Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 22-34)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ } أي يخلص دينه لله ويفوّض أمره إليه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( يُسلِّمْ ) بالتشديد ، وقراءة العامّة بالتخفيف من الإسلام وهو الاختيار لقوله : { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } [ البقرة : 112 ] وأشباه ذلك . { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في عمله { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } أي : اعتصم بالطريق الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه . وقال ابن عبّاس : هي : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ الصافات : 35 ] . { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } يعني مرجعها . { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ } نعمّرهم ونمهلهم { قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ } نُلجئهم ، ونردّهم { إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } . قوله عزّ وجلّ : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } الآية . قال المفسِّرون : سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّوح فأنزل الله بمكّة : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [ الإسراء : 85 ] الآية ، " فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود ، فقالوا : يا محمّد بلغنا عنك أنّك تقول : وما أُوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ، أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : كلاًّ قد عنيت . قالوا : ألستَ تتلوا فيما جاءَك : إنّا قد أُوتينا التّوراة وفيها علم كلّ شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليلٌ وقد آتاكم الله ما إنْ عملتم به انتفعتم . قالوا : يا محمّد كيف تزعم هذا وأنت تقول : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } فكيف يجتمع هذا قليل وخير كثير ؟ فأنزلَ الله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } " أي بريت أقلاماً { وَٱلْبَحْرُ } بالنصب ابن أبي إسحاق وأبو عمرو ويعقوب . غيرهم بالرّفع ، وحجّتهم : قراءة عبدالله وبحر { يَمُدُّهُ } أي يزيده وينصب عليه { مِن بَعْدِهِ } من خلفه { سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } وفي هذه الآية اختصار تقديرها : ولو أنَّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدُّهُ من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله ، وهذه الآية تقتضي أنّ كلامه غير مخلوق ؛ لأنّه لا نهاية له ولما يتعلّق به من معناه فهو غير مخلوق . { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } هذه الآية على قول عطاء بن يسار : مدنيّة ، قال : نزلت بعد الهجرة كما حكينا . وعلى قول غيره : مكّيّة ، قالوا : إنّما أمرَ اليهود وفد قريش أنْ يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكّة ، والله أعلم . قوله : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني إلاّ كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء وهذا كقوله : { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [ الأحزاب : 19 ] أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِك } الذي ذكرتُ لتعلموا : { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ } برحمة الله ، { لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ } على أمر الله { شَكُورٍ } على نِعَمِهِ . قال أهل المعاني : أراد لكلّ مؤمن ، لأنّ الصّبر والشكر من أفضل خصال المؤمنين . { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ } قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب ( وٱلظُّلَلِ ) جمع ظلّه شَبَّهَ الموجَ بها في كثرتها وارتفاعها كقول النّابغة في صفة بحر : @ يماشيهن أخضر ذو ظلال على حافاته فلق الدنان @@ وإنّما شبّه الموج وهو واحد بالظلل وهي جمع ، لاِنَّ الموج يأتي شيء بعد شيء ويركب بعضه بعضاً كالظلل . وقيل : هو بمعنى الجمع ، وإنّما لم يجمع لأنّه مصدر ، وأصله من الحركة والازدحام . { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } قال ابن عبّاس : موف بما عاهد الله عليه في البحر . ابن كيسان : مؤمن . مجاهد : مقتصد في القول مضمر للكفر . الكلبي : مقتصد في القول من الكفّار لأنَّ بعضهم أشدّ قولاً وأغلى في الافتراء من بعض . ابن زيد : المقتصد الذي على صلاح من الأمر . { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ } غدّار { كَفُورٍ } جحود ، والختر أسوأ الغدر . وقال عمرو بن معدي كرب : @ وإنّك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر @@ قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي } لا يقضي ولا يُغني ولا يكفّر { وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } . قراءة العامّة : بفتح الغين هاهنا وفي سورة الملائكة والحديد وقالوا : هو الشيطان . وقال سعيد بن جبير : هو أن يعمل بالمعصية ويتمنّى المغفرة . وقرأ سماك بن حرب : بضم الغين ومعناه لا تغتروا { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } الآية . نزلت في الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن خصفة من أهل البادية ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال : إنّ أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث ؟ وتركتُ امرأتي حبلى فما تلد ؟ وقد علمتُ أين وُلدتْ فبأيّ أرض تموت ؟ فأنزل الله هذه الآية . أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبدالله بن حمدون ، عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن محمد بن يحيى ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبي عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبدالله ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " مفاتيحُ الغيب خمسة { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } الآية " . وروى يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله هل من العلم علم لم تؤته ؟ فقال : لقد أُوتيتُ علماً كثيراً أو علماً حسناً ( أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ تلا رسول الله هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلى قوله : { خَبِيرٌ } فقال : هؤلاء خمسة لا يعلمهنّ إلاّ الله تبارك وتعالى . وأخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحربي قال : أخبرني أبو حامد أحمد بن حمدون بن عمارة الأعمش ، عن علي بن حشرم ، عن الفضل بن موسى ، عن رجل سمّاه قال : بلغ ابن عبّاس أنَّ يهودياً خرج من المدينة يحسب حساب النجوم فأتاه فسأله . فقال : إنْ شئت أنبأتك عن نفسك وعن ولدك . فقال : إنّك ترجع إلى منزلك وتلقى لك بابن محموم ، ولا تمكث عشرة أيّام حتّى يموت الصبي ، وأنت لا تخرج من الدُّنيا حتى تعمى ، فقال ابن عبّاس : وأنت يا يهودي ؟ قال : لا يحول عليَّ الحول حتى أموت ، قال : فأين موتك ؟ قال : لا أدري . قال ابن عبّاس : صدق الله { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } . قال : فرجع ابن عبّاس فتلقّى بابن محموم فما بلغَ عشراً حتّى مات الصبي ، وسأل عن اليهودي قبل الحول فقالوا : مات ، وما خرجَ ابن عبّاس من الدنيا حتّى ذهب بصره . قال علي : هذا أعجب حديث . قوله : { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } كان حقه بأيّة أرض ، وبه قرأ أُبيّ بن كعب ، إلاّ أنّ مَن ذَكَّر قال : لاِنّ الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء . وقيل : أراد بالأرض المكان فلذلك ذَكَّر ، وأحتجُ بقول الشاعر :