Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 45-59)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } أي ما بين أيديكم من الآخرة فاعملوا لها { وَمَا خَلْفَكُمْ } من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها . قاله ابن عباس ، وقال مجاهد : { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } : ما يأتي من الذنوب ، { وَمَا خَلْفَكُم } : ما مضى من الذنوب . الحسن . { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } يعني وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأُمم { وَمَا خَلْفَكُم } من أمر الساعة . مقاتل : { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } عذاب الأُمم الخالية ، { وَمَا خَلْفَكُم } : عذابُ الآخرة . { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، والجواب محذوف تقديره : إذا قيل لهم هذا ، أعرضوا ، دليله ما بعده : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ } : الرزق { مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } يتوهمون أنّ الله تعالى لما كان قادراً على إطعامه وليس يِشاء إطعامه ، فنحن أحق بذلك . نزلت في مشركي مكة حين قال لهم فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله ، وذلك قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } [ الأنعام : 136 ] فحرموهم ، وقالوا : لو شاء الله أطعمكم فلا نُعطيكم شيئاً حتى ترجعوا إلى ديننا . { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } في اتباعكم محمداً ومخالفكتم ديننا . عن مقاتل بن حيان ، وقال غيره : هو من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم . { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنا نُبعث ؟ فقال الله تعالى : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة إسرافيل { تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي يختصمون ويُخاصم بعضهم بعضاً . واختلفت القراء فيه ؛ فقرأ ابن كثير وورش وأبو عبيد وأبو حاتم بفتح الخاء وتشديد الصاد ومثله روى هشام عن أهل الشام : لما أدغموا نقلوا حركة التاء إلى الخاء . وقرأ أبو جعفر وأيوب ونافع غير ورش ساكنة الخاء مخففة الصاد ، وقرأ أبو عمرو : بالإخفاء ، وقرأ حمزة : ساكنة الخاء مخففة الصاد ، أي يغلب بعضهم بعضاً بالخصام ، وهي قراءة أُبي بن كعب ، وقرأ الباقون : بكسر الخاء وتشديد الصاد . { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } : فلا يقدرون على أنْ يوصي بعضهم بعضاً ، { وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } وهي النفخة الأخيرة : نفخة البعث ، وبين النفختين أربعون سنة ، { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ } أي القبور ، واحدها جدث { إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } يخرجون ، ومنه قيل للولد : نسلاً ؛ لأنه يخرج من بطن أُمّه ، والنسلان والعسلان : الإسراع في السير . { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } أي منامنا قال أُبي بن كعب وابن عباس وقتادة : إنما يقولون هذا ؛ لأن الله رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين فيرقدون ، وقال أهل المعاني : إنّ الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار ماعذبوا في القبور في جنبها كالنوم ، فقالوا : { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ؟ ثم قال : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } : أقرّوا حين لم ينفعهم الإقرار ، وقال مجاهد : يقول الكفار : { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ؟ ويقول المؤمنون : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } . { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، محل { مَا } نصب من وجهين : أحدهما : مفعول ما لم يسمَّ فاعله . والثاني : بنزع حرف [ الخفض ] ، أي بـ ( ما ) . { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ } ، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشيبة بجزم الغين ، واختاره أبو حاتم ، وقرأ الآخرون : بضم الغين ، واختاره أبو عبيد ، وهما لغتان مثل السُّحْت والسُّحُت ونحوهما . واختلف المفسرون في معنى الشغل . فأخبرنا محمد بن حمدون قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا أبو الأزهر قال : حدّثنا أسباط بن محمد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ } قال : افتضاض الأبكار . وأخبرني فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا أحمد بن الوليد الشطوي قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا معلى بن عبد الرَّحْمن قال : حدّثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكاراً " . وقال الكلبي والثمالي والمسيب : يعني في شُغل عن أهل النار وعما هم فيه ، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم ، وقال وكيع بن الجراح : يعني في السماع ، سئل يحيى بن معاذ : أي الأصوات أحسن ؟ قال : مزامير أُنس في مقاصير قدس بألحان تجميل في رياض تمجيد في مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقال ابن كيسان : يعني في زيارة بعضهم بعضاً ، وقيل : في ضيافة الله وقيل : في شغلهم بعشرة أشياء : ملك لا عزل معه ، وشباب لا هرم معه ، وصحة لا سقم معها ، وعزّ لا ذل معه ، وراحة لا شدة معها ، ونعمة لا محنة معها ، وبقاء لا فناء معه ، وحياة لا موت معها ، ورضا لا سخط معه ، وأُنس لا وحشة معه . وقيل : شغلهم في الجنة بسبعة أنواع من الثواب لسبعة أعضاء : فأما ثواب الرِجل فقوله { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينََ } [ الحجر : 46 ] ، وثواب اليد قوله : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } [ الطور : 23 ] ، وثواب الفرج قوله : { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] ، وثواب البطن قوله : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } [ الطور : 19 ] الآية ، وثواب اللسان قوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] وثواب الأُذن قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 25 - 26 ] ، وثواب العين قوله : { وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] . قال طاووس : لو علم أهل الجنة عمّن شغلوا ما هنّأهم ما اشتغلوا به ، وسئل بعض الحكماء عن قوله ( عليه السلام ) : " أكثر أهل الجنة البله " قال : لأنهم في شغل بالنعيم عن المنعم ، ثم قال : من رضي بالجنة عن الله فهو أبله . { فَاكِهُونَ } قرأ العامة : بالألف ، وقرأ أبو جعفر ( فكهون وفكهين ) بغير ألف حيث كانا ، وهما لغتان : كالحاذر والحذر والفارهِ والفرهِ ، وقال الكسائي : الفاكه والفاكهة مثل شاحم ولاحم ولابن وتامر ، واختلف العلماء في معناهما ، فقال ابن عباس : فرحون . مجاهد والضحاك : معجبون . السدي : ناعمون . { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ } : حلائلهم { فِي ظِلاَلٍ } قرأ العامة بالألف وكسر الظاء على جمع ( ظلّ ) ، وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير وحمزة والكسائي وخلف : ( ظلل ) على جمع ( ظلة ) . { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } يعني السُرر في الحجال ، واحدتها أريكة ، مثل سفينة وسفن وسفائن وقيل : هي الفرش ، { مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } قال ابن عباس : يسألون . قال مقاتل : يتمنون ويريدون ، وقيل : معناه . من ادّعى منهم شيئاً فهو له بحكم الله عز وجل ؛ لأنهم لا يدعون إلاّ ما يحسن . { سَلاَمٌ } قرأ العامة بالرفع ، أي لهم سلام ، وقرأ النخعي : بالنصب على القطع والمصدر . أخبرني الحسن بن محمّد بن عبد الله الحافظ قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا أحمد بن الفرج المقرئ قال : حدّثنا محمد بن عبد الملك أبي الشوارب قال : حدّثنا أبو عاصم عبد الله بن عبد الله العباداني قال : حدّثنا الفضل بن عيسى الرقاشي ، وأخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن قال : حدّثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني قال : حدّثنا الحسن بن أبي علي الزعفراني قال : حدّثنا ابن أبي الشوارب قال : حدّثنا أبو عاصم قال : حدّثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رؤوسهم ، فإذا الربّ عزّ وجل قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة . فذلك قوله عز وجل { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ، فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم " . { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } قال ابن عباس : تفرقوا . أبو العالية : تميزوا . السدي : كونوا على حدة . قتادة : اعدلوا عن كل خير . الضحاك : إنّ لكل كافر في النار بيتاً ، يدخل ذلك البيت ويردم به بالنار فيكون فيه أبد الآبدين فلا يرى ولا يُرى .