Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 12-22)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ } أي مطأطئوا رؤوسهم { عِندَ رَبِّهِمْ } حياءً منه للذي سلف من معاصيهم في الدنيا يقولون : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا } ماكنّا بِهِ مكذِّبين { وَسَمِعْنَا } منك تصديق ما أتتنا به رسلك { فَٱرْجِعْنَا } فأرددنا إلى الدنيا { نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } وجواب لو مضمر مجازه : لرأيت العجب { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } رشدها وتوفيقها للإيمان { وَلَـٰكِنْ حَقَّ } وجب وسبق { ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وهو قوله لأبليس { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] . ثمّ يقال لأهل النار : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } أي تركتم الإيمان به { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } تركناكم في النار { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون } . أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، عن أحمد بن الحسن بن ماجة القزويني ، عن الحسن ابن أيّوب القزويني ، عن عبدالله بن أبي زياد القطواني ، عن سيار حماد الصفار ، عن حجاج الأسود ، عن جبلة ، عن مولى له ، عن كعب قال : إذا كان يوم القيامة يقوم الملائكة فيشفعون ، ثمّ يقوم الأنبياء فيشفعون ، ثمّ يقوم الشهداء فيشفعون ثمّ يقوم المؤمنون فيشفعون . حتّى انصرمت الشفاعة كلّها فلم يبق أحد ، خرجت الرحمة ، فتقول : ياربِّ أنا الرحمة فشفّعني ، فيقول : قد شفّعتكِ ، فتقول : ياربّ فيمَن ؟ فيقول : في مَن ذكرني في مقام وخافني فيه أو رجاني أو دعاني دعوة واحدة خافني أو رجاني فأخرجيه ، قال : فيخرجون فلا يبقى في النار أحد يعبأ الله به شيئاً ، ثمّ يعظم أهلها بها ، ثمّ يأمر بالنار فتقبض عليهم فلا يدخل فيها رَوح أبداً ، ولا يخرج منها غمٌّ أبداً وقيل : { ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } [ الجاثية : 34 ] . { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن الإيمان به والسجود له . { تَتَجَافَىٰ } أي ترتفع وتنتحي ، وهو تفاعل من الجفا ، والجفا : التبوّء والتباعد ، تقول العرب : جاف ظهرك عن الجدار ، وجفت عين فلان عن الغمض إذا لم تنم . { جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } . أخبرني أبو عبدالله الحسين بن محمد بن الحسن قال : أخبرني أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن سمعان الوزان ، عن عبدالله بن قحطبة بن مرزوق ، عن محمد بن موسى الحرشي ، عن الحرث بن وحيه الراسبي قال : سمعت مالك بن دينار يقول : سألت أنس بن مالك عن قول الله تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } ، فقال أنس : كان أُناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة ، فأنزل الله تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } . أخبرني الحسين بن محمد [ عن موسى بن محمد ، عن الحسن بن محمد ، عن موسى بن محمد ] عن الحسن بن علويه ، عن إسماعيل بن عيسى ، عن المسيب ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتاده ، عن أنس بن مالك قال : نزلت فينا معاشر الأنصار : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } الآية ، كنّا نصلّي المغرب ، فلا نرجع إلى رحالنا حتّى نصلّي العشاء مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم . وأخبرنا الحسين بن محمد عن عبدالله بن إبراهيم بن علي بن عبدالله ، عن عبدالله بن محمد بن وهب ، عن محمد بن حميد ، عن يحيى بن الضريس ، عن النضر بن حميد ، عن سعيد ، عن الشعبي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عقّب ما بين المغرب والعشاء بُني له في الجنّة قصران ( ما بينهما ) مسيرة ( مائة ) عام ، وفيهما من الشجر ، ما لو نزلها أهل المشرق وأهل المغرب لأوسعتهم فاكهة ، وهي صلاة الأوّابين وغفلة الغافلين ، وإنّ من الدعاء المستجاب الذي لا يرد الدعاء ما بين المغرب والعشاء " . وقال عطاء : يعني يصلّون صلاة العتمة لا ينامون عنها ، يدلّ عليها ما أنبأني عبدالله بن حامد ، عن عبدالصمد بن الحسن بن علي بن مكرم ، عن السري بن سهل ، عن عبدالله بن رشيد قال : أنبأني أبو عبيدة مجاعة بن الزبير ، عن أبان قال : جاءت امرأة إلى أنس بن مالك ، فقالت : إنّي أنام قبل العشاء . فقال : لا تنامي . فإنّ هذه الآية نزلت في الذين لا ينامون قبل العشاء الآخرة { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } . وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وابن زيد : هو التهجّد وقيام الليل ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو عبدالله بن فنجويه عن أبي بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أَبي عن زيد بن الحبّاب ، عن حمّاد بن سلمة ، عن عاصم ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } قال : قيام العبد في الليل . وأخبرنا عبدالله بن حامد الأصفهاني ، عن محمّد بن عبدالله بن عبد الواحد الهمداني ، عن إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق بن معمر ، عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل ، " عن معاذ قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت قريباً منه ونحن نسير ، فقلت : يا نبيّ الله ألا تخبرني بعمل يدخلني الجنّة ، ويباعدني من النار ؟ قال : يا معاذ ، لقد سألت عن عظيم ، وإنّه ليسير على من يسّرهُ الله عليه ، تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحجّ البيت . ثمّ قال : ألاَ أدلُّك على أبواب الخير . الصوم جُنّة من النار والصدقة تطفئ غضب الربّ وصلاة الرجل في جوف الليل ثمّ قرأ { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } حتّى بلغ { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ثمّ قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه . فقلتُ : بلى يا رسول الله . فأخذ بلسانه . فقال : " اكفف ، عليك هذا " . فقلت : يا رسول الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم ؟ فقال : " ثكلتك أُمّك يا معاذ وهل يكبّ الناس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم " " . وقال الضحّاك : هو أنْ يصلّي الرجل العشاء والغداة في جماعة . أخبرني الحسين بن فنجويه عن أحمد بن الحسين بن ماجة قال : أخبرني أبو عوانة الكوفي بالري عن منجاب بن الحرث عن علي بن مسهر عن عبدالرحمن بن إسحاق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يُسمع الخلائق كلّهم : سيعلمُ أهل الجمع اليوم مَنْ أولى بالكرم ، ثمّ يرجع فينادي : ليقم الذين كانت تَتَجافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضراء . فيقومون وهم قليل ، فيسرحون جميعاً إلى الجنّة ثمّ يحاسب سائر الناس " . { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } أي خُبّئ لهم ، هذه قراءة العامّة . وقرأ حمزة ويعقوب أُخفي مرسلة الياء أي : أنا أخفي وحجّتهما قراءة عبدالله : نُخفي بالنون . وقرأ محمّد بن كعب : أخْفى بالألف يعني : أخفى الله من قرّة أعين ، قراءة العامّة على التوحيد . أخبرنا عبدالله بن حامد الوزان ، عن مكي بن عبدان ، عن عبدالله بن هاشم قال : أخبرني أبو معاوية عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بله ما ( قد ) أطلعتكم عليه ، اقرأوا إن شئتم فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِي لَهُمْ مِنْ قُرَّاتَ أَعْيُن " . { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال : وكان أبو هريرة يقرأ . هكذا : قرّات أعين . وقال ابن مسعود : إنّ في التوراة مكتوباً : لقد أعد الله للّذين تَتَجَافَى جُنوُبُهُم عَنِ المَضَاجِع ما لم تَرَ عين ولم تسمع أُذن ولا يخطر على قلب بشر وما لا يعلمه ملك مقرّب ، وإنّه لفي القرآن { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } الآية . قوله : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأُمِّهِ وذلك أنّه كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد لعلي : أُسكت فإنّك صبيّ ، وأنا والله أبسط منك لساناً وأَحَدُّ منك سناناً ، وأشجع جناناً ، وأملأُ منك حشواً في الكتيبة ، فقال له علي : اسكت فإنّك فاسق ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } ولم يقل يستويان ، لأنّه لم يرد بالمؤمن مؤمناً واحداً ، وبالفاسق فاسقاً واحداً ، وإنّما أراد جميع الفسّاق وجميع المؤمنين . قال الفرّاء : إنّ الاثنين إذا لم يكونا مصمودَين لهما ذُهب بهما مذهب الجمع . ثمّ ذكر حال الفريقين ومآلهما ، فقال عزّ من قائل : { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قال أُبي بن كعب وأبو العالية والضحّاك والحسن وإبراهيم : العذاب الأَدنى مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها ممّا يبتلي الله به العباد حتّى يتوبوا ، وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس . عكرمة عنه : الحدود . عبدالله بن مسعود والحسن بن علي وعبدالله بن الحرث : القتل بالسيف يوم بدر . مقاتل : الجوع سبع سنين بمكّة حتّى أكلوا الجيف والعظام والكلاب . مجاهد : عذاب القبر . قالوا : والْعَذابِ الاْكْبَرِ ، يوم القيامة { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن كفرهم . قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { مُنتَقِمُونَ } قال زيد بن رفيع : عنى بالمجرمين هاهنا أصحاب القَدَر ثمّ قرأ { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 47 ] إلى قوله : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر : 49 ] وأخبرنا الحسين بن محمد ، عن أحمد ابن محمد بن إسحاق السني قال : أخبرني جماهر بن محمد الدمشقي ، عن هشام بن عمّار ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عبدالله ، عن عبادة بن سني ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاث من فعلهن فقد أجرم : من اعتقد لواء في غير حقّ ، أو عَقَّ والديه ، أو مشى مع ظالم لينصره فقد أجرم . يقول الله تعالى : إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ " .