Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { الۤـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ } . أي ، بل يقولون وقيل : الميم صلة ، أي أيقولون استفهام توبيخ . وقيل : هو بمعنى الواو يعني ويقولون . وقيل : فيه إضمار مجازه : فهل يؤمنون به ، أَمْ يقولون : { ٱفْتَرَاهُ } ثمّ قال : { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ } أي لم يأتهم { مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ } . قال قتادة : كانوا أُمّةً أُمّيّة لم يأتهم نذير قبل محمّد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عبّاس ومقاتل : ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمّد ( عليهما السلام ) . { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ } أي ينزل الوحي مع جبرائيل من السماء إلى الأرض { ثُمَّ يَعْرُجُ } يصعد { إِلَيْهِ } جبرائيل بالأمر في يوم واحد من أيّام الدُّنيا ، وَقَدْرُ مسيرِهِ ألف سنة ، خمسمائة نزوله من السماء إلى الأرض ، وخمسمائة صعوده من الأرض إلى السماء . وما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة يقول : لو ساره أحد من بني آدم لم يسره إلاّ في ألف سنة ، والملائكة يقطعون هذه المسافة بيوم واحد ، فعلى هذا التأويل نزلت الآية في وصف مقدار عروج الملائكة من الأرض إلى السماء ، ونزولهم من السماء إلى الأرض ، وأمّا قوله : { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] فإنّه أراد مدّة المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها مقام جبرائيل ( عليه السلام ) . يقول : يسير جبرائيل والملائكة الذين معه من أهل مقامهِ مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيّام الدنيا ، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة والضحّاك ، وأمّا معنى قوله : { إِلَيْهِ } على هذا التأويل فإنّه يعني إلى مكان الملك الذي أمره الله أنْ يعرج إليه ، كقول إبراهيم ( عليه السلام ) { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } [ الصافات : 99 ] وإنّما أراد أرض الشام . وقال : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ } أي إلى المدينة ، ولم يكن الله تعالى بالمدينة ولا بالشام . أخبرني ابن فنجويه ، عن هارون بن محمد بن هارون ، عن حازم بن يحيى الحلواني ، عن محمد بن المتوكل ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن صدقة بن عبدالله عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني ملك برسالة من الله عزّ وجلّ ، ثمّ رفع رجله فوضعها فوق السماء ، والاُخرى في الأرض لم يرفعها " . وقال بعضهم معناه : يُدَّبِرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرض مدّة أيّام الدنيا ، ثمّ يَعْرُجُ إليه الأمر والتدبير ، ويرجع يعود إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } وهو يوم القيامة . وأمّا قوله : { خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] فإنّه أراد على الكافر ، جعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة ، وعلى المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاّها في دار الدنيا . ويجوز أن يكون ليوم القيامة أوّل وليس له آخر وفيه أوقات شتّى بعضها ألف سنة وبعضها خمسين ألف سنة . ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدّتهِ وهوله ومشقّته لاِنّ العرب تصف أيّام المكروه بالطّول وأيّام السرور بالقصر ، وإلى هذا التأويل ذهب جماعة من المفسِّرين . وروى عبد الرزاق عن ابن جريح قال : أخبرني ابن أبي مليكة قال : دخلت أنا وعبدالله بن فيروز مولى عثمان بن عفّان على ابن عبّاس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية ، فقال له ابن عبّاس : مَنْ أنت ؟ قال : أنا عبدالله بن فيروز مولى عثمان بن عفّان ، فقال عبدالله بن عبّاس : أيّام سمّاها الله لا أدري ما هي ، وأكره أنْ أقول في كتاب الله ما لا أعلم . قال ابن أبي مليكة : فضرب الدهر حتّى دخلتُ على سعيد بن المسيّب فسئل عنها فلم يدر ما يقول ، فقلت له : ألا أخبرك ما حضرتُ مِن ابن عبّاس ، فأخبرته ، فقال ابن المسيب للسائل : هذا ابن عبّاس قد اتّقى أنْ يقول فيها وهو أعلم منّي . قوله : { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } قرأ نافع وأهل الكوفة ( خَلَقه ) بفتح اللاّم على الفعل ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ثمّ قالا : لسهولتها في المعنى وهي قراءة سعيد بن المسيب . وقرأ الآخرون بسكون اللام . قال الأخفش : هو على البدل ومجازه : الذي أحسَنَ خلقَ كلِّ شيء . قال ابن عبّاس : أتقنه وأحكمه ، ثمّ قال : أما إنَّ أست القرد ليست بحسنة ولكنّه أحكم خلقها . وقال قتادة : حسنُه . مقاتل : علم كيف يخلق كلّ شيء ، من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه . { وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ } يعني آدم ( عليه السلام ) { مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ } ذريته { مِن سُلاَلَةٍ } من نطفة ، سمّيت بذلك لاِنّها تنسل من الإنسان ، أي تخرج ، ومنه قيل للولد : سلالة . وقال ابن عبّاس : وهي صفو الماء { مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } ضعيف { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ * وَقَالُوۤاْ } يعني منكري البعث ، { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } أي أُهلكنا وبطلنا وصرنا تراباً ، وأصله من قول العرب : ضلّ الماء في اللبن إذا ذهب ، ويقال : أضللت الميّت أي دفنته . قال الشاعر : @ وأب مُضلوهُ بغيرِ جَلية وغُودر بالجولان جرم ونائل @@ وقرأ ابن محيصن بكسر اللام ( ضللنا ) وهي لغة . وقرأ الحسن والأعمش { ضَلَلْنَا } ( بالصاد ) غير معجمة أي أَنتنّا ، وهي قراءة عليّ رضي الله عنه . أخبرنا ابن فنجويه عن ابن شنبه قال : أخبرني أبو حامد المستملي ، عن محمد بن حاتم ( الكرخي ) أبو ( عثمان ) النحوي ، عن المسيب بن شريك ، عن عبيدة الضبي ، عن رجل ، عن علي أنّه قرأ أَءِذَا ضللنا أي أنتنّا . قال محمّد بن حاتم : يقال : صلَّ اللّحم وأصل إذا أنتن . { أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } قال الله : { بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } . قوله عزّ وجلّ : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم } بقبض أرواحكم { مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } قال مجاهد : حويت له الأرض فجُعلت له مثل طست يتناول منها حيث يشاء ، وقال مقاتل والكلبي : بلغنا أنَّ اسم ملك الموت عزرائيل وله أربعة أجنحة : جناح له بالمشرق ، وجناح له بالمغرب ، وجناح له في أقصى العالم من حيث يجيء ريح الصبا ، وجناح من الأفق الآخر . ورجل له بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، والخلق بين رجليه ، ورأسه وجسده كما بين السماء والأرض ، وجُعلت له الدنيا مثل راحة اليد ، صاحبها يأخذ منها ما أَحبّ في غير مشقة ولا عناء ، أي مثل اللّبنة بين يديه فهو يقبض أنْفُس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسين عن عبدالله بن يوسف بن أحمد بن مالك عن الخطّاب بن أحمد بن عيسى قال : أخبرني أبو نافع أحمد بن كثير ، عن كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم عن ابن عبّاس قال : إنّ خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب . وأخبرنا الحسين بن محمد ، عن عبدالله بن يوسف ، عن عبد الرحيم بن محمد ، عن سلمة ابن شبيب ، عن الوليد بن سلمة الدمشقي ، عن ثور بن يزيد عن خالد بن ( معد ) ، عن معاذ بن جبل قال : إنّ لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب ، وهو يتصفّح وجوه الناس ، فما من أهل بيت إلاّ وملك الموت يتفحّصهم في كلّ يوم مرّتين ، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة ، وقال : الآن يزار بك عسكر الأموات . وأخبرنا الحسين بن محمد قال : أخبرني أبو بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله بن أحمد ابن حنبل ، عن أَبي ، عن عبدالله بن نميرة عن الأعمش عن خيثمة وعن شهر بن حوشب قال : دخل ملك الموت على سليمان ، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم إليه النظر ، فلمّا خرج قال الرجل : من هذا ؟ قال : هذا ملك الموت ، قال : لقد رأيته ينظر إليَّ كأنّه يريدني ، قال : فما تريد ؟ قال : أريد أن تحملني على الريح فتلقيني بالهند ، فدعا بالريح فحملته عليها فألقته بالهند ، ثمّ أتى ملك الموت سليمان ( عليه السلام ) فقال : إنّك كنت تديم النظر إلى رجل من جلسائي ، قال : كنتُ أعجبُ منه إنّي أُمرت أنْ أقبضَ روحه بالهند وهو عندك . فإن قيل : ما الجامع بين قوله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [ الأنعام : 61 ] و { تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } [ النحل : 28 ] و { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } [ السجدة : 11 ] وقوله : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] و { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ } [ الأنعام : 60 ] . قيل : تَوفّي الملائكة : القبض والنزع . وتوفّي ملك الموت : الدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ثمّ يأمر أعوانه بقبضها ، وتوفّي الله سبحانه : خلق الموت ، والله أعلم .