Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 23-32)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } حظاً من التوراة . { يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } ، فقد علمهم أنَّها في التوراة . { وَهُمْ مُّعْرِضُونَ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } : أي فكيف يصنعون { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } : وهو يوم القيامة . { وَوُفِّيَتْ } : ذكرت . { كُلُّ نَفْسٍ } : برَّ أو فاجر . { مَّا كَسَبَتْ } : أي جزاء ما عملت من خير أو شر . { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } : لا ينقصون من حسناتهم ولا يُزداد على سيئاتهم . روى الضحاك عن ابن عباس ، قال : " أوَّل راية تُرفع لأهل الموقف ذلك اليوم من رايات الكفار راية اليهود ، فيقمعهم اللَّه على رؤوس الاشهاد ثم يأمر بهم الى النار " . { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } ، قد روى الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : " إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " لما أراد اللَّه أنْ ينزّل فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، و { شَهِدَ ٱللَّهُ } ، و { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } … إلى { بِغَيْرِ حِسَابٍ } تعلقن بالعرش ، وليس بينهن وبين اللَّه حجاب ، وقلن : يا رب تهبطنا دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن متعلقات بالطيور والعرش . فقال تعالى : وعزَّتي وجلالي ما من عبد قرأكنَّ في دبر كل صلاة مكتوبة إلاَّ أسكنتهُ حظيرة القدس على ما كان فيه ، وإلاّ نظرتُ له بعيني في كل يوم سبعين مرة ، وإلاَّ قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلاَّ أعذته من كل عدو ونصرته عليه ، ولا يمنعه دخول الجنة إلاَّ الشرك " . وقال معاذ بن جبل : " أحتبستُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوماً لم أصلِّ معهُ الجمعة . فقال : يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة ؟ قلت : يا رسول اللَّه كان ليوحنا اليهودي عليَّ أوقية ( من تبر ) ، وكان على بابي يرصدني ، فأشفقت أن يحبسني دونك . فقال : " أتحب يا معاذ أنْ يقضي اللَّه دينك ؟ قلت : نعم يا رسول اللَّه . قال : قل { ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } … إلى قوله : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، وقل : " يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها تُعطي منها ما تشاء وتمنع منها ما تشاء ، أقضِ عني دَيني . فإنْ كان عليك ملىء الأرض ذهباً قضاهُ اللَّه عنك " " . قال قتادة : " ذُكر لنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أنْ يجعل مُلك فارس والروم في أمته ، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية . " وقال ابن عباس ، وأنس بن مالك : " لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته مُلك فارس والروم . قالت : المنافقين واليهود : هيهات هيهات من أينَ لمحمد مُلك فارس ، هم أعزَّ وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في مُلك فارس والروم . فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية . " وروى كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ، قال : " خطّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخندق في عام الأحزاب . ثمّ قطع أربعين ذراعاً بين كلّ عشرة ، قال : فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، وكان رجلاً قوياً ، فقال المهاجرون : سلمان مِنّا . وقال الأنصار : سلمان منّا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سلمان منّا أهل البيت " " . قال عمرو بن عوف : " كنتُ أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً ، فحفرنا حتى بلغنا الصدى أخرج اللَّه من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقَّت علينا . فقلنا يا سلمان : آت إلى رسول اللَّه وأخبره خبر هذه الصخرة . فإمّا أنْ نعدل عنها فإنَّ المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيها بأمر ، فإنّا لا نحب أن نجاوز خطة . قال : فرقى سلمان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبّة تركية . فقال : يا رسول اللَّه خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق ، وكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيء منها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك فإنّا لا نحب أن نجاوز خطك ، قال : فهبط رسول اللَّه مع سلمان الخندق وبقينا نحن التسعة على شفة الخندق . فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، يعني المدينة ، حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم ، فكبَّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبير فَتْح ، وكبَّر المسلمون ، ثم ضربها صلى الله عليه وسلم فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيتُ مظلم ، فكبَّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبير فتح ، وكبَّر المسلمون معه . فأخذ بيد سلمان ورقى . فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه لقد رأيتُ شيئاً ما رأيتُ مثلهُ قط فالتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال : رأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا : نعم يا رسول اللَّه ( بأبينا أنت وأمّنا وقد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج ، فرأيناك تكبّر فنكبّر ولا نرى شيئاً غير ذلك ) قال : ضربت ضربتي الأولى ، فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبرائيل ( عليه السلام ) أنَّ أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور نصرى من أرض الروم كأنَّها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبرائيل ( عليه السلام ) أنَّ أمتي ظاهرة عليها . ( ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبرائيل أنَّ أمتي ظاهرة عليها ) فأبشروا . فاستبشر المسلمون ، وقالوا : الحمد لله موعود صدق بأن وعدنا النصرُ بعد الحصر . ( فطبقت الأحزاب فقال : المسلمون : { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [ الآية : 22 ] " . وقال المنافقون : ألا تعجبون يُمنّيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنَّه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنَّها تفتح لكم وأنتم إنَّما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أنْ تبرزوا ، قال : فأنزل القرآن : { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الأحزاب : 12 ] وأنزل اللَّه في هذه القصة قوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } . واختلف النحاة في وجه دخول الميم في هذا الاسم وأصلهُ ( اللَّه ) وفي نصبه . وقال بعضهم : إنَّما أُدخل الميم في آخره بدلاً من حرف النداء المحذوف من أوله ؛ لأنَّ أصلهُ ( يا اللَّه ) فحذفت حرف النداء وأُدخلت الميم خلفاً منه . كما قالوا : فم ، ودم ، وزر ، قم مُحذف وستهم ، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف . واحتجوا بأنّ نحوها من الأسماء والنعوت إذا حُذف منها حرف أُبدل مكانهُ ميم ، ولمّا كان المحذوف من هذا الاسم حرفين كان البدل ميمين ، فأدغمت إحداها في الأُخرى فجاء التشديد لذلك ، وفي سائر أخواتها مخففة ؛ لأنَّ المحذوف حرف واحد ثم نُصب لحق التضعيف . وأنكر الآخرون هذه القول وقالوا : سمعنا العرب يدخل الميم فيه مع ياء النداء وأنشد الفرّاء : @ وما عليكِ أنْ تقولي كلما سبحتَّ أو هللت يا اللّهمّ ما اردد علينا شيخنا مسلما فإنّنا من خيره لن نعدما @@ قالوا : ونرى أنَّما أصله اللَّه في الدعاء . بمعنى ( يا اللَّه ) ضُم إليها أمَّ وحذف حرف النداء . يُراد يا الله آتنا الخير أي : أقصدنا به ثمّ ضرب في الكلام حتى اختلطت به . فحذفت الهمزة استخفافاً كقولهم : هلَّم إلينا كان أصلهُ هل لم إلينا ، أي أقصد أو أسرع . ثم كُثرت هذه اللفظة حتى قالوا : لاهم بمعنى اللهم ، وربما خفضوا ميمها أيضاً ، واللَّه أعلم . وقال أبو رجاء العطاردي : هذه الميم في قوله : ( اللَّهم ) : تجمع سبعين اسماً من أسمائه عزَّ وجلَّ مالك المُلك . قال اللَّه تعالى في بعض الكتب : أنا اللَّه مالك الملوك ومالك الملك ، قلوب الملوك ونواصيها بيدي ، فإذا العباد أطاعوني جعلت عليهم رحمة ، وإذا العباد عصوني جعلت عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسبَّ الملوك ، ولكن توبوا إليَّ اعطفهم عليكم . { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة ، الكلبي : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } محمد وأصحابه ، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : أبي جهل وصناديد قريش . وقال معتصم : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : العرب . { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : الروم والعجم وسائر الأمم . السدَّي : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : آتى اللَّه الأنبياء وأمر العباد بطاعتهم . { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : نزع من الجبّارين وأمر العباد بخلافهم . وقيل : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : آدم وولده ، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } إبليس وجُنده . وقيل : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : داود . { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : جالوت . وقيل : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : صخراً . { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : سليمان ( عليه السلام ) كان يطعم الخبز الجواري ويأكل خبز الشعير ، وكان يلبس المرقعة ولم ينظر أربعين سنة إلى السماء تخشيّاً لله . وكان يدخل المسجد فيرتاد فقيراً يقعد بجنبهِ ، ويقول : مسكينٌ جالس مسكيناً { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : ملك النفس حتى يغلبهُ هواه ويتخذهُ إلهاً . كما قال اللَّه عزَّ وجل { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] . وقال الشاعر : @ ملكتُ نفسي فذاك ملكٌ ما مثلهُ للأنام ملكٌ فصرتُ حراً بملك نفسي فما لخلق عليَّ ملكٌ @@ آخر : @ من ملك النفس فحر ( ضاهي ) والعبدُ من يملكهُ هواه @@ وقيل : هو ملك العافية . قال اللَّه تعالى : { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [ المائدة : 20 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم آمناً في سربه . معافىً في بدنه ، وعندهُ قوت يومهِ ؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " . وقيل : هو القناعة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ملوك أمتي القانع يوماً بيوم ، فمن أوتي ذلك فلم يقبلهُ بقبوله ولم يصبر عليه شاكراً قصر عملهُ ، وقل عقلهُ " . وعن ابن المبارك قال : دخلت على سفيان الثوري بمكة ، فوجدتهُ مريضاً شارب دواء ، وبه غمٌ شديد فسلمتُ عليه ، وقلت : مالك يا عبد اللَّه ؟ فقال : أنا مريضٌ شارب دواء وبيَّ غمٌ شديد ، فقلتُ : أعندك بصلة ؟ قال : نعم ، فقلت : آتيني بها فأتاني بها ، فكسرتها ثم قلتُ : شِمَّها فشَمَّها ؛ فعطس عند ذلك فقال : الحمدُ لله ربَّ العالمين ، فسكن ما به ، فقال لي : يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب أو قال : عالمٌ وطبيب ، فقلت لهُ : مجرّب يا أبا عبد اللَّه . قال : فلمّا رأيته سكن ما بهِ وطابت نفسهُ . قلتُ : إني أريد أنْ أسألك حديثاً . فقال : سلْ ما شئتَ . فقلت : أخبرني ما الناس ؟ قال : الفقهاء . قلتُ : فما الملوك ؟ قال : الزَّهادْ . قلتُ : فما الاشراف ؟ قال : الأتقياء . قلتُ : فما الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس . قلت له : أخبرني رحمك اللَّه : ما السفلة ؟ قال : الظلمة . ثم ودّعتهُ وخرجت من عنده . قال : يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنهُ موجود رخيص قبل أنْ يغلوا فلا يوجد بالثمن . وقال عبد العزيز بن يحيى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : يعني الملك على المهين وقهر الشيطان . كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم " . وقال تعالى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : يعني ملك المعرفة ، كما آتى السحرة : { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } ، كما نزع من إبليس وبلعام . الحسين بن الفضل : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : يعني ملك الجنة كما آتى المؤمنين قال اللَّه تعالى : { وَمُلْكًا كَبِيرًا } ، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : كما نُزع من الكفار وأهل النَّار . أبو عثمان : أراد ( بالملك ) : توفيق للإيمان والطاعة . وحكى الاستاذ أبو سعيد الواعظ : إنَّهُ سمع بعض زهّاد اليمن يقول : هو قيام الليل . الشبلي : الاستغناء بالمكوِن عن الكونين . الواسطي : افتخر الملوك بالملك . فأخبرهم اللَّه تعالى أنَّ الملك ( زائل ) عندهم لقوله تعالى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } . قالت الحكماء في هذه الآية : هذا إخبار عن كمال القدرة . وأنَّ القادر على الكمال هو القادر على الشيء وضده ، فأخبر أنَّه قادر على أن يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء . { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : قال عطا : تعز من تشاء : المهاجرين والأنصار ، وتذل من تشاء : فارس والروم . وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآء } : محمداً وأصحابه حين دخلوا مكة وعشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حين حزَّوا رؤوسهم وألُقوا في القليب . وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالايمان والمعرفة . وتذل من تشاء : بالخذلان والحرمان . وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالتمليك والتسليط . وتذل من تشاء : بسلب الملك وتسليط عدوهُ عليه . الورّاق : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بقهر النفس ومخالفة الهوى . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : باتباع الهوى . الكياني : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بقهرهِ الشيطان . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بقهر الشيطان لنا . وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالقناعة والرضا . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بالخزي والطمع . قال الثعلبي ( رحمه اللَّه ) : وسمعتُ السلمي يقول : سمعت عبد اللَّه بن علي يقول : سمعت محمد بن الفضل يقول : سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول : سمعت بنان الحمّال يقول : الحرَّ عبدٌ ما طمع . والعبد حرٌ ما قنع . وقال وهب : خرج الغنى والعز يجولان فلقيا القناعة فاستقرا . وقال عيسى ( عليه السلام ) لأصحابه : لأنتم أغنى من الملوك . قالوا : كيف يا روح اللَّه ولسنا نملك شيئاً ؟ قال : أنتم ليس عندكم شيء ولا تريدونها ، وعندهم أشياء ولا تكفيهم . وللشافعي ( رضي الله عنه ) : @ ألاَّ يا نفس أنْ ترضي بقوت فأنتِ عزيزة أبداً غنَّية دعي عنكِ المطامع والاماني فكم أمنية جلبت منيَّة @@ وقال الآخر : @ أفادتني القناعة كل عز وهل عزٌّ أعزُّ من القناعة فصيرَّها لنفسك رأس مال وصيّرها مع التقوى بضاعة @@ وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالإخلاص ، وتذلُ مَن تشاء : بالرياء . وقال الحسن بن الفضل : { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بالجنة والرؤيا . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بالنار والحجاب . { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } : يعني الخير والشر ، فأكتفي بذكر الخير ؛ فإنَّهُ الأفضل والاغلب كقوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] : أي الحر والبرد { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } : ( أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر ) حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة ( وهو أطول ما يكون ) ، والليل تسع ساعات ، ( وهو أقصر ما يكون ) . { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } : حتى يكون الليل خمس ( عشر ) ساعة ، والنهار تسع ساعات فما نقص عن هذا زيدَ في الآخر نظير قوله تعالى : { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } [ الزمر : 5 ] . قال سعيد بن جبير : يوم وليلة ويوم وليلة عند خلق السماوات والأرض إلى أن تقوم الساعة ، ثم قرأ : { يولج الليل في النهار ويولج النَّهار في الليل } . { يخرج الحي مِن الميت ويخرج الميتَ من الحي } قال ابن مسعود وابن جبير ومجاهد وقتادة والضحّاك وإبراهيم والسدَّي وإسماعيل بن أبي خالد وعبد الرحمن بن زيد : يخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة ، ويخرج النطفة من الحيوان . عكرمة والكلبي : { يخرج الحي من الميت } ، أي الفرخ من البيضة ويخرج البيضة من الطير . أبو مالك : يخرج النخلة من النواة ، ويخرج النواة من النخلة ، ويخرج السنبلة من الحبة والحبّة من السنبلة . الحسن : يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن ، والمؤمن عبدٌ حي الفؤاد ، والكافر عبدٌ ميتُ الفؤاد يدل عليه قوله : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ … } [ الأنعام : 122 ] . معمر عن الزهري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه ، فإذا بإمرأة حسنة الهيئة ، فقال : من هذه ؟ قالت : إحدى خالاتك ، فقال : إن خالاتي بهذه البلاد ( كثير ) أي خالاتي هذه ؟ قالت : هذه خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث ، فقال : " سبحان اللَّه الذي يخرج الحي من الميت " وكانت امرأة صالحة . وكان مات أبوها كافراً . الفرّاء : يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب . وقال أهل الاشارة : يخرج الحكمة من قلب الفاجر حتى لا تستقر فيه ، والسَّقطة من لسان العارف . { وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال ابن عباس : كان الحجّاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد ظفروا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر وعبدالله بن حبير وسعد بن جهيمة لأولئك النفر : أجتنبوا هؤلاء اليهود ، واحذروا لزومهم ومخاطبتهم وملازمتهم فأنزل اللَّه تعالى فيهم هذه الآية . وقال المقاتلان : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ، كانوا يظهرون المودَّة لكفار مكة فنهاهم اللَّه عزَّ وجل عن ذلك . الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : نزلت في المنافقين عبد اللَّه بن أُبي وأصحابه ، كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ، ويرجون أنْ يكون لهم الظفر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم . وروى يوسف بن داود الضبي عن بعضهم ، قال : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } بالرفع خبراً عنهم وفيه معنى النهي كقوله تعالى : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . جوبير عن الضحاك عن ابن عباس : نزلت في عُبادة بن الصامت الأنصاري ، وكان بدرياً تقياً ، وكان له حلفاء من اليهود ، فلمّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، قال عبادة : يا نبي اللَّه إنَّ معي خمسمائة رجل من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهرتهم على العدَّو ، فأنزل اللَّه تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } الآية . { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } : أي موالاة الكفار في نقل الأخبار إليهم ، وإظهارهم على عدَّة المسلمين ، { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } : وفيه اختصار ، أي ليس من دين اللَّه في شيء . وقال الحسن والسدَّي : ليس من الولاية في شيء ، فقد بريء اللَّه منهُ ، ثم استثنى فقال : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } : يعني : إلاَّ أنْ تخافوا منهم مخافة . وقرأ أبو العالية عن الحسن ، والضحاك وأبو رجاء وجابر بن زيد وحميد بن مجاهد : تقية على وزن نقية ، [ وخالفهما ] أبو حاتم قال : لأنهم كتبوها بالياء مثل حصاة ونواة إلاَّ بالألف . قرأ حمزة والكسائي وخلف : " تقية " بالاحتجاج فكان الياء . وقرأ الباقون " تقاة " بالتضميم . وأختاره أبو عبيدة . وقرأ الأخفش : " تقاءة " مثل تكأة ويؤده ونحوها ، وهي مصدر ( أتقى ) ومثال تقيهُ تُقاةً وتقية وتقيٌ وتقوى ، وإذا قلت : اتقنت كان مصدرهُ الاتقاء ، وإنَّما قال : " تتقوا " من الأتقياء ، ثم قال : " تقاة " ولم يقل أتَّقاء ؛ لأن العرب إذا كان بالكلمتين واحداً واختلف ألفاظها أخرجوا مصدر أحد اللفظين مصدر اللفظ الآخر فيقولون : التقيتُ فلاناً لقاءً حسناً . وقال القطامي في وصف غيث : @ قد لجّ بجانب الجبلين … ركام يحفر الترب احتفاراً @@ ولم يقل حفراً قال اللَّه تعالى : { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] . وقال : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] . وأما معنى الآية فقال المفسرون : نهى اللَّه عزَّ وجلَّ المؤمنين عن ملاطفة الكافرين وموالاتهم ومداهنتهم ومبايعتهم إلاَّ أنْ يكون الكفَّار ظاهرين غالبين ، أو يكون المؤمن في قوم كفَّار ليس فيهم غيره ، ويخافهم ويداريهم باللسان وقلبه مطمئنُ بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أنْ يسفك دماً حراماً ، أو مالاً حراماً ، أو يُظهر الكافرين على عورة المؤمنين ، فالمتَّقي لا يكون إلاَّ مع خوف القتل وسلامة النية كفعل عمار بن ياسر . عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب ، قال : ورد رجلٌ على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال : ما أراني إلاَّ قد هلكت ، قال : مالك ؟ قال : قد عذّبني قريش . فقلت : ما قالوا ؟ قال : كيف كان قلبك ؟ قال : مطمئن ، قال : فإنْ عادوا لك فعد لهم مثل ذلك ، قالها ثلاث مرات . المسيب بن عبيدة عن إبراهيم ، قال : قال ابن مسعود : خالطوا النَّاس ونائلوهم وصافحوهم بما يشتهون ، ودينكم لا يكون به ريبة . وقال صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد : أنا كنت أحبُّ إلى أبيك منك ، وأنت أحبُّ إليَّ من أبي ولذا أوصيك بخصلتين : خالص المؤمن وخالق الكافر ؛ فإنَّ الكافر يرضى منك بالخلق الحسن ، ويحق عليك أن تُخالص المؤمن . وروي عن جعفر بن محمد الصادق أنَّه قال : التقية واجبة ، وإني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستر بالسارية منهُ لئلا يراني . وقال : الرياء مع المؤمن شرك ومع المنافق في داره عباده . وأنكر قوم التقيَّة اليوم : فقال معاذ بن جبل عن مجاهد : كانت التقيَّة في جُدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، فأمّا اليوم فقد أعزَّ اللَّه عزَّ وجل الإسلام ، فليس ينبغي لأهل الإسلام أنْ يتّقوا من عدوهم . وقال يحيى البكاء : قلتُ لسعيد بن جبير في أيام الحجّاج : إنَّ الحسن كان يقول لكم : التقيَّة باللسان والقلب مطمئن بالإيمان . قال سعيد : ليس في الإسلام تقيَّة إنَّما التقيّة في أهل الحرب . { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } : أي يخوّفكم اللَّه على موالاة الكفار وارتكاب المنهي ومخالفة المأمور من نفسه . قال المفسرون : من عذاب نفسه وعقوبته وبطشه . وقال أهل المعاني : معناه ويحذّركم اللَّه إيَّاه ؛ لأن الشيء والنفس والذات والإسم عبارة عن الوجود ، ونفس الشيء هو الشيء بعينه كقوله : { أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [ النساء : 66 ] : أي ليقتل بعضكم بعضاً . وقال الأعشى : @ يوماً بأجود نائلاً منه إذا نفس البخيل تجهمت سؤالها @@ أراد إذا البخيل تجهم سؤاله . { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } ، { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ } : قلوبكم من مودة الكفَّار . { أَوْ تُبْدُوهُ } : من موالاتهم قولا وفعلا ، { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } : وقال الكلبي : أي ستروا ما في قلوبكم لرسول اللَّه من التكذيب ، ويظهرون بحربه . وقال : يعلمه اللَّه ويحفظ عليكم حتى يحاربكم به ويعاقبكم عليه ، ثم قال : { وَيَعْلَمُ } : رفع على الاستئناف كقولهم : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [ التوبة : 14 ، 15 ] بالرفع . وقوله : { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } [ الشورى : 24 ] ، ثم قال : { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ } [ الشورى : 24 ] : وكيف يخفى عليه موالاتكم الكافرين وميلكم إليهم ، مودَّة بالقلب : أي معونة بالقلب والفعل . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } : نصب يوماً ، نزع حرف الصفة أي في يوم . وقيل : نصب بإضمار فعل ، أي : إذكروا واتقوا { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } : موفراً لم يبخس منه شيء . قراءة العامة بنصب الضاد على المفعول قد صدَّهم قوله : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [ الكهف : 49 ] : وقرأ عبيد عن عُمير محضراً بكسر الضاد يريد أن عمله يحضره الجنَّة يسرع به من الحضور أو الحضر . { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ } : جعل بعضهم خبراً في موضع النصب ، وأعمل فيها الوجود وجعل عملت صلة لها ، أي : ويجد عملها ، وجَعله بعضه خبراً مستأنفاً ، وحينئذ يجوز في { تَوَدُّ } الرفع ، والجزم ، دليل هذا التأويل : قراءة عبد اللَّه { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ } . { لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا } : بين النفس { وَبَيْنَهُ } : يعني بين السوء { أَمَدَاً بَعِيداً } : والأمد : الأجل والغاية التَّي ينتهي إليها . قال اللَّه : { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } [ الجن : 25 ] ، وقال : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } [ الحديد : 16 ] . قال النابغة : @ ألا لمثلك أو من أنت سابقة بسبق الجواد إذا إستويا على الأمد @@ قال السدي : أمداً بعيداً أي : مكان بعيد . مقاتل : كما بين المشرق والمغرب . قال الحسن : ليس أحدهم أن لا يلقى عمله أبداً ولا يوَدَّ لو أن يعلمه . { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } : أي بالمؤمنين منهم . { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } الآية ، قال الحسن وابن جريج : زعم أقوام على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّهم يحبَّون اللَّه ، فقالوا : يا محمَّد إنَّا نحبُ ربَّنا ، فأنزل اللَّه عز وجل هذه الآية ، وجعل إتبَّاع نبيه عَلماً لحبَّه تعالى . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام ، وقد نصبوا أصنامهم وعلَّقوا عليها بعض النعام وجعلوا في آذانها السيوف وهم يسجدون لها . فقال : يا معشر قريش واللَّه لقد خالفتم ملَّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، ولقد كانا على الإسلام . فقالت له قريش : يا محمَّد إنَّا نعبدها حبَّاً لله ، ليقرّبونا إلى الله زلفى ، فقال الله تعالى : قل يا محمّد إنْ كنتم تحبّون الله وتعبدون الأصنام ليقرّبوكم إليه فاتبعوني يحببكم اللَّه ، وأنا رسوله إليكم وحجتَّه عليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنَّ اليهود لمَّا قالوا : نحن أبناء اللَّه وأحباؤه ، أنزل اللَّه هذه الآية ، فلمَّا نزلت عرضها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على اليهود ، فأبوا أن يقبلوها . روى محمد بن إسحاق عن محمَّد بن جعفر عن الزبير : قال : نزلت في نصارى أهل نجران وذلك أنَّهم قالوا : إنَّا نعظم المسيح ونعبده حبَّاً لله سبحانه وتعظيماً له ، فقال الله : قل يا محمّد : إنْ كنتم تحبّون الله وكان عظيم قولكم في عيسى حبّاً لله سبحانه وتعالى وتعظيماً له فاتَّبعوني يحببكم اللَّه ، أي : إتَّبعوا شريعتي وسنتي يحببكم اللَّه ، وحب المؤمنين لله إتباعهم أمره وقصدهم طاعته ورضاه ، وحبَّه عزَّ وجلَّ للمؤمنين ( منّة ) عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم وذلك قوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قال الثعلبي : أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو أحمد محمد بن ابراهيم الصريمي قال : أنشدنا علي بن محمد قال : أنشدني الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد اللَّه بن المبارك : @ تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه هذا لعمري في الفعال قبيح لو كان حبّك صادقاً لأطعته إنَّ المحب لمن يحبُّ مطيع @@ عروه عن عائشة قالت : " قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " الشرك أخفّ من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء ، وأدناه أن تحبّ على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل وهل الدين إلاّ الحبّ في الله والبغض في الله قال اللَّه : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } " . فلما نزلت هذه الآية قال عبد اللَّه بن أُبي ( لأصحابه : إنّ محمّداً يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبّه ) كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم ، فنزل : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ } : أعرضوا عن طاعتهما . { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } : لا يرضى فعلهم ولا شيء لهم ولا يغفر لهم . وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " من أطاعني فقد أطاع اللَّه ومن أطاع الإمام فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى اللَّه ومن عصى الإمام فقد عصاني " .