Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 196-200)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } نزلت في مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما يرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد ، فنزلت هذه الآية . وقال الفراء : كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال ، فأنزل الله { لاَ يَغُرَّنَّكَ } . وقرأ يعقوب : ( يغرنك ) وأخواتها ساكنة النون . وأنشد : @ لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي بالمنيات السحر @@ { تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : ضربهم وتصرفهم في البلاد للتجارات والبياعات وأنواع المكاسب والمطالب ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ، لأنه لم يغيّر لذلك . قال قتادة في هذه الآية : والله ما غرّوا نبي الله ولا وكّل إليهم شيئاً من أمر الله تعالى حتى قبضه الله على ذلك ، نظيره قوله تعالى : @ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ @@ [ غافر : 4 ] ، ثم قال : { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } أي هو متاع قليل بُلغة فانية ومتعة زائلة ، لأن كل ما هو فان فهو قليل . الأعمش عن عمارة عن يزيد بن معاوية النخعي قال : إن الدنيا جعلت قليلا فما بقى منه إلاّ القليل من قليل . روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن المستورد الفهري قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الدنيا في الآخرة إلاّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمّ ، فلينظر بم يرجع " . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما الدنيا فيما مضى إلاّ كمثل ثوب شق باثنين وبقي خيط إلاّ وكان ذلك الخيط قد انقطع " . { ثُمَّ مَأْوَاهُمْ } مصيرهم { جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } . قرأ أبو جعفر : بتشديد النون ، الباقون : بتخفيفه . { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً } . قرأ الحسن والنخعي : ( نزلاً ) بتخفيف الزاي استثقالا لضمتين ، وثقّله الآخرون ، والنزل الوظيفة المقدرة لوقت . قال الكلبي : جزاءً وثواباً من عند الله ، وهو نصب على التفسير ، كما يقال : هو لك صدقه وهو لك هبة ، قاله الفراء . وقيل : هو نصب على المصدر ، أي انزلوا نزلا ، وقيل : جعل ذلك نزلا . { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } من متاع الكفار . الحسن عن أنس بن مالك قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير مزمول بالشريط ، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ، ودخل عليه عمر وناس من أصحابه فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم انحرافة فرأى عمر ( رضي الله عنه ) أثر الشريط في جنبه فبكى ، فقال له : " ما يبكيك يا عمر ؟ " فقال عمر : ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيها من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا عمر ألم ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " قال : بلى . قال : " هو كذلك " " . { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } الآية ، اختلفوا في نزولها : فقال جابر بن عبد الله وابن عباس وأنس وقتادة : " نزلت في النجاشي ملك الحبشة واسمه أضحمة وهو بالعربية عطية وذلك أنه لما مات نعاه جبرئيل لرسول الله في اليوم الذي مات فيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أُخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم " . قالوا : ومن هو ؟ قال : " النجاشي " ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي ، وصلى عليه ركعتين وكبّر أربع تكبيرات واستغفر له ، وقال لأصحابه : " استغفروا له " . فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية " . عطاء : نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب ، وأثني وثلاثين من أرض الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ابن جريج وابن زيد : نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه ، مجاهد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم . { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } يعني القرآن { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } يعني التوراة والإنجيل { خَاشِعِينَ للَّهِ } خاضعين متواضعين ، وهو نصب على الحال والقطع { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني لا يحرّفون كتبهم ولا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم لأجل المأكلة والرئاسة ، كما فعلت رؤساء اليهود { أُوْلۤـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ } . قال الحسن : ( اصبروا ) على دينكم فلا تدعوه لشدة ولا رخاء ولا سرّاء ولا ضرّاء ، قتادة : ( اصبروا ) على طاعة الله ، الضحاك ومقاتل بن سليمان : ( اصبروا ) على أمر الله عزّ وجلّ ، مقاتل ابن حيان : ( اصبروا ) على فرائض الله ، زيد بن أسلم : على الجهاد ، الكلبي : على البلاء . قالت الحكماء : الصبر ثلاثة أشياء : ترك الشكوى ، وصدق الرضا ، وقبول القضاء . وقيل : الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنّة . { وَصَابِرُواْ } يعني الكفار ، قاله أكثر المفسرين . قال عطاء والقرظي : ( وصابروا ) الوعد الذي وعدكم ، { وَرَابِطُواْ } يعني المشركين ، وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم ، ثم قيل ذلك لكل مقيم في ثغر يدفع عمّن وراءه وإن لم يكن له مركب ، قال الله تعالى : { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } [ الأنفال : 60 ] . قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا حامد ( الخازرنجي ) يقول : المرابطة اعتقال المبارزين في الحرب ، وأصل الربط الشد ، ومنه قيل للخيل : الرباط ، ويقال : فلان رابط الجأش ، أي قوي القلب . قال لبيد : @ رابط الجأش على كل وجل @@ قال عبيد : داوموا واثبتوا . عن سمط بن عبد الله البجلي عن سلمان الفارسي : أنهم كانوا في جند المسلمين ، فأصابهم ضرّ وحصر فقال سلمان لصاحب الخيل : ألا أحدّثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون لك عوناً على الجند ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رابط يوماً أو ليلة في سبيل الله كان عدل صيام شهر وصلاته الذي لا يفطر ولا ينصرف من صلاة إلاّ لحاجة ، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجرى الله له أجرة حتى يقضي بين أهل الجنة وأهل النار " . الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رابط يوماً في سبيل الله جعل الله عزّ وجلّ بينه وبين النار سبعة خنادق ، كل خندق منها كسبع سماوات وسبع أرضين " . وفيه قول آخر وهو ما روى مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن صالح قال : قال لي سلمة بن عبد الرحمن : يابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } ؟ قال : قلت : لا . قال : إنه يابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكنّه انتظار الصلاة خلف الصلاة . ودليل هذا التأويل ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " اسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط " . وقال أصحاب اللسان في هذه الآية { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ } عند صيام النفس على احتمال الكرب { وَصَابِرُواْ } على مقابلة العناء والتعب { وَرَابِطُواْ } في دار أعدائي بلا هرب . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } بهمومكم من الألتفات إلى السبب { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } غداً بلقائي على بساط الطرب . السري السقطي : اصبروا على الدنيا ، رجاء السلامة ( وصابروا ) عند القتال بالبينات والاستقامة ( ورابطوا ) هوى النفس اللوامة ( واتقوا ) ما يعقب لكم الندامة ( لعلكم تفلحون ) غداً على بساط الكرامة . وقيل : ( اصبروا ) على بلائي ( وصابروا ) على نعمائي ( ورابطوا ) في دار أعدائي ( واتقوا ) محبة من سواي ( لعلكم تفلحون ) غداً بلقائي . وقيل : ( اصبروا ) على الدنيا ( وصابروا ) على البأساء والضراء ( ورابطوا ) في دار الأعداء ( واتقوا ) اله الأرض والسماء ( لعلكم تفلحون ) في دار البقاء .