم الإيمان وبرء من النفاق وحصن من الشيطان وحرز من النيران " . وقال الله تعالى لموسى ( عليه السلام ) : يا موسى اجعلني منك على بال ولا تنس ذكري على كل حال ، وليكن همّك ذكري فإنّ الطريق إليَّ . { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إنّ لها صانعاً قادراً ومدبراً حكيماً . روى حماد عن علي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أُسري به إلى السماء السابعة فإذا ريح ودخان وأصوات قال : فقلت : ما هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذه الشياطين يحرقون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض ، ولولا ذلك لرأوا العجائب " . وكان ابن عور يقول : الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية ، كما يحدث الماء الزرع والنبات ، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ، ولا استنارت بمثل الفكرة . وحُكِي أن سفيان الثوري صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غُشي عليه . وكان سفيان يبول الدم من طول حزنه وفكره . زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل مستلقي على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أن لي ربّاً وخالقاً اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له " . وقال أبو الأحوص : بلغني أن عابداً يعبد في بني إسرائيل ثلاثين سنة وكان الرجل منهم إذا تعبّد ثلاثين سنة أظلته غمامة ولم ير شيئاً ، فشكى ذلك إلى والده . فقال له : يا بُني فكّر هل أذنبت ذنباً منذ أخذت في عبادتك ؟ قال : لا ، ولا أعلمني هممت به منذ ثلاثين سنة . قال : يا بني بقيت واحدة إن نجوت منها رجوت أن يظلك ؟ قال : وما هي ؟ قال : هل رفعت طرفك إلى السماء ثم رددته بغير فكرة ؟ قال : كثير . قال : من هاهنا أتيت . { مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } ذهب به إلى لفظ الخلق ولو ردّه إلى السماوات والأرض ، لقال : هذه باطلا عبثاً هزلا ، بل خلقته لأمر عظيم . وانتصاب ( الباطل ) من وجهين : أحدهما : بنزع الخافض ، أي للباطل وبالباطل . والآخر : على المفعول الثاني . { سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } أهنته . وقال المفضل : أهلكته ، وأنشد : @ أخزى الإله من الصليب عبيده واللابسين قلانس الرهبان @@ وقيل : فضحته ، نظيره قوله : { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } [ هود : 78 ] . واتخذ القائلون بالوعيد هذه الآية جُنّة ، فقالوا : قد أخبر الله سبحانه أنه لا يخزي النبي والذين آمنوا معه ثم قال : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } فوجب أن كل من دخل النار فليس بمؤمن وأنه لا يخرج منها . واختلف أهل التأويل في هذه الآية : فروى قتادة عن أنس في قوله تعالى : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } قال : إنك من تخلد في النار . وروى الثوري عن رجل عن ابن المسيب في قوله : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } فقال : هذه خاصة لمن لا يخرج منها . وروى أبو هلال الرّاجي عن قتادة في قوله : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } إنك من تخلد في النار ، ولا نقول كما قال أهل حروراء ، حدثنا بذلك أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج قوم من النار " . وقال بعضهم : ( إنك من تدخل النار ) من خلد فيها ومن لم يخلد فقد أخزيته بالعذاب والهلاك والهوان . قال عمرو بن دينار : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة ، فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت له : ( ربّنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) ، قال : وما إخزاؤه حين أحرقه بالنار إن دون ذلك لخزياً . وقال أهل المعاني : الخزي يحتمل الحياء ، يقال : خزيٌ يخزي ، خزاية إذا استحيا . قال ذو الرمّة : @ خزاية أدركته عند جوليه من جانب الحبل مخلوطاً بها الغضب @@ وقال القطامي في الثور والكلاب : @ حرجاً وكر كرور صاحب نجدة خزي الحرائر أن يكون جباناً @@ أي يستحي ، فخزي المؤمنين الحياء ، وخزي الكافرين الذل والخلود في النار . { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ينادي للإيمان أي إلى الإيمان ، كقوله : { لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . وقيل : اللام بمعنى أجل . قال قتادة : أخبركم الله عزّ وجلّ عن مؤمني الإنس كيف قالوا وعن مؤمني الجن كيف قالوا ، فأما مؤمنوا الجن فقالوا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } [ الآية : 1 - 2 ] وأما مؤمنوا الإنس فقالوا { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } . { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } أي في جملة الأبرار { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } على ألسِنَة رسلك كقوله : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 81 ] . وقرأ الأعمش : ( رسلك ) بالتخفيف . { وَ تُخْزِنَا } لا تعذبنا ولا تهلكنا ولا تفضحنا ولا تهنّا { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } يعني قيل : ما وجه قولهم : ( ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) وقد علموا وزعموا أن الله لا يخلف الميعاد ، والجواب عنه : إن لفظه الدعاء ، ومعناه الخبر تقديره : ( واغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) ولا تخزنا ، وتؤتينا ما وعدتنا على ألسن رسلك من الفضل والرحمة والثواب والنعمة ، وقيل معناه : واجعلنا ممّن تؤتيهم ما وعدت على ألسنة رسلك ويستحقون ثوابك ، لأنهم ما تيقنوا إستحقاقهم لهذه الكرامة ، فسألوه أن يجعلهم مستحقين لها ، ولو كان القوم قد شهدوا بذلك لأنفسهم ، لكانوا قد زكّوها وليس ذلك من صفة الأبرار . وقال بعضهم : إنما سألوا ربّهم تعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء وإعزاز الدين ، لأنها حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد علمنا أنك لا تخلف وعدك من النصر والظفر على الكفار ، ولكن لا صبر لنا على حكمك ، فعجّل خزيهم وانصرنا عليهم . ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجز وعده ، ومن أوعد على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار " . عن الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : سألني عمرو بن عبيد : أيخلف الله وعده ؟ قلت : لا . قال : فيخلف الله وعيده ؟ قلت : نعم . قال : ولِمَ ؟ قلت : لأن في خلفه الوعد علامة ندم وفي خلفه الوعيد إظهار الكرم ، ثم أنشأ يقول : @ ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ولا أختبي من خشية المتهدد إني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي @@ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة . وعن يزيد بن أبي حبيب : أن عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) قال : من قرأ في ليلة { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إلى آخرها كتبت له بمنزلة قيام ليلة . { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } . روى أبو بكر الهذلي عن الحسن قال : ما زالوا يقولون : ربّنا ربّنا حتى استجاب لهم ربّهم . وروى عن الصادق أنه قال : من حزَّ به أمر فقال خمس مرات : ربنا أنجاه الله ممّا يخاف وأعطاه ما أراد . قيل له : وكيف ذلك ؟ قال : اقرؤا إن شئتم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً إلى قوله تعالى الميعاد . فأما نزول الآية : فقال مجاهد : قالت أم سلمة : يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء بشيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال : وقالت الأنصار : هي أول ظعينة قدمت علينا { أَنِّي } أي بأني أو لأني ، نصب بنزع الخافض . وقرأ عيسى بن عمر : ( إني ) بكسر الألف ، كأنه أضمر القول أو جعل الإستجابة قولا . { لاَ أُضِيعُ } لا أحبط ولا أبطل { عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } أيها المؤمنون { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } . قال الكلبي : يعني من الدين والنصرة والموالاة ، وقيل : حكم جميعكم في الثواب واحد ، وقيل : كلكم من آدم وحواء . الضحاك : رجالكم بشكل نسائكم في الطاعة ونساؤكم بشكل رجالكم في الطاعة ، نظيرها قوله : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ التوبة : 71 ] . { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي في طاعتي ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة وآذوهم { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ } . قرأ محارب بن دثار : ( وقتلوا ) بفتح القاف وقاتلوا . وعن يزيد بن حازم قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقرأ : ( وقتلوا وقتلوا ) يعني أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين ثم قتلهم المشركون . وقرأ أبو رجاء والحسن وطلحة : ( وقاتلوا وقتِّلوا ) مشدداً . قال الحسن : يعني إنهم قطّعوا في المعركة . وقرأ عاصم وأبو عبيد وأهل المدينة : ( وقاتلوا وقتلوا ) يريد أنهم قاتلوا ثم قتلوا . وقرأ يحيى بن وثَّاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : ( وقتلوا وقاتلوا ) ولها وجهان : أحدهما وقاتل من بقى منهم ، تقول العرب : قتلنا بني تميم ، وإنما قتلوا بعضهم . والوجه الآخر : بإضمار ( قد ) أي وقتلوا وقد قاتلوا . قال الشاعر : @ تصابى وأمسى علاه الكبر @@ { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } . قال الكسائي : نصب ( ثواباً ) على القطع ، وقال المبرد : مصدر ومعناه : لأتينهم ثواباً . { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } . عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عزّ وجلّ يدعوا يوم القيامة بالجنة ويأتي بزخرفها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيل الله وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي ادخلوا الجنة ، فيدخلونها بغير حساب ولا عذاب ، فتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربّنا نسبح الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ، فيقول الله عزّ وجلّ : هؤلاء عبادي الذين أوذوا في سبيلي ، فيدخل عليهم الملائكة يقولون : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .