Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 36-53)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . قوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً } . قرأ ابن كثير ( آتَيْتُمْ ) مقصور غير ممدود { لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } . قرأ الحسن وعكرمة وأهل المدينة بضمّ التاء وجزم الواو وعلى الخطاب أي لتربوا أنتم ، وهي قراءة ابن عبّاس واختيار يعقوب وأيّوب وأبي حاتم . وقرأ الآخرون ( لِّيَرْبُوَ ) بياء مفتوحة ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا . واختاره أبو عبيد لقوله : { فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ } ولم يقل فلا يربى . واختلف المفسِّرون في معنى الآية . فقال سعيد ابن جبير ومجاهد وطاووس وقتاده والضحاك : هو الرجل يعطي الرجل العطية ويهدي الهدية ليثاب أكثر منها ، فهذا رباً حلال ليس فيه أجر ولا وزر ، وهذا للناس عامّة ، فأمّا النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة فكان هذا عليه حراماً لقوله عزّ وجلّ { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] . وقال الشعبي : هو الرجل يلزق بالرجل فيحف له ويخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله ليجزيه وإنّما أعطاه التماس عونه ولم يرد به وجه الله . وقال النخعي : هذا في الرجل يقول للرجل : لأمولنّك فيعطيه مراعاةً ، وكان الرجل في الجاهلية يعطي ذا القرابة له المال ليكثر ماله ، وهي رواية أبي حسين عن ابن عبّاس . وقال السدي : نزلت في ثقيف كانوا يعطون الربا . { فَلاَ يَرْبُو } يزكو { عِندَ ٱللَّهِ } لأنّه لم يرد به وجه الله . { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } قال قتادة : هذا الذي يقبله الله يضاعفه له عشر أمثالها وأكثر من ذلك . ومعنى قوله : ( المضعفون ) . أهل التضعيف . كقول العرب : أصبحتم مسمنين ، إذا سمنت إبلهم ، ومعطشين إذا عطشت . ورجل مقو إذا كانت إبله قويّة ، ومضعف إذا كانت ضعيفة ، ومنه الخبيث المخبِّث أي أصحابه خبّثاً . { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قوله تعالى : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ } أي قحط المطر ونقص الغلاّت وذهاب البركة { فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } تقول : أجدبت البرّ وانقطعت مادّة البحر { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } بشؤم ذنوبهم . قال قتادة : هذا قبل أَنْ يبعث الله نبيّه ( عليه السلام ) امتلأت الأرض ظلماً وضلالة ، فلمّا بعث الله عزّ وجلّ محمّداً ( صلى الله عليه وسلم ) رجع راجعون من الناس . فالبرّ أهل العمود والمفاوز والبراري ، والبحر أهل الرّيف والقرى . قال مجاهد : أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كلّ قرية على ماء جار فهو بحر . وقال عكرمة : العرب تسمّي الأمصار بحراً . وقال عطية وغيره : البرّ ظهر الأرض ، الأمصار وغيرها ، والبحر هو البحر المعروف . وقال عطية : إذا قلّ المطر قلّ الغوص . وقال ابن عبّاس : إذا مطرت السماء تفتح الأصداف فمها في البحر فما وقع فيها من ماء السماء فهو لؤلؤ . وقال الحسن : البحر القرى على شاطئ البحر . قال ابن عبّاس وعكرمة ومجاهد : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ } بقتل ابن آدم أخاه { وَٱلْبَحْرِ } بالمِلك الجائر الذي كان يأخذ كلّ سفينة غصباً واسمه الجلندا ، رجل من الأزد . { لِيُذِيقَهُمْ } قرأ السلمي بالنون وهو اختيار أبي حاتم . الباقون بالياء { بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } أي عقوبة بعض الذي عملوا من ذنوبهم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن كفرهم وأعمالهم الخبيثة . { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } يتفرّقون ، فريق في الجنّة وفريق في السعير { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } يفرشون ويسوّون المضاجع في القبور . { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ } ثوابه { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } . قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ } نعمته المطر . { وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } رزقه { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } أشركوا { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } في العاقبة ، فكذلك نحن ناصروك ومظفروك على مَن عاداك وناواك . قال الحسن : يعني أنجاهم مع الرسل من عذاب الأمم . أخبرني أبو عبدالله الحسين بن محمد بن عبدالله الدينوري ، قال أبو العبّاس أحمد بن محمد بن يوسف الصرصري ، عن الحسين بن محمد المطبقي ، عن الربيع بن سليمان ، عن علي ابن معبد عن موسى بن أعين ، عن بشير بن أبي سليمان ، عن عمرو بن مرّة عن شهر بن حوشب ( عن أُمّ الدرداء ) عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما مِن امرئ يردُّ عن عرضِ أخيه إلاّ كان حقّاً على الله سبحانه أنْ يردَّ عنهُ نار جهنّم يوم القيامة " ثمّ تلا هذه الآية : { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } . { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } أخبرني ابن فنجويه عن مخلد الباقر حي ، عن الحسن بن علوية ، عن إسماعيل بن عيسى ، عن إسحاق بن بشر ، أخبرنا إدريس أبو الياس ، عن وهب بن منبه : أنّ الأرض شكت إلى الله عزّ وجلّ أيّام الطوفان لأنّ الله عزّ وجلّ أرسل الماء بغير وزن ولا كيل فخرج الماء غضباً لله عزّ وجلّ فخدش الأرض وخدّدها فقالت : ياربّ إنّ الماء خدّدني وخدشني ، فقال الله عزّ وجلّ فيما بلغني والله أعلم إنّي سأجعل للماء غربالاً لا يخدّدك ولا يخدشكِ ، فجعل السّحاب غربال المطر . { فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ } ردّ الكناية إلى لفظ السحاب لذلك ذكرها . والسحاب جمع كما يُقال : هذا تمر جيّد { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } قطعاً متفرّقة . { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } وسطه . وقرأ ابن عبّاس مِن خِلَلِهِ . { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ } أي بالودق { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُواْ } وقد كانوا { مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } وقيل : وما كانوا إلاّ . قال قطرب والفائدة في تكرار قبل هاهنا أنّ الأُولى للأنزال والثّانية للمطر ، وقيل على التأكيد ، كقول الله عزّ وجلّ : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } [ آل عمران : 188 ] كرّر تَحسَبنَّ للتأكيد . وقال الشاعر : @ إذا أنا لم أؤمن عليك ولم يكن لقاؤك إلاّ من وراء وراء @@ وفي حرف ابن مسعود { لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا بِمَفَازَة مِنْ الْعَذَاب } غير مكرّر ، وفي حرفه أيضاً : { وَإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِم لَمُبلِسِينَ } غير مكرّر . قوله عزّ وجلّ : { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ } بالألف على الجمع أهل الشام والكوفة . واختلف فيه عن أصم ، غيرهم : أثر على الواحد { رَحْمَتِ ٱللَّهِ } يعني المطر { كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من البعث وغيره . { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً } باردةً مضرّةً فأفسدت ما أنبتَ الغيث { فَرَأَوْهُ } يعني الزرع والنبات كناية عن غير مذكور { مُصْفَرّاً } يابساً بعد خضرته ونضرته { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } وقد رأوا هذه الآيات الواضحات ، ثمّ ضرب لهم مثلاً فقال : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } .