Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-21)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } يعني العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأُمور . قال محمّد بن إسحاق بن يسار : وهو لقمان بن باعور بن باحور بن تارخ وهو آزر ، وقال وهب : كان ابن أُخت أيّوب . وقال مقاتل : ذُكر أنَّ لقمان كان ابن خالة أيّوب . قال الواقدي : كان قاضياً في بني إسرائيل ، واتّفق العلماء على أنّه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً إلاّ عكرمة فإنّه قال : كان لقمان نبيّاً ، تفرّد بهذا القول . حدّثنا أبو منصور الجمشاذي قال : حدّثني أبو عبدالله محمد بن يوسف ، عن الحسين بن محمد ، عن عبدالله بن هاشم ، عن وكيع عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة قال : كان لقمان نبيّاً . وقال بعضهم : خُيِّر لقمان بين النبوّة والحكمة ، فاختار الحكمة . وروى عبدالله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه يقول : " حقّاً أقول لم يكن لقمان نبيّاً ولكن عبد صمصامة كثير التفكير ، حسن اليقين ، أحبَّ الله فأحبّه وضمن عليه بالحكمة " . ( وروي أنّ لقمان في ابتداء أمره ) كان نائماً نصف النهار إذ جاءهُ نداء : يا لقمان هل لك أنْ يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ ؟ فأجاب الصوت فقال : إنْ خيّرني ربّي قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإنْ عزم عليَّ فسمعاً وطاعة . فإنّي أعلم إنْ فعل ذلك بي عصمني وأعانني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لِمَ يا لقمان ؟ قال : لأنّ الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كلّ مكان إن ( وفى فبالحري ) أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ، ومن يكن في الدنيا ذليلاً ( وفي الآخرة شريفاً ) خير من أن يكون ) في الدنيا ) شريفاً ( وفي الآخرة ذليلاً ) . ومن تخيّر الدنيا على الآخرة تفتهُ الدنيا ولا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأُعطي الحكمة . فانتبه يتكلّم بها . ثمّ نودي داود بعده فقبلها ولم يشرط ما شرط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرّة كلّ ذلك يعفو الله عزّ وجلّ عنه ، وكان لقمان يؤازره بحكمته ، فقال له داود : طوبى لك يا لقمان أُعطيت الحكمة وصُرفتْ عنك البلوى . وأُعطي داود الخلافة وأُبتلي بالبليّة والفتنة . وحدّثنا الإمام أبو منصور بن الجمشاذي لفظاً قال : حدّثني أبو عبدالله بن يوسف عن الحسن بن محمد ، عن عبدالله بن هاشم ، عن وكيع ، عن محمّد بن حسّان ، عن خالد الربعي قال : كان لقمان عبداً حبشيّاً نجّاراً . وأخبرنا أبو عبدالله بن فنجويه قال : حدّثني أبو بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن أبي عن أسود بن عامر ، عن حمّاد ، عن علي بن يزيد ، عن سعيد بن المسيب أنّ لقمان كان خيّاطاً . { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } يعني وقلنا له : أن اشكر لله . { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } . قال مجاهد : كان لقمان عبداً أسود عظيم الشفتين ، متشقّق القدمين . وروى الأوزاعي عن عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنّك أسود ، فإنّه كان من أخيَر الناس ثلاثة من السودان : بلال ومهجع مولى عمر بن الخطّاب ولقمان الحكيم كان أسود نوبيّاً من سودان مصر ذا مشافر . قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ } واسمه أنعم { وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } قال ابن عبّاس : شدّة بعد شدّة . الضحاك : ضعف على ضعف . قتادة : جهداً على جهد . مجاهد وابن كيسان : مشقّة على مشقّة . { وَفِصَالُهُ } فطامه . وروي عن يعقوب : وفصله { فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } أنبأني عبدالله بن حامد الأصفهاني ، عن الحسين بن محمد بن الحسين البلخي قال : أخبرني أبو بكر محمّد بن القاسم البلخي ، عن نصير بن يحيى ، عن سفيان بن عيينة في قول الله عزّ وجلّ : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } قال : مَنْ صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات فقد شكر للوالدين . { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } عِشْرة جميلة ، وتقديره : بالمعروف . { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ } واسلك طريق محمّد وأصحابه . { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقّاص وأُمّه ، وقد مضت القُصّة . { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } قال بعض النحاة : هذه الكناية راجعة إلى الخطيئة والمعصية ، يعني : إنَّ المعصية إنْ تَكُ . يدلّ عليه قول مقاتل : قال أنعم بن لقمان لأبيه : يا أبة إنْ عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال له : يا بُني إنّها إنْ تَكُ . وقال آخرون : هذه الهاء عماد ، وإنّما أنّث لإنّه ذهب بها إلى الحبّة ، كقول الشاعر : @ ويشرق بالقول الذي قد اذعته كما شرقت صدر القناة من الدم @@ ويرفع المثقال وينصب ، فالنّصب على خبر كان والرّفع على اسمها ومجازه : إنْ تقع وحينئذ لا خبر له : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } قال قتادة : في جبل ، وقال ابن عبّاس : هي صخرة تحت الأرضين السبع وهي التي يكتب فيها أعمال الفجّار ، وخضرة السماء منها ، وقال السدي : خلق الله الأرض على حوت وهو النون الذي ذكره الله عزّ وجلّ في القرآن { نۤ وَٱلْقَلَمِ } [ القلم : 1 ] والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك والملك ، على صخرة ، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض ، والصخرة على الرّيح . { أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيف } باستخراجها { خَبِيرٌ } عالم بمكانها . ورأيت في بعض الكتب أنّ لقمان ( عليه السلام ) قال لابنه : يا بُني { إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ } إلى آخر الآية . فانفطر من هيبة هذه الكلمة فمات فكانت آخر حكمته . قوله : { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي الأُمور الواجبة التي أمر الله بها ، وقال ابن عبّاس : حزم الأُمور . مقاتل : حقّ الأُمور . { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } قرأ النخعي ونافع وأبو عمرو وابن محيص ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي تصاعر بالألف . أخبرني أبو عبدالله بن فنجويه قال : أخبرني أبو حبش قال أبو القاسم بن الفضل قال أبو زرعة : حدّثني نضر بن علي قال : أخبرني أبي عن معلى الورّاق عن عاصم الجحدري { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ } بضم التاء وجزم الصاد من أصعر . الباقون { تُصَعِّرْ } من التّصعير . قال ابن عبّاس : يقول لا تتكبّر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلّموك . مجاهد : هو الرجل يكون بينه وبينك إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه . عكرمة : هو الذي إذا سُلّم عليه لوى عنقه تكبّراً . الربيع وقتادة : لا تحقّر الفقراء ، ليكن الفقير والغني عندك سواء . عطاء : هو الذي يلوي شِدقه . أخبرنا عبدالله بن حامد ، عن حامد بن محمد ، عن محمد ابن صالح ، عن عبد الصمد ، عن خارجة بن مصعب ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاس } قال : التشديق في الكلام . وقال المؤرّخ : لا تعبس في وجوه الناس . وأصل هذه الكلمة من المَيل ، يقال : رجل أصعَر إذا كان مائل العنق . وجمعُهُ صُعر ، ومنه ، الصِّعر : وهو داء يأخذ الإبل في أعناقها ورؤوسها حتى يلفت أعناقها ، فشُبّه الرجل المتكبّر الذي يعرض عن الناس احتقاراً لهم بذلك . قال الشاعر يصف إبلاً : @ وردناه في مجرى سهيل يمانياً بصعر البري من بين جمع وخادج @@ أي مائلات البري . وقال آخر : @ وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه أقمنا له من ميله فتقوّما @@ { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } أي خيلاءَ . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } في مشيته { فَخُورٍ } على الناس . أخبرني عبدالله بن حامد الوزان ، عن أحمد بن محمد بن شاذان ، عن جيغويه ، عن صالح ابن محمد ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خرج رجل يتبختر في الجاهلية عليه حُلّة ، فأمر الله عزّ وجلّ الأرضَ فأخذتْه ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " . { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي تواضع ولا تتبختر وليكن مشيك قصداً لا بخيلاء ولا إسراع . أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ سنة إحدى وثمانين وثلثمائة قال : أخبرني أبو العبّاس محمد بن إسحاق السرّاج وأبو الوفا ، المؤيّد بن الحسين بن عيسى قالا : قال عبّاس بن محمد الدوري ، عن الوليد بن سلمة قاضي الأردن ، عن عمر بن صهبان ، عن نافع عن ابن عمران أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " سرعة المشي يذهب بهاء المؤمن " . { وَٱغْضُضْ } واخفض { مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } قال مجاهد وقتادة والضحاك : أقبح ، أوّله زفير وآخره شهيق ، أمره بالاقتصاد في صوته . عكرمة والحكم بن عيينة : أشدّ . ابن زيد : لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله للحمير . أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحري قال : أخبرني أبو حامد أحمد بن عبدون بن عمارة الأعمش قال : أخبرني أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، عن يحيى بن صالح الوحاضي ، عن موسى بن أعين قال : سمعت سفيان يقول في قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } يقول : صياح كلّ شيء تسبيح لله عزّ وجلّ إلاّ الحمار . وقيل : لأنّه ينهق بلا فائدة . أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه عن محمد بن الحسين بن بشر قال : أخبرني أبو بكر ابن أبي الخصيب ، عن عبدالله بن جابر ، عن عبدالله بن الوليد الحراني ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن محمد بن زادان ، عن أُمّ سعد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله عزّ وجلّ يبغض ثلاثة أصوات : نهقة الحمار ، ونباح الكلب ، والداعية بالحرب " . فصل في ذِكْر بعض ما رُوي مِنْ حِكَمِ لُقمان أخبرنا عبدالله بن حامد الوزّان الأصفهاني ، عن أحمد بن شاذان ، عن جيغويه بن محمد ( عن صالح بن محمد ) عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن محمد بن عجلان قال : قال لقمان : ليس مال كصحّة ، ولا نعيم كطيب نفس . وأخبرنا أبو عبدالله الحسين بن محمد الدينوري ، عن عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي ، عن محمد بن عبد الغفّار الزرقاني ، عن أبو سكين زكريا بن يحيى بن عمر بن ( حفص ) عن عمّه أبي زجر بن حصن ، عن جدّه حميد بن منهب قال : حدّثني طاووس ، عن أبي هريرة قال : مرَّ رجل بلقمان والناس مجتمعون عليه فقال : ألستَ بالعبد الأسود الذي كُنتَ راعياً موضع كذا وكذا ؟ قال : بلى . قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني . وأخبرني الحسين بن محمد قال : أخبرني أبو الحسين بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله ابن أحمد بن حنبل ، عن أُبيّ ، عن وكيع قال : أخبرني أبو الأشهب ، عن خالد الربعي قال : كان لقمان عبداً حبشيّاً نجّاراً ، فقال له سيّده : اذبح لنا شاة ، فذبح له شاة ، فقال له : ائتني بأطيب المضغتين فيها ، فأتاه باللسان والقلب . فقال : ما كان فيها شيء أطيب من هذا ؟ قال : لا ، قال : فسكت عنه ما سكت ، ثمّ قال له : اذبح لنا شاة ، فذبح شاة ، فقال : ألقِ أخبثها مضغتين ، فرمى باللسان والقلب ، فقال : أمرتك أنْ تأتيني بأطيبها مضغتين فأتيتني باللّسان والقلب وأمرتك أنْ تلقي أخبثها مضغتين فألقيتَ اللسان والقلب ؟ فقال : لأنّه ليس شيء بأطيب منهما إذا طابا وأخبث منهما إذا خبثا . وأخبرني الحسين بن محمد ، عن أحمد بن جعفر بن حمدان ، عن يوسف بن عبدالله عن موسى ابن إسماعيل ، عن حمّاد بن سلمة ، عن أنس أنّ لقمان كان عند داود ( عليه السلام ) وهو يسرد درعاً فجعل لقمان يتعجّب ممّا يرى ، ويريد أن يسأله ، ويمنعه حكمه عن السؤال ، فلمّا فرغ منها وجاء بها وصبها قال : نِعمَ درع الحرب هذهِ فقال لقمان : إنّ من الحكم الصمت وقليل فاعله . ( وأخبرني الحسين بن محمد بن ماهان عن علي بن محمد الطنافسي ) قال : أخبرني أبو أُسامة ووكيع قالا : أخبرنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : كان لقمان من أهون مملوكيه على سيّده . قال : فبعثه مولاه في رقيق له إلى بستان له ليأتوه من ثمره ، فجاؤوا وليس معهم شيء ، وقد أكلوا الثمر ، وأحالوا على لقمان . فقال لقمان لمولاه : إنّ ذا الوجهين لا يكون عند الله أميناً ، فاسقني وإيّاهم ماءً حميماً ثمّ أرسِلنا فلْنعدُ ، ففعل ، فجعلوا يقيئون تلك الفاكهة وجعل لقمان يقيء ماءً ، فعرف صدقه وكذبهم . قال : أوّل ما روي من حكمته ، أنّه بينا هو مع مولاه ، إذ دخل المخرج فأطال فيه الجلوس ، فناداه لقمان : إنّ طول الجلوس على الحاجة ينجع منه الكبد ، ويورث الباسور ، ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هوناً ، وقم هوناً ، قال : فخرج وكتب حكمته على باب [ الحش ] . قال : وسكر مولاه يوماً فخاطر قوماً على أن يشرب ماء بحيرة ، فلمّا أفاق عرف ما وقع فيه فدعا لقمان فقال : لمثل هذا كنتُ اجتبيتك ، فقال : اخرج كرسيّك وأباريقك ثمّ اجمعهم ، فلمّا اجتمعوا قال : على أيّ شيء خاطرتموه ؟ قالوا : على أن يشرب ماء هذه البحيرة ، قال : فإنّ لها موادَّ احبسوا موادّها عنها ، قالوا : وكيف نستطيع أن نحبس موادها عنها ؟ قال لقمان : وكيف يستطيع شربها ولها موادّ ؟ ! وأخبرني الحسين بن محمد ، عن عبيدالله بن محمد بن شنبه ، عن علي بن محمد بن ماهان ، عن علي بن محمد الطنافسي قال : أخبرني أبو الحسين العكلي [ عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن داود بن عمر ، عن إسماعيل بن عياش عن عبدالله بن دينار أنّ لقمان قدم من سفر ، ] فلقي غلامه في الطريق ، فقال : ما فعل أبي ؟ قال : مات ، قال : الحمد لله ، ملكت أمري . قال : ما فعلت امرأتي ؟ قال : ماتت . قال : جدَّدَ فراشي ، قال : ما فعلت أُختي ؟ قال : ماتت ، قال : ستَرَ عورتي ، قال : ما فعل أخي ؟ قال : مات ، قال : انقطع ظهري . وأخبرني الحسين بن محمد قال : أخبرني أبو بكر بن مالك ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن أبي ، عن سفيان قال : قيل للقمان : أيّ الناس شرّ ؟ قال : الذي لا يبالي أنْ يراه الناس مسيئاً . وقيل للقمان : ما أقبح وجهك قال : تعيب بهذا على النقش أو على النقّاش ؟ قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ } . قرأ نافع وشيبه وأبو جعفر وأبو رجاء العطاردي وأبو محلز وأبو عمرو والأعرج وأيّوب وحفص { نِعَمَهُ } بالجمع والإضافة ، واختاره أبو عبيد وأبو معاذ النحوي وأبو حاتم ، وقرأ الآخرون منُوّنة على الواحد ومعناها جمع أيضاً ، ودليله قول الله عزّ وجلّ : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] وقال مجاهد وسفيان : هي لاَ إِلهَ إِلاّ الله ، وتصديقه أيضاً ما أخبرني أبو القاسم ( الحبيبي ) أنّه رأى في مصحف عبدالله { نِعْمَتَهُ } بالأضافة والتوحيد { ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } اختلفوا فيها فأكثروا . فقال ابن عبّاس : أمّا الظاهرة فالدين والرياش ، وأمّا الباطنة فما غاب عن العباد وَعَلِمَهُ الله . مقاتل : الظاهرة تسوية الخَلق والرّزق والإسلام ، والباطنة ما ستر من ذنوب بني آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب عليها . الضحّاك : الظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة المغفرة . القرظي : الظاهرة محمّد صلى الله عليه وسلم والباطنة المعرفة . ربيع : الظاهرة بالجوارح والباطنة بالقلب . عطاء الخراساني : الظاهرة تخفيف الشرائع ، والباطنة الشفاعة . مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء ، والباطنة الإمداد بالملائكة . أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم النيستاني ، قال : أخبرنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم ابن محمش ، قال : أخبرني أبو يحيى زكريا بن يحيى بن الحرب ، عن محمد بن يوسف بن محمد ابن سابق الكوفي قال : أخبرني أبو مالك الجبنى ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : سألت ابن عبّاس عن قول الله عزّ وجلّ : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } فقال : هذا من محرزي الذي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : " يا رسول الله ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة ؟ قال : أمّا الظاهرة فالإسلام وما حسن من خلقك وما أفضل عليك من الرزق ، وأمّا الباطنة ما ستر من سوء عملك ، يابن عبّاس يقول الله تعالى : إنّي جعلت للمؤمن ثلثا صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله أُكفّر به عن خطاياه ، وجعلت له ثلث ماله ليكفّر به عنه من خطاياه وسترت عليه سوء عمله الذي لو قد أبديته للناس لنبذه أهله فما سواهم " . وقال محمّد بن علي الترمذي : النعمة الظاهرة : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [ المائدة : 3 ] والباطنة قوله : { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] . ( الحرث بن أسد المحاسبي ) : الظاهرة نعيم الدنيا ، والباطنة نعيم العقبى . عمرو بن عثمان الصدفي : الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة تضعيف الصنائع . وقيل : الظاهرة الجزاء ، والباطنة الرضا . سهل بن عبدالله : الظاهرة إتباع الرسول ، والباطنة محبّته . وقيل : الظاهرة تسوية الظواهر والباطنة تصفية السرائر . وقيل : الظاهرة التبيين ، بيانه قوله تعالى : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] { وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ } [ البقرة : 221 ] والباطنة التزين قوله : { وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 7 ] وقيل : الظاهرة الرزق المكتسب ، والباطنة الرزق من حيث لا يُحتسب . وقيل : الظاهرة المدخل للغذاء ، والباطنة المخرج للأذى . وقيل : الظاهرة الجوارح ، والباطنة المصالح . وقيل : الظاهرة الخَلق ، والباطنة الخُلق . وقيل الظاهرة التنعيم ، بيانه قوله : { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [ الحمد : 7 ] والباطنة التعليم . قوله : { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 151 ] وقيل : الظاهرة ما أعطى وحبا من النعماء ، وقيل الباطنة : ما طوي وزوي من أنواع البلاء ، وقيل : الظاهرة الدعوة ، بيانه قوله : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [ يونس : 25 ] والباطنة الهداية . بيانه قوله : { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ يونس : 25 ] . وقيل : الظاهرة الإمداد بالملائكة ، والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفّار ، وقيل : الظاهرة تفصيل الطاعات ، وهو أنّه ذكَر طاعتك واحدة فواحدة وأثنى عليك بها وأثابك عليها ، بيانه قوله : { ٱلتَّائِبُونَ } [ التوبة : 112 ] وقوله : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] وقوله : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] إلى آخر الآية . والباطنة إجمال المعاصي وذلك أنّه دعاك منها إلى التوبة باسم الإيمان من غير عدّها وتفصيلها ، بيانه قوله : { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ النور : 31 ] وقيل : الظاهرة إنزال الأقطار والأمطار ، والباطنة إحياء الأقطار والأمصار . وقيل : الظاهرة التوفيق للعبادات ، والباطنة الإخلاص والعصمة من المراءات ، وقيل : الظاهرة ذكر اللسان ، والباطنة ذكر الجنان ، وقيل : الظاهرة تلاوة القرآن والباطنة معرفته . وقيل : الظاهرة ضياء النهار للتصرّف والمعاش ، والباطنة ظلمة الليل للسكون والقرار . وقيل : الظاهرة النطق ، والباطنة العقل ، وقيل : الظاهرة نِعَمَهُ عليك بعدما خرجت من بطن أُمّك ، والباطنة : نِعَمَهُ عليك وأنت في بطن أُمّك . وقيل : الظاهرة الشهادة الناطقة ، والباطنة السعادة السابقة . وقيل : الظاهرة ألوان العطايا ، والباطنة غفران الخطايا . وقيل : الظاهرة وضع الوزر ورفع الذّكر ، والباطنة شرح الصدر . وقيل : الظاهرة فتح المسالك والباطنة نزع الممالك ممّن خالفك ، وقيل : الظاهرة المال والأولاد ، والباطنة الهدى والارشاد ، وقيل : الظاهرة القول السديد والباطنة التأييد والتسديد ، وقيل : الظاهرة ما يكفِّر الله به الخطايا من الرزايا والبلايا ، والباطنة ما يعفو عنه ولا يؤاخذ به في الدنيا والعقبى ، وقيل : الظاهرة ما بينك وبين خلقه من الأنساب والأصهار ، والباطنة ما بينك وبينه من القرب والأسرار والمناجاة في الأسحار ، وقيل : الظاهرة العلوّ بيانه قوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } [ آل عمران : 139 ] والباطنة الدنوّ بيانه قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ الواقعة : 11 ] . قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } نزلت في النضر بن الحرث حين زعم أنّ الملائكة بنات الله { وَلاَ هُدَىً وَلاَ كِتَابٍ مُنير وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } . قال الله تعالى : { أَوَلَوْ كَانَ } قال الأخفش : لفظه استفهام ومعناه تقرير ، وقال أبو عبيدة : لو هاهنا متروك الجواب مجازه أَوَلَو كَانَ { ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } أي موجباته فيتبعونه .